اقتباسات

رواية “طعام، صلاة، حب”: ما الذي يجعل كتابا عاديا يتحوّل إلى ظاهرة عالمية؟

في زمن يغلب فيه السطح على العمق، والمظاهر على المعاني، يبرز كتاب واحد استطاع أن يمس قلوب ملايين القراء حول العالم، رغم بساطته الظاهرة.

“طعام، صلاة، حب” للكاتبة الأمريكية إليزابيث غيلبيرت ليس مجرد كتاب، بل رحلة، أو لنقل: حج روحي إلى الذات، مزجت فيه الكاتبة بين السيرة الذاتية، والرواية التأملية، واليوميات الفلسفية في مزيج نادر التكرار.

هذا الكتاب الذي بيع منه ملايين النسخ، وتُرجم إلى عشرات اللغات، أصبح رمزا للتمرد الأنثوي على الضغوط النفسية، والاجتماعية، والروحية. بل إن الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري وصفته بأنه من الكتب التي “غيرت حياتها”، ودعت الملايين من جمهورها لقراءته.

  • ما هو كتاب “طعام، صلاة، حب”؟

صدر هذا العمل عام 2006، وحقق نجاحا ساحقا لم تتوقعه مؤلفته.
الكاتبة إليزابيث غيلبيرت في الثلاثين من عمرها، كانت تعيش حياة يُفترض أنها “مثالية”:

  • زوج محب
  • وظيفة ناجحة في الكتابة
  • بيت جميل
    لكن الحقيقة كانت مغايرة تماما؛ فقد كانت تغرق في اكتئاب عميق وشعور بالفراغ الوجودي. كانت تبكي ليال طويلة في الحمام، تبحث عن معنى، عن هدف، عن ذاتها التي ضاعت وسط صخب الحياة.

ومن هنا بدأت رحلتها: ثلاث دول، ثلاث محطات، ثلاثة مفاتيح: الطعام، الصلاة، الحب.

مقالات ذات صلة
  • 1. إيطاليا: الطعام واللذة

في الفصل الأول من الكتاب، تسافر الكاتبة إلى إيطاليا لتعيش تجربة الطعام بكل تفاصيله.
أرادت أن تتذوق الحياة ببساطة، بعيدا عن الذنب أو التأنيب، فأكلت البيتزا والباستا وتعلمت الإيطالية وتجوّلت في المدن الرومانية القديمة.

في هذه المرحلة، يعيد الكتاب ربط الإنسان بجسده، بلذته البدائية، بشهيته، ويذكرنا بأن الاستمتاع البسيط يمكن أن يكون أول خطوة نحو الشفاء.

  • 2. الهند: الصلاة والتأمل

تنتقل غيلبيرت بعد ذلك إلى الهند، إلى معبد روحي تمارس فيه اليوغا والتأمل والصمت.
وهنا يتحول السرد إلى عمق آخر، حيث تصف تجاربها الروحية والداخلية في البحث عن السلام الداخلي.
تناقش التساؤلات الكبرى: من أنا؟ لماذا أعاني؟ هل هناك ما وراء هذا الوجود المادي؟

هذا الجزء يعكس رغبة الإنسان الحديث في إيجاد مساحة للروح وسط ضجيج الحياة اليومية.

  • 3. إندونيسيا: الحب والتوازن

المرحلة الأخيرة كانت في إندونيسيا (بالي)، حيث تلتقي بشخصيات محلية، بينها معالج روحاني يغير رؤيتها للحياة.
وفي هذه المرحلة، تكتشف الكاتبة الحب مجددا، لكن ليس ذلك الحب الاستهلاكي أو الرومانسي المزيف، بل حب متزن، ينبع من الداخل.

الرسالة الأهم هنا هي: لا يمكن للإنسان أن يحب الآخر إن لم يكن قد أحب نفسه أولا.

  • هل هو رواية أم سيرة ذاتية؟

الكتاب يُصنف تقنيا على أنه سيرة ذاتية روحية، لكنه كُتب بأسلوب روائي، مما جعله جذابا حتى للقراء الذين لا يفضلون الكتب التأملية.
يتميز بأسلوب شاعري، ساخر، صادق، وذاتي للغاية.
وربما هذا هو سر نجاحه: الصدق العاطفي والجرأة في مشاركة الضعف الإنساني.

  • تحول الرواية إلى فيلم عالمي

في عام 2010، تحوّل الكتاب إلى فيلم سينمائي شهير من بطولة النجمة جوليا روبرتس، ما ساهم في زيادة شهرته بشكل هائل.
الفيلم حافظ على بنية القصة الثلاثية، لكنه بالطبع لا يرقى إلى عمق التجربة التي عاشها القارئ مع النص المكتوب.

  • طعام، صلاة، حب – ثلاث كلمات غيرت حياة الملايين

ليست “طعام، صلاة، حب” مجرد كتاب، بل هي تجربة ذاتية مفتوحة لكل من يبحث عن بداية جديدة، عن لحظة توقف، عن صحوة داخلية.
وهي كذلك دعوة صادقة لكل امرأة ورجل لإعادة النظر في نمط الحياة، العلاقات، والروح.

الكتاب لا يقدّم وصفة سحرية، بل يعرض تجربة ذاتية بعمق إنساني شديد، ويهمس للقارئ:

“ربما عليك أن تسافر، لا إلى بلاد أخرى بالضرورة، ولكن إلى نفسك أولا.”

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى