مفهوم البلاغة عند الفارسي واليوناني والرومي

سُئل الفارسي عن البلاغة، فقال: “معرفة الفصل من الوصل.”

وسُئل اليوناني عن البلاغة، فقال: “تصحيح الأقسام واختيار الكلام.”

أما الرومي، فقال: “حُسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يومَ الإطالة.”

📖 المصدر: البيان والتبيين – الجاحظ

1️⃣ الفارسي: “معرفة الفصل من الوصل”

الفصل والوصل مصطلحان بلاغيان يشيران إلى كيفية ترتيب الجُمل وربطها ببعضها البعض.

• الفصل: هو ترك العطف بين الجمل، مما يجعل كل جملة قائمة بذاتها، وهو مناسب عندما يكون هناك استقلال معنوي بين الجمل.
• الوصل: هو العطف بين الجمل، مما يؤدي إلى تماسك النص وترابط المعاني.
• لماذا هذا التعريف مهم؟ البلاغة تكمن في معرفة متى يجب الفصل لخلق الإيجاز والقوة، ومتى يجب الوصل لتحقيق الانسجام والسلاسة.

📌 مثال:

• الفصل: “ذهبتُ إلى السوق. اشتريتُ فاكهة. عدتُ مسرعًا.” (لكل جملة استقلال معنوي).
• الوصل: “ذهبتُ إلى السوق فاشتريتُ فاكهةً وعدتُ مسرعًا.” (ترابط الجمل بالعطف يجعلها أكثر انسيابية).

2️⃣ اليوناني: “تصحيح الأقسام واختيار الكلام”

هذا التعريف يُشير إلى دقتين لغويتين مهمتين:

• تصحيح الأقسام: أي تقسيم الأفكار بشكل منطقي وواضح، بحيث يكون لكل فكرة مكانها الصحيح دون خلط أو لبس.
• اختيار الكلام: أي انتقاء الألفاظ المناسبة لمعانيها بحيث تكون واضحة ومؤثرة ومتناسبة مع السياق.
• لماذا هذا التعريف مهم؟ لأن ترتيب الأفكار وتنسيقها، واختيار الكلمات بدقة، هما أساس إيصال المعاني بوضوح وقوة.

📌 مثال:

• اختيار الكلام: قولنا “فلانٌ جوادٌ” أبلغ من قولنا “فلانٌ كريمٌ”، لأن الجود أرقى درجات الكرم.
• تصحيح الأقسام: تقسيم موضوع إلى مقدمة وعرض وخاتمة، أو عند الحديث عن قضية يجب البدء بالأساسيات ثم الانتقال إلى التفصيلات.

3️⃣ الرومي: “حُسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة”

هذا التعريف يُبرز جانبين أساسيين من البلاغة:

• حُسن الاقتضاب عند البداهة: أي القدرة على التعبير بإيجاز وقوة عند المفاجأة أو في المواقف التي تحتاج سرعة بديهة.
• الغزارة يوم الإطالة: أي التوسع في الحديث بعمق وتفصيل عندما يكون المقام مناسبًا، دون تطويل ممل أو تكرار زائد.
• لماذا هذا التعريف مهم؟ لأن البلاغة ليست مجرد إيجاز، بل معرفة متى يجب أن تكون موجزًا، ومتى يجب أن تُسهب، بحسب المقام والمستمع.

📌 مثال:

• حسن الاقتضاب: جواب النبي ﷺ عندما سُئل: “ما الإسلام؟” فقال: “أن تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا.” (جواب موجز لكنه شامل وكامل وتام).
• الغزارة عند الإطالة: خطب الخلفاء والعلماء التي تُفصّل القضايا وتُبيّن الحُجج عند الحاجة.

🔹 الخلاصة

هذه التعريفات الثلاثة تُكمل بعضها البعض:
✔ الفارسي ركّز على الجانب الفني في تركيب الجمل.
✔ اليوناني ركّز على الدقة في التقسيم واختيار الكلمات.
✔ الرومي ركّز على التوازن بين الإيجاز والتفصيل حسب الحاجة.

وهكذا، فإن البلاغة ليست مجرد فن لغوي، بل هي حكمة في التعبير عن المعاني بأفضل صورة ممكنة!