طب وصحةعلم النفس

متلازمة التخلي عن الطفل: الآثار النفسية والتربوية وآليات التدخل العلاجي

(Child Abandonment Syndrome)

تُعد متلازمة التخلي عن الطفل (Child Abandonment Syndrome)؛ من الحالات النفسية والسلوكية المعقدة التي تنشأ لدى الأطفال نتيجة فقدان العلاقة العاطفية أو الجسدية مع أحد الوالدين، سواء بسبب الوفاة، الطلاق، الهجر، أو حتى الفقدان لأسباب اقتصادية أو اجتماعية.

تنعكس هذه المتلازمة على التطور العاطفي والمعرفي والسلوكي للطفل، وقد تلازمه مدى الحياة إذا لم يُعالج بشكل مبكر وفعّال.

أسباب متلازمة التخلي عن الطفل

تتعدد الأسباب المؤدية إلى هذه المتلازمة، وتشمل:

  • الوفاة أو الفقدان غير الطوعي لأحد الوالدين.
  • الطلاق أو الانفصال الأسري.
  • الهجر المتعمد من قبل أحد الوالدين، خاصة في ظل ظروف اقتصادية أو قانونية معقدة.
  • الإقامة في مؤسسات الرعاية أو دور الأيتام.
  • سياسات الدولة المتعلقة بالإنجاب أو التبني (كما في حالات التحديد القسري للنسل في بعض الدول).

أشارت تقارير صادرة عن هيومن رايتس ووتش (1998) إلى أن أكثر من 100,000 طفل يُهجَرون سنويا في روسيا فقط، ما يعكس عمق الظاهرة وأبعادها العالمية.

الأعراض النفسية والسلوكية

تشمل أعراض متلازمة التخلي عن الطفل:

  • اضطرابات في النوم والتغذية.
  • التأخر في النمو الحركي واللغوي (مثل الزحف والمشي والكلام).
  • عدم الارتباط الإيجابي مع مقدمي الرعاية.
  • التبول اللاإرادي ومص الإصبع.
  • الشعور بالذنب وفقدان الثقة بالنفس.
  • الاعتماد الزائد على الآخرين وفقدان الاستقلالية.
  • سلوكيات التقليد العشوائي في غياب الشخصية الذاتية.
  • أزمات حادة في مرحلة المراهقة نتيجة اضطراب الهوية والشخصية.

هذه الأعراض تتفاقم مع غياب الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، وقد تؤدي إلى اختلالات أعمق مثل الاكتئاب والقلق المزمن وحتى الميل إلى الاضطرابات الذهانية في بعض الحالات القصوى.

  • المرحلة الحرجة: المراهقة

تُعد مرحلة المراهقة مفصلية في حياة الطفل الذي يعاني من آثار التخلي، حيث تتكثف التغيرات الهرمونية والعاطفية وتُبنى معالم الشخصية المستقبلية. الإهمال أو غياب الاحتواء في هذه المرحلة يزيد من احتمالية تكوين شخصية غير سوية، مما قد يؤدي إلى:

  • الميل للعزلة أو السلوك العدواني.
  • الانخراط في سلوكيات خطرة.
  • عدم القدرة على بناء علاقات صحية.

الاستجابة العلاجية والتربوية

1. العلاج النفسي

  • التقييم النفسي الشامل في العيادات المتخصصة.
  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لتعديل الأفكار السلبية.
  • العلاج باللعب والعلاج بالفن للأطفال الصغار للتعبير غير اللفظي.
  • العلاج الأسري لتعزيز الترابط بين الطفل ومقدمي الرعاية الجدد.
  • استخدام الأدوية في بعض الحالات الحادة (مثل مهدئات القلق أو مضادات الاكتئاب، حسب التشخيص السريري).

2. الدعم الاجتماعي

  • برامج رعاية الأيتام والتبني.
  • التدخل المجتمعي لتعزيز الدعم العاطفي للأطفال المهجورين.
  • توفير البدائل الأسرية المؤقتة.

3. الدعم الجسدي

  • تقديم المكملات الغذائية والفيتامينات لمعالجة أعراض سوء التغذية.
  • الرعاية الطبية المنتظمة لمتابعة النمو والتطور البدني.

التوصيات التربوية والاجتماعية

  • تعزيز ثقافة الحماية الاجتماعية للأطفال المعرضين للهجر.
  • تمكين الأسر الضعيفة اقتصاديا لتجنب فقدان الوالدين.
  • إدماج البرامج النفسية في المدارس ومراكز رعاية الطفولة.
  • دعم المؤسسات المختصة في رعاية الأيتام وتأهيلهم نفسيا.

المراجع العلمية:

  1. Human Rights Watch. (1998). Abandoned to the State: Cruelty and Neglect in Russian Orphanages.

  2. Bowlby, J. (1988). A Secure Base: Parent-Child Attachment and Healthy Human Development. Basic Books.
  3. Zeanah, C. H., & Gleason, M. M. (2015). Annual Research Review: Attachment disorders in early childhood – clinical presentation, causes, and treatment. Journal of Child Psychology and Psychiatry.
  4. American Academy of Pediatrics (AAP). (2017). Helping Foster and Adoptive Families Cope with Trauma.
  5. UNICEF (2020). Children Without Parental Care: Key Issues and Global Statistics.
  6. Schore, A. N. (2001). Effects of a secure attachment relationship on right brain development, affect regulation, and infant mental health. Infant Mental Health Journal.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى