دفاتر النسوان.. عن كفاح المرأة اليومي
كان سفرًا ضخمًا واحترق. لم تُبق النار منه إلا صفحة واحدة، سطت عليها الأرض، وبعثنه النساء حيًا في صدروهن.
كتاب وهمي لا وجود له، أرادوا به مجموعة اعتقادات النساء الخرافية.
عرف بكتاب اللباد، أو دفاتر النسوان، وفي هذه التسمية رأيان ذكوريان: أولهما إحالة إلى البساط المصنوع من الصوف المتلّبد، الذي يفرش فوق الحصير، فتعشعش فيه البراغيث، رأى من أطلقها من الرجال، أن اعتقادات النساء تلسع العقول، كالبراغيث التي تلسع الجسد. وثانيهما إلى اللباد الذي يجلس عليه، فمؤخرات الجالس والجالسات لاصقة به، وعليه أرادوا وفق ثوابت ذكورية أخرى أن النساء يستخرجن من مؤخراتهن أوهامًا وخرافات.
عمل المؤرخ الحلبي الراحل، خير الدين الأسدي، على توثيق ما التقطه من هذه الأمثولات، ونثرها على صفحات الأجزاء السبعة لموسوعة حلب المقارنة.
دفاتر النسوان ثمرة تأليف جماعي عكس وعي جماعة لذاتها ومحيطها، رصدت فيه عالمها المعاش، وعجزها عن فهمه، واستعاضت عن جهلها، بتركيبات لغوية لغزية، لا نتائج فيها تربط عقلانيًا بأسبابها، ولا تخضع مقولاتها لمحاكمة أرسطية شكلية عاف عليها الزمن الفلسفي المتجدد.
كما غاب عنها النقد والاحتجاج، كأنها تسليم بوقائع لا مهرب منها، واحتيال بالشعوذة للنجاة من شرورها وأخطارها.
يخال من يقرأ الأمثولات أنها بقايا كائنات متحجرة، ثقلت قشرتها ترسبات زمنها الخاص، بعيدًا عن فلسفة الإغريق في زهوتها الثلاثية الحكمة أرسطو ـ سقراط ـ أفلاطون، ولم تصلها النداءات الهادرة للفلسفة الحديثة بعصري نهضتها وأنوارها.
ارتضت بمحاولتها الخاصة في تفسير الظواهر والمصائب التي لازمت حياة البشر.
من العبث إيجاد مكان لها في ثبوتيات الحكمة، كما لا مكان لها في مستويات الحس الإنساني السليم، الذي يتمظهر بالقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
ظلت متحصنة بتركيبها الخرافي، الذي أوهم نفسه بفهم الوقائع، وإنتاج التعزيمات لمواجهة ودحر المصائب الناتجة عنها. مستعيضة عن الحكمة الإغريقية: اعرف نفسك، بحكمة حربية ـ خرافية: اعرف عدوك، لتؤكد بثنايا تفاصيلها المرحة، على جهل مزدوج، بالنفس والعدو في آن معًا. كأنها بقايا طبقات رسوبية في الذهن البشري ـ الأدنى علمًا ومعرفة ـ لا تبحث عن اختبارات تثبت صوابيتها، ولا تراكم خبرة بشرية، منقولة عن ثقافات شعوب أخرى، تستجلي غموضها.
سُردت الأمثولات بالعامية الحلبية المدينية، واحتلت المرأة بمعاناتها وتفاصيل حياتها موقعًا رئيسيًا في هذا الكتاب المتخيل: العنوسة ـ تحصين الزواج ـ إرضاء الزوج ـ النجاة من العقم- تنشئة الأولاد ـ الحياة اليومية الطبخ والغسيل، علاقات القرابة والجوار.
استخدم فيها الدين وفق تأويلات سطحية، كوسيلة لاستجلاء المعرفة، لازمته منظومته العقابية المنذرة، تهديدات بالموت المبكر، بفشل الزواج، بالتشوه الجسدي للأولاد وانحراف سلوكهم، بالعقم، جحود الأقرباء والأصدقاء والجيران.
حُدد موقع المرأة في الأمثولات ككائن مستقبل للأفعال الخارجية، سعت لإنتاج تخوم وقائية تحمي بها حياتها الجديدة، بعدما تمكنت من تجاوز أزمنة الانتظار: انتظار العريس، انتظار الحمل، انتظار مولود جميل خال من العاهات…
كفاحها اليومي لإرضاء حاجات الزوج، وللحصول على غسيل أبيض، وطعام طيب المذاق، ودرء الأخطار التي تهدد سلامة حياتها الزوجية، وتحصن أولادها، التغلب على المرض والحسد… إلخ تتخللها بعض الأمثولات العابرة للتأكيد على ضرورة احترام الطعام، والامتناع عن هدره، وتوظيف مكانته في استجلاء الخفايا التي تأتي بها الحياة. يمكن توزيع أمثولات الدفاتر على مراحل حياة المرأة.
- قبل الزواج
تعبر الأمثولات في هذه المرحلة عن الرغبة بالزواج المبكر، المحطة الأولى في مسيرة الحياة، وما يرافقها من حالات القلق. سباقها مع الزمن الذي لن يرحمها بوسمه في سجلات العنوسة.
– من شان تتجوز البنت قوام لازم تبيت أراملا – خصل من شعرها – في جامع البختي في أغير. “حي في مدينة حلب”.
– إذا وحدة ما عم بجيها خطابين، لازم تطرطر في الحارات يوم الجمعة وقت الآدان، أو لازم تبيت أراملا، في جامع البختي.
– إذا داست البنت فوق المكنسة بجيا خطابين.
– البنت اللي تتجوز وهيه زغيرة ما بتحبل.
– البنت الباكر إذا اشتهت عالحبل بتحبل ع الريحة.
– من شان تتيسر الجازة، لازم ندير سداجة – سجادة – البيت من طرف لطرف.
– إذا راحت العروس لعرس قبل عرسا بأربعين يوم بتصير عاقرة.
– البنت البتكنس بيتا وما بتنضفو مليح بجيّا جوز أقرع.
– إذا انكتب الكتاب قبل النص ما الشهر القمري ما بصير وفق.
– إذا حدا شبك أصابيع إيديه وقت البنكتب الكتاب، بتتعقد حياة العريس والعروس.
– إذا رادت السمينة تضعف شوي، لازم تدخل عالخارج وتكنس حالا بالمكنسة يوم الجمعة وقت التسميع، ولازم ما تطول كتير، تما تضعف كتير.
– إذا عدت عروس عباب الحمام بتخطف لا الجان جوزا.
– إذا نام العريس ليلة الدخلة بتطب شعرة بختو.
- بعد الزواج
هاجس المرأة بعد اجتياز المحطة الأولى يكون بالحفاظ على الزواج، لا تأتي الدفاتر على ذكر الطلاق، لكن ظله الثقيل حاضر بقوة يضغط على تضاعيف العبارات. تأتي العديد من الأمثولات على ذكر الإنجاب، لأن المرأة هي المسؤولة عن العقم وفق الثقافة الذكورية السائدة، ويكون بالتالي سببًا للطلاق.
– لازم العروس تاخد من بيت أبوها عجينة وتلزقا بحيط بيت احماها تتلزق هي معها.
– لازم العروس ليلة عرسا تدخل لا دخلة عبيت المي وترقص شوي فيه تيرقص لا (يرقص لها) سعدا.
– البتنام بكيانة بطلع لا (يطلع لها) شعر جوات عيونا.
– من شان يحب المرا جوزا، لازم تبزق لو في الطنجرة اللي بدو ياكل منا.
– إذا كان الأكل راس خاروف، لازم عالمرا الزرزة، تاكل قبل جوزا شقفة من راس اللسان، تما ياكلو جوزا ويطول لسانو.
– إذا بدك تحطي بدلتك أو ملبوسك بالسكرتون، سميّ عليه بالرحمن، تما يصير عليه لكّة، لأنو بيكون الجان لبسوه.
– الولد في بطن أمو بموت، إذا حدا فشخ فوق أمو الحبلى.
– منشان العاقر تجيب ولاد، لازم تاخد شوي من شعرا وتلفو مع شمع عسلي، وتحط فوقن كم دبوس، وتطمرن في تراب الأرض.
– على من تريد أن تحبل، أن تذهب إلى تربة الشيخ فارس، وهناك حجر أسطواني أبيض، يجب أن ترفعه.
– من شان نعرف الحبلة اش بده تجيب، صبي إلا بنت، منسأل طفل دبوس إلا إبرة؟
– من شان يهون الطلق عالمرا لازم تدخل من باب جامع ألو بابين وتطلع من التاني.
– إذا تعذبت المرا في الطلق بكون عمر ابنا طويل.
– إذا الموحمة انحرمت من أكلة بتشتهيها، بتطلع صورة الأكلة بجسد ابنها.
– النفسا إذا أكلت سمك، ما بتجيب صبيان.
– إذا نشرت المرا خسيلا ونزل مطر، بيكون جوزا ما بحبّا.
– من شان يحب المرا جوزا، لازم تشرب قهوتا قبل الأكل مو بعد الأكل.
- بعد الإنجاب
تحوم أمثولات هذه المرحلة حول فكرة الحفاظ على الأولاد، والاهتمام بسلامتهم البدنية، ونثر بعض القيم التربوية، والالتفات إلى عناصر الحياة اليومية الموزعة بين الطبخ والغسيل وتنظيف البيت، وإيفاء النذور، والتحرر من السحر، ومتابعة العلاقات الاجتماعية المتاحة.
– المرا اللي بموتوا أولادا وهنن زغار، لازم ترضع معن ديب زغير تما يموتوا.
– إذا أجا ولد أدنيه كبار، بكون بدو يعيش كتير.
– المفطوم إذا أكل عسل بيخرس.
– إذا انهز سرير الولد وما في ولد، بيصير مع الولد وجع براسو يا بضهرو.
– الولد الزغير إذا حدا فشخ من فوق سريرو بيقصر، وتما يقصر لازم يرجع فشختو.
– من شان يمشي الولد الزغير، بربطو خيط من باهم أجرو الأيمن لباهم أجروا الأيسر، وبياخدوه لباب الجامع وقت صلاة الجمعة، ويحطو في ديالو شوية زبيب أو زعرورات، وبقولوا لواحد مالطالعين مالصلاة: فك اشكالو وخود اللي بديالو.
– إذا كبر ابنك وما مشي، طعمي القطاط معلاق بمشي.
– من شان الولد يمشي، لازم أمو تهزلو سريرو وتدير وجوّ ع القبلة وتقول: يا شيخ منخل، عليك بدخل، مشي لي ابني بفرق ع روحك زنكل.
– ما بنضرب الولد في الخارج، لأنو بلطشوه الجان.
– إذا دشرت الأم ابنا وحدو في البيت بموت، إلا إذا حطت تحت راسو رغيف خبز.
– إذا دعت الأم على ابنا، برّدوا دعوتا بزازا.
– إذا كركر الصبي مع البنات، بتطلع دقنو معووجة.
– ما بيصير المرا تخسل خرقا أو خرق أولادا وقت التسميع بالمادنة يوم الجمعة، بزعلوا الملايكة، ويعلم الله أش بيساووا.
– الخسيل يوم الجمعة بطرّش الملايكة، الخسيل يوم الإثنين شدة ودين ووجع ايدين.
– إذا كتينا مي سخنة في لقن الخسيل، وما كان فيه خسيل، يحاسبنا اللقن يوم القيامة.
– إذا أرادت المرا يطلع خسيلا أبيض، لازم تلحس بطن شقرقة.
– اللي بتنشف لقن خسيلا بعد أول تم، بتجي ستنا بلقيس وبتعاونا.
– اللي بتصب ميّ غالية عالأرض وما بتزمزق وتقول: دستور يا حاضرين بلطشوا الجان.
– إذا وحدة عم تشتري قماش، ووقع عليّا من رف الدكان توب، بكون في عليا ندر وما ساوتو.
– إذا وحدة انفكرت، أي حُسدت، لازم تبخّر قراني الحصيرة.
– إذا خسلنا فناجين القهوة، والخطار في البيت، ما منعود منشوفن.
– إذا لبسنا قميص النوم على قفاه، مابعود يأثر فينا السحر.
– من شان يبطل السحر، اخسلوا بمية بزر بقلة، أو حط بجيبك شوية قطران.
– إذا انجبرتي تكنسي بالليل، لازم تحرقي شوي ما لمكنسة تما يموت حدا.
- الحياة اليومية
تمضي الحياة، بأحمالها الثقيلة، تضع مشاكلها وأسئلتها وألغازها أمام الناس، في سيرهم اليومي الدؤوب، بسعي مثابر لتلبية ضرورات حياتهم، وتسكين أوجاعها، والنجاة من مصائبها.
– اللي بحرك النار بالسكينة، بتنجرح أدنو.
– اللي انصاب بالعين، لازم يتبخر وينقال وقت تبخيرو: حندق بندق، العين اللي شافتك وماصلت عالنبي تطق وتحترق “تلت مرات”.
– جنّة – طنة – الأذن بتدل على أنو في ناس عم يذكروك.
– إذا انطرقو راسين ببعض، لازم كل واحد يبزق عالأرض، تما تجيب أمو عبدة سودا.
– إذا عدت المرا فوق الميّة اللي انخسل فيّا الميت، بجيّا ولد ألو غطة قلب.
– إذا انقرفت الإبرة يوم السبت وأنتي عم بتخيطي، وجكتيا في توبك، ما بعود ينقرف شعر راسك.
– إذا المرا سرحت شعرا بالليل بهر شعر بختا.
– إذا نام العريس ليلة الدخلة بتطب شعرة بختو.
– اللي بتساوي كبة نية تلت أيام ورا بعضا بتطير بركة البرغل.
– اللي بتشلح جرابا قبل ما تشلح ملحفتا ما بتجوّزوا بناتا.
– إذا الكنة سحرت حماتا أو بالعكس الحماية سحرت كنتا، ما بينفك ها لسحر إلا إذا تخسلت المسحورة بالقليط.
– اللي معو سعلة شهّاقة، لازم يشحد من أربعين مرا اسم كل واحدة فطوم، طحين وسكر وسمنة، ويساوي منا حريرة، وياكل حتى يطيب.
– إذا شويتي لحمة، وأجت حبلى وعزمتيا وما أكلت لازم تروحي وتدهني حلقة باب سقاقا بالزيت.
– إذا المرا خسلت الثياب يوم الوقفة، بتزحلقوا جمال الحجاج في عرفات.
– إذا شفتي وحدة عم بتطلع عليكي وعلى غواكي، قولي لا بقلبك: خمسة “بعيون الشيطان”.
– إذا انقرفت الإبرة يوم السبت وجكيناها بتوب مرا، هالمرا ما بعود بطقطق أو بنقرف شعر راسا طول عمرا.
– إذا المرا ركبّت ملحفة اللحاف بعد العصر بتتغطى فيّا بالقبر.
– اللي بتكنس بالليل بتقلع الملايكة.
– إذا خسلنا فناجين القهوة والخطار في البيت، ما منعود منشوفن إلا بعد زمن طويل.
– إذا حدا عار خميرتو بالليل بتنقطع رزقتو.
– الحوش اللي بموت فيّا ميت، ما بيصير تندق فيّا الكبة بالجرن لمدة أربعين يوم، تما تندق عضام الميت.
– اللي بتاكل لبلوب البصلة أو لبلوب الخسة بس، وبتكب بقيتا بموت أبوّا وأمّا.
– الببج الرغيف من نصو يتاكلو، برو فقي.
– البقسم الرغيف بإيد وحدة مو بإيدتين بتيبس إيدو.
– البشخ وهو ماشي بدّو يوم القيامة يفشخ فوقا.
– اللي بتشعل الضوّ قبل المغرب بتجيّا جيجة الفقر.
– اللي بتعطر راسا كتير بيشيب قوام.
– المرا اللي بتخسل أربعين أحد ورا بعض بتتزنكن.
– إذا نزل المطر والشمس طالعة، بيكون الشيطان عم يقتل مرتو.
– القاق لما بيصيح بيكون عم يدعي لربوّ تمطر.
– إذا كلّب الزلعطان في جسد الإنسان، مابدشرّو يتطلع الجحش ع المادنة ويشهنق.
لاتزال أغلب أمثولات دفاتر النسوان، تحتل موقعًا فاعلًا في الحياة، بعد أن دبج لها القائمون على الثقافة صياغات جديدة.