لطالما تساءل المفكرون والشعراء عن ميل الدنيا إلى الأنذال، وعن سبب ازدهار أصحاب النفوس الوضيعة بينما يعاني أهل الفضل والكرم. هذا السؤال الوجودي كان محورا لأقوال الفلاسفة والحكماء منذ العصور القديمة، حيث رأوا في تقلبات الدنيا نزعة طبيعية تمنح الحظوة لمن لا يستحق، بينما تعاند من يمتلك المروءة والشرف.
- حكم وأقوال عن ميل الدنيا إلى الأنذال
يقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه:
“الدنيا نذلة تميل إلى الأنذال.”
ويؤكد هذا المعنى أحد الحكماء بقوله:
“إذا أردت أن تزهد في الدنيا فانظر عند من هي.”
أما النظّام، فقد أشار إلى أن الذهب والفضة دلالة على اللؤم، لأنهما غالبا ما يكونان عند اللئام، فكل شيء ينجذب إلى شبيهه. ومن هنا استلهم المتنبي بيته الشهير:
وشبه الشيء منجذب إليه
وأشبهنا بدنيانا الطغام
- الشعر في وصف ميل الدنيا إلى غير أهلها
تناول الشعراء هذه الظاهرة في قصائدهم، وعبروا عن مفارقات الحياة، حيث يسقط أهل المروءة بينما يعلو من لا يستحق.
يقول حسان بن ثابت متحسرا على كيفية تدفق المال إلى من لا يستحقه:
المال يغشى رجالا لا طباع لهم
كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
ويؤكد أبو تمام أن الغنى لا يعبر عن المكانة الحقيقية للإنسان، فالسيل يجرف التربة السفلية بينما يحرم المرتفعات من الماء:
لا تنكري عُطلَ الكريم من الغنى
فالسّيلُ حربٌ للمكانِ العالي
أما ابن الرومي، فقد رسم صورة قاسية لميل الدنيا إلى الأنذال:
رأيتُ الدّهرَ يرفعُ كلَّ وغد
ويخفضُ كلَّ ذي رُتب شريفة
كمثل البحر يرسب فيه حيٌّ
ولا ينفكّ تطفو فيه جيفة
و كالميزان يخفض كل واف
ويرفع كل ذي زنة خفيفة
- هل ميل الدنيا إلى الأنذال حقيقة أم وهم؟
يبقى هذا التساؤل مطروحا، فهل هو قانون حتمي للحياة، أم أن هذه النظرة ناتجة عن رؤية انتقائية للواقع؟ ربما يكون السبب في ذلك أن الأنذال أكثر جرأة على الأخذ بغير حق، بينما يتحرج أهل الفضل من الأساليب الملتوية. ومع ذلك، فإن التاريخ يُثبت أن العاقبة لأصحاب القيم، وأن المجد الحقيقي يبقى للأعمال العظيمة وليس للثروة العابرة.
