طب وصحةعلم النفس

صدمة الطفولة المبكرة: الأثر النفسي والعصبي والعاطفي

ورقة تقنية مركزة

تُعد مرحلة الطفولة المبكرة (من الحمل حتى سن الخامسة) أكثر المراحل حساسية في التطور النمائي للإنسان. وفي هذه المرحلة، تترك الصدمات النفسية تأثيرًا عميقًا على النضج العاطفي، والتكامل العصبي، والصحة النفسية طويلة الأمد. تعرف هذه التجارب في الأوساط العلمية باسم خبرات الطفولة الضارة (Adverse Childhood Experiences – ACEs)، وتشمل أنماطًا من الإساءة والإهمال والعنف الأسري التي تؤثر على وظائف الدماغ وتنظيم العواطف والسلوك الاجتماعي.

  • التأثير العصبي والنفسي لخبرات الطفولة المبكرة

تشير الأبحاث إلى أن البيئات المنزلية السلبية التي يغلب عليها الغضب أو العنف أو التجاهل العاطفي، تعيق تطور مهارات الفهم العاطفي وتنظيم الانفعالات. فقد أظهرت دراسة أجراها Pollak & Sinha (2002) أن الأطفال الذين نشأوا في بيئات تعرضوا فيها للإيذاء الجسدي يظهرون ضعفًا في تمييز مشاعر الحزن والاشمئزاز، بينما الأطفال المهملون يعانون من صعوبة في التمييز بين التعابير العاطفية المختلفة.

علاوة على ذلك، أظهرت نتائج Tottenham & Sheridan (2010) أن مثل هذه البيئات تؤدي إلى فرط استجابة اللوزة الدماغية (Amygdala)، مما يساهم في استجابات عاطفية مفرطة وغير منظمة.

  • الارتباط بين صدمة الطفولة والنضج العصبي

كشفت الدراسات العصبية الحديثة أن صدمة الطفولة تؤثر على نفس المسارات الفسيولوجية التي تتأثر بالصدمات الجسدية، مثل المحور الوطائي–النخامي–الكظري (HPA Axis)، وهو المسؤول عن تنظيم التوتر. حيث يؤثر الخلل في هذا النظام على إفراز الكورتيزول ويزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD) في مراحل لاحقة من الحياة (McEwen, 2000).

تُظهر أبحاث التصوير بالرنين المغناطيسي (fMRI) أن الأطفال الذين تعرضوا للصدمة يعانون من اضطراب في الاتصال بين القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex) واللوزة المخاطية، ما يضعف من قدرتهم على ضبط العواطف واتخاذ القرارات العاطفية السليمة (Teicher & Samson, 2016).

  • مهارات الإدراك العاطفي وتنميتها في ظل الصدمة

يُعد التعرف على العاطفة من خلال تعابير الوجه أساسًا مهمًا للسلوك الاجتماعي العاطفي الناجح. وقد توصلت دراسة Cicchetti & Curtis (2005) إلى أن الأطفال الذين تعرضوا للإهمال يظهرون صعوبة في التمييز بين التعابير العاطفية، بينما الأطفال الذين تعرضوا للإيذاء يميلون إلى تفسير التعابير المحايدة على أنها غاضبة أو حزينة، مما يؤثر على استجابتهم العاطفية والتفاعل الاجتماعي.

  • التنظيم العاطفي والصحة النفسية

يرتبط ضعف التنظيم العاطفي الناتج عن صدمة الطفولة بزيادة احتمالات الإصابة بـ:

كما تشير الأدلة إلى أن الافتقار إلى المهارات اللغوية نتيجة بيئات غير محفّزة، يحدّ من قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره أو إدراك عواطف الآخرين، مما يؤدي إلى تفاقم صعوبات التفاعل الاجتماعي.

  • دور المرونة النفسية والبيئات الداعمة

أظهرت العديد من الدراسات أن المرونة النفسية (Resilience) هي عامل حاسم في التخفيف من الآثار السلبية لصدمة الطفولة. حيث تُمكن بيئات الرعاية الإيجابية والداعمة من تعزيز نضج النظم العصبية وتنظيم العواطف، وتحقيق تكامل أفضل بين الوظائف المعرفية والعاطفية.

كما وجدت دراسة Loman & Gunnar (2010) أن توافر علاقات دعم آمنة (مثل علاقة الطفل بمقدم رعاية مستقر ومحب) يقلل من تأثير تنشيط المحور HPA على المدى البعيد، ويساعد في الحفاظ على التوازن البيولوجي والوظيفي لدى الأطفال المعرضين للصدمة.

  • المراجع:
  1. McEwen, B. S. (2000). Allostasis and allostatic load: Implications for neuropsychopharmacology. Neuropsychopharmacology, 22(2), 108–124.

  2. Teicher, M. H., & Samson, J. A. (2016). Annual Research Review: Enduring neurobiological effects of childhood abuse and neglect. Journal of Child Psychology and Psychiatry, 57(3), 241–266.
  3. Pollak, S. D., & Sinha, P. (2002). Effects of early experience on children’s recognition of facial displays of emotion. Developmental Psychology, 38(5), 784–791.
  4. Tottenham, N., & Sheridan, M. A. (2010). A review of adversity, the amygdala and the hippocampus: A consideration of developmental timing. Frontiers in Human Neuroscience, 3, 68.
  5. Cicchetti, D., & Curtis, W. J. (2005). An event-related potential study of the processing of affective facial expressions in maltreated children. Child Development, 76(1), 148–162.
  6. Loman, M. M., & Gunnar, M. R. (2010). Early experience and the development of stress reactivity and regulation in children. Neuroscience & Biobehavioral Reviews, 34(6), 867–876.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى