طب وصحةعلم النفس

الباثولوجيا النفسية عند الأطفال: الأسباب، المظاهر، وآفاق العلاج

  • مقدمة

تُعد الباثولوجيا النفسية عند الأطفال مجالا حيويا في علم النفس الإكلينيكي والتربوي، لما لها من انعكاسات مباشرة على تطور الفرد وتوازنه السلوكي والاجتماعي. ورغم أن مظاهر الاضطرابات النفسية قد تتقاطع بين مراحل العمر المختلفة، فإن مرحلة الطفولة تمتاز بتشخيصات وأعراض وسياقات بيئية وتربوية خاصة، تجعل من فهمها ضرورة ملحّة.

أولا: المفهوم والتصنيفات الأساسية

الباثولوجيا النفسية الطفولية تشير إلى مجموعة من الاضطرابات التي تظهر في مراحل الطفولة والمراهقة، وتؤثر في النمو النفسي والاجتماعي والانفعالي. ومن أبرز هذه الاضطرابات:

يعتمد تصنيف هذه الاضطرابات في الغالب على أدلة تشخيصية معيارية مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – الإصدار الرابع (DSM-IV)، الذي يوفر نسخا مخصصة للأطفال والمراهقين. كما يستخدم المختصون تصنيفات مثل DC:0-3 لتقييم الاضطرابات النفسية عند الأطفال الرضع.

  • ثانيا: الأسباب والعوامل المفسِّرة

1. العوامل البيولوجية والوراثية

تشير الدراسات إلى وجود روابط واضحة بين بعض الاضطرابات النفسية وآليات جينية أو فزيولوجية. ويعتمد التشخيص في هذه الحالات على ملاحظات سلوكية مدعومة باختبارات عصبية وفحوص طبية وعائلية.

2. العوامل النفسية والاجتماعية

تُعد العلاقة بين الطفل ومقدّم الرعاية – وخاصة الأم – من أبرز المحددات لنشوء أو تفاقم الاضطرابات النفسية. وقد أظهرت دراسات طولية أن الضغوط العاطفية والتوتر المزمن في العلاقة الأمومية يسهمان في زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب واضطرابات السلوك. كما تلعب التجارب الصادمة المبكرة، الطلاق، الانتقال المفاجئ، الاعتداء الجسدي أو الجنسي دورا جوهريا في هذا السياق.

3. الطبع الفردي والتكوين المزاجي

يقترح الباحثون أن السمات الفطرية (temperament) كالعصبية العالية، وصعوبة التكيف، تمثّل عوامل خطورة، خاصة في البيئات الأسرية غير الداعمة. وقد أورد فاسي ودادز (2001) نموذجا متكاملا يدمج العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية مع طبع الطفل في تفسير نشأة الباثولوجيا النفسية.

  • ثالثا: العلاقات التبادلية داخل الأسرة

تشير الدراسات إلى وجود تأثير متبادل بين اكتئاب الأمومة والباثولوجيا النفسية لدى الطفل. بل إن العلاقة قد تصبح دائرية، بحيث يسهم اكتئاب الأم في ظهور اضطرابات لدى الطفل، بينما يزيد الطفل المضطرب من توتر العلاقة ويغذي اكتئاب الأم.

كما تبرز أهمية العلاقات بين الأشقاء، خاصة في حال وجود أخ أكبر يعاني من اضطرابات أو سلوكيات مرفوضة مجتمعيا، ما يرفع من احتمالية العدوى السلوكية لدى الأصغر سنا.

  • رابعا: مظاهر سلوكية وعصبية خاصة

من الاضطرابات اللافتة التي تتقاطع مع الباثولوجيا النفسية عند الأطفال:

  • اضطراب الشخصية الحدية (BPD)
  • القلق الاجتماعي واضطرابات النوم
  • العدوانية المبكرة وتحديات التكيف العاطفي

وقد أظهرت الدراسات العصبية اختلافات في استجابة اللوزة الدماغية للمنبهات الانفعالية، خصوصا لدى الأطفال الذين يعانون من سمات الشخصية الحدية.

  • خامسا: التدخل والعلاج

يتطلب التعامل مع الباثولوجيا النفسية عند الأطفال تدخلا متعدد الأبعاد يشمل:

  • التقييم النفسي السريري الدقيق
  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
  • العلاج الدوائي عند الحاجة
  • تدريب الطفل على المهارات الاجتماعية
  • التدخلات الأسرية والتربوية المتكاملة

كما أن وجود قاعدة بيانات موثوقة تستند إلى الملاحظة المباشرة والتقارير المدرسية والتاريخ الطبي يساعد على صياغة خطة علاجية دقيقة.

  • خلاصة:

إن فَهم الباثولوجيا النفسية عند الأطفال ليس مجرد خطوة إكلينيكية، بل هو مدخل استراتيجي لإعادة بناء البيئات التربوية والاجتماعية. وتتطلب الوقاية والعلاج تفعيلا للشراكة بين الطب النفسي، التربية، الخدمة الاجتماعية، والأسرة، من أجل دعم الطفل وتمكينه من تجاوز صدماته وبناء توازنه النفسي والسلوكي.

مراجع:

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى