الوثيقة ق: مصدر مفقود وأحد أركان فرضية المصدرين في الأناجيل السينوبتية
الوثيقة “ق” (Q Document) هي نص مفقود افترض وجوده كأحد المصادر الأساسية لإنجيلي متى ولوقا. تعود تسميتها إلى كلمة “Quelle” الألمانية التي تعني “المصدر”. رغم أن بعض الباحثين يؤمنون بوجودها كوثيقة تاريخية، يشكك آخرون في ذلك. وتُعد هذه الوثيقة أحد المفاتيح الرئيسية لفهم العلاقة الأدبية بين الأناجيل السينوبتية.
- فرضية الوثيقة ق وأصلها
في القرن التاسع عشر، لاحظ العلماء وجود مواد مشتركة بين إنجيلي متى ولوقا غير موجودة في إنجيل مرقس، الذي يُعتقد بشكل عام أنه المصدر المشترك لهذين الإنجيلين. هذه الملاحظات دفعت الباحثين إلى اقتراح وجود مصدر آخر مشترك أُطلق عليه اسم الوثيقة ق.
تُصوَّر الوثيقة ق كنص قديم يحتوي على أقوال وتعاليم المسيح عيسى بن مريم، ويُطلق عليها أحيانًا “إنجيل الأقوال” أو “إنجيل ق”. تُعد فرضية الوثيقة ق جزءًا من فرضية المصدرين، التي تعتبر من النظريات الأكثر قبولًا لحل المشكلة السينوبتية التي تتناول العلاقة الأدبية بين الأناجيل السينوبتية (متى، مرقس، ولوقا).
- المشكلة السينوبتية وعلاقتها بالوثيقة ق
تشير المشكلة السينوبتية إلى دراسة التشابه الكبير بين الأناجيل الثلاثة الأولى من حيث ترتيب الأحداث واختيار الكلمات. تقترح فرضية المصدرين أن إنجيلي متى ولوقا استخدما إنجيل مرقس كمصدر رئيسي بالإضافة إلى مصدر آخر مشترك، وهو الوثيقة ق، لشرح المواد المشتركة بينهما والتي لا تظهر في مرقس.
التقليد الثنائي والتقليد الثلاثي
- التقليد الثلاثي: يشير إلى المواد المشتركة بين الأناجيل الثلاثة (متى، مرقس، لوقا)، وتشكل نحو 80% من آيات إنجيل مرقس.
- التقليد الثنائي: يشير إلى المواد المشتركة بين إنجيلي متى ولوقا دون وجودها في مرقس، وتشكل حوالي 25% من آيات متى.
الأناجيل السينوبتية ومقارنة مع إنجيل يوحنا
- تُعرف أناجيل متى، مرقس، ولوقا بـ”الأناجيل السينوبتية” بسبب تشابهها الكبير في القصص والترتيب والأسلوب.
- في المقابل، يختلف إنجيل يوحنا تمامًا من حيث المحتوى، الأسلوب، وتسلسل الأحداث. وصف إكليمندس الإسكندري إنجيل يوحنا بأنه إنجيل “روحاني”، في مقابل الأناجيل السينوبتية التي ركزت على “الحقائق المادية”.
رؤية الباحثين المسلمين للوثيقة ق
يرى بعض الباحثين المسلمين أن الوثيقة ق قد تكون المصدر الأصلي الذي نقل تعاليم المسيح عيسى بن مريم. ويدعم هذا الافتراض وجود تشابه بين ما يُعتقد أنه محتوى الوثيقة وتعاليم المسيح التي وردت في القرآن الكريم.
- أهمية الوثيقة ق في الدراسات المسيحية
رغم فقدان الوثيقة، تظل فرضية وجودها إحدى الركائز الأساسية لفهم تطور الأناجيل السينوبتية. تسهم دراسة الوثيقة ق في إلقاء الضوء على كيفية نقل وتوثيق تعاليم المسيح، وهو موضوع يثير اهتمام الباحثين والمؤرخين في العالمين المسيحي والإسلامي.