يُعد “رفض المدرسة” ظاهرة سلوكية تتمثل في عزوف الطفل عن الالتحاق بالمدرسة أو صعوبة بقائه في الصف الدراسي طوال اليوم. ويصدر هذا السلوك بدافع داخلي لدى الطفل، لا نتيجة لقرارات من الوالدين أو ظروف قاهرة كالتشرد، بل نابع من اضطرابات عاطفية أو مشكلات نفسية يمر بها الطفل أثناء محاولة التوجه للمدرسة أو أثناء وجوده فيها.
ويُميّز سلوك رفض المدرسة عن الغياب المدرسي الاعتيادي الذي غالبا ما يكون نتيجة قرارات الأهل، أو لظروف صحية، أو لأسباب خارجية أخرى. أما رفض المدرسة، فينبع من مقاومة داخلية ناتجة عن معاناة نفسية تستوجب الفهم والتدخل، لا العقاب أو الإكراه.
- الطبيعة التعددية للأسباب
لا يمكن ردّ هذا السلوك إلى سبب واحد محدد، بل تتداخل في تكوينه مجموعة معقدة من العوامل الفردية والأسرية والمدرسية والمجتمعية. وقد صنّف كريستوفر كيرني، مدير عيادة اضطرابات القلق ورفض المدرسة بجامعة نيفادا، هذه العوامل في أربع فئات وظيفية:
- تجنب المحفزات السلبية داخل البيئة المدرسية التي تسبب للطفل مشاعر القلق أو الانزعاج.
- الهروب من المواقف الاجتماعية والتقييمية المرهقة، مثل الاختبارات أو العروض الصفية.
- السعي لجذب انتباه أشخاص ذوي أهمية في حياة الطفل، خاصة من أفراد الأسرة.
- الرغبة في الحصول على معززات ممتعة خارج المدرسة، كالألعاب أو الأنشطة غير الأكاديمية.
وقد يكون الطفل متأثرا بأكثر من فئة في الوقت ذاته، مما يُعقّد عملية التشخيص والتدخل.
الانتشار والأنماط العمرية
تشير الدراسات إلى أن ما بين 1 إلى 2% من الأطفال في عموم السكان، و5 إلى 15% من الأطفال المحالين إلى العيادات النفسية، يعانون من هذا النوع من السلوك. ويكثر ظهوره لدى الأطفال في سني الانتقال المفصلية، مثل بدء مرحلة رياض الأطفال، أو الانتقال من الابتدائية إلى المتوسطة، ومن المتوسطة إلى الثانوية، وكذلك عقب فترات الانقطاع عن المدرسة كالعطل الصيفية أو الإجازات المرضية.
ولا يرتبط هذا السلوك بجنس معين، لكنه يُسجل بصورة أكبر في البيئات الحضرية، دون ارتباط واضح بالخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية.
العلامات والأعراض
تتنوع مظاهر رفض المدرسة بين أعراض جسدية ونفسية وسلوكية، ومن أبرزها:
- تكرار الشكوى من التعب، أو صداع، أو آلام المعدة والحلق في أوقات الدوام.
- اختفاء الأعراض فور البقاء في المنزل وعودتها صباح اليوم التالي.
- نوبات غضب أو بكاء عند إجبار الطفل على الذهاب للمدرسة.
- الغياب المتكرر خاصة في الأيام المهمة، كأيام الاختبارات أو الحصص العملية.
- القلق الزائد على أحد الوالدين أثناء التواجد في المدرسة.
- التردد الدائم على غرفة التمريض المدرسي.
وقد يظهر رفض المدرسة بشكل تدريجي أو مفاجئ، بحسب شدة المحفزات أو الأحداث المربكة التي يتعرض لها الطفل، مثل الانتقال إلى منزل جديد أو فقدان حيوان أليف أو قريب عزيز.
التشخيص والتداخل مع اضطرابات أخرى
لا يُصنّف رفض المدرسة كاضطراب سريري مستقل في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-IV)، لكنه يرتبط بعدد من الاضطرابات النفسية الأخرى، كاضطراب قلق الانفصال، والرهاب الاجتماعي، واضطرابات المزاج والسلوك.
ويُجرى التشخيص اعتمادا على مقابلات واستبيانات معيارية مع الطفل وأسرته، من أبرزها:
- اختبار رهاب المدرسة (SAT) – إريك هوسلين.
- استبيان قلق الطلاب (AFS) – فيلهم وويزركويسكي.
- حصر مواطن القلق التفاوتية (DAI) – ديتلف روست وفرانز شيرمر.
وتقل فعالية الملاحظة السلوكية لوحدها، لأن القلق يُعد ظاهرة داخلية خفية، لا تُلتقط بسهولة من خلال المشاهدة فقط.
الاستجابة والتدخل
يُعد التشخيص المبكر والتدخل التربوي والعلاجي المتكامل أمرا جوهريا في التعامل مع هذا السلوك. وتشير الدراسات إلى أهمية العودة التدريجية إلى المدرسة، مصحوبة بدعم نفسي وعلاجي موجه، سواء من خلال:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
- الدعم الأسري والإرشاد التربوي.
- تكييف بيئة المدرسة لتصبح أكثر احتواء وتفهّما.
- تقديم بدائل تعليمية مرنة في الحالات الحرجة، مثل التعليم المنزلي أو الإلكتروني.
ورغم استخدام بعض العلاجات الدوائية في الحالات الصعبة، فإنها لم تُثبت فعاليتها كحل رئيسي دائم، ولا يُوصى بالاعتماد عليها دون تدخل سلوكي ومعرفي متزامن.
تمييز الحالات المشابهة
من المهم التفرقة بين رفض المدرسة وبعض الاضطرابات الأخرى التي قد تخلط بها، مثل:
- متلازمة تأخر مرحلة النوم (DSPS)، وهي اضطراب في الساعة البيولوجية يجعل الطفل يعاني من صعوبة في النوم والاستيقاظ، وليس من المدرسة نفسها.
مخاطر التعامل الخاطئ
قد يؤدي استخدام أساليب التهديد أو الضغط إلى تقويض الدافع الذاتي لدى الطفل، وإضعاف شعوره بالتحكم والمسؤولية، مما يعمّق المشكلة بدلا من حلها. كما أن إجبار الطفل على الذهاب إلى المدرسة في حالات الرفض الشديد قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض النفسية، بل قد تظهر مؤشرات على اضطرابات نفسية جسدية أو تهديدات بإيذاء النفس.
نصائح تربوية وعلمية
- لا بد من استشارة الطبيب المختص واستبعاد الأسباب العضوية.
- على الوالدين إشراك المعلمين ومستشار المدرسة في خطة الدعم.
- يُوصى بإجراء تقييم نفسي شامل من قبل مختص مؤهل في الصحة النفسية.
- يجب أن تكون العودة إلى المدرسة تدريجية، وتُصاحب بخطة علاجية تربوية.
- من المهم تفهم البيئة المدرسية لطبيعة الحالة وتوفير بيئة آمنة داعمة.