منبرُنا

الملكيات العربية .. ما يفرّقها وما يجمعها

إعداد: ياسر أبو هلالة

لا تناقض في العالم بين النظام الملكي الوراثي والديموقراطية. على العكس، ولدت أول وثيقة للديموقراطية في العالم، الماغنا كارتا في بريطانيا. النقيض هو النظام الشمولي، جمهوريا كان أم ملكيا.

وفي مؤشر “الإيكونومست” للديموقراطية لهذا العام، تحتل ثلاث ممالك مساحة الخمس الأوائل؛ النرويج في المرتبة الأولى عالميا، والسويد الثالثة، والدنمارك الخامسة، أما الخمس الأواخر فكلهن جمهوريات، بينهن سورية.

عربيا، الوضع مشابه مع الفارق، فالملكيات ظلت أقل الأنظمة قمعا ودموية، وأقربها من مؤشرات الديموقراطية. وقبل الانقلابات العسكرية، كان وضع الديموقراطية في ملكيات مصر والعراق وليبيا أفضل.

في الربيع العربي، فوّتت الأنظمة الملكية، باستثناء المغرب نسبياً، اللحظة الإسبانية. كان بإمكان الملوك أن يقودوا التحول الديموقراطي، كما فعل ملك إسبانيا بعد وفاة الجنرال فرانكو.

مع كل التراجع الذي شهدته المغرب، تظل تجربته رائدة عربيا، إذ شهدنا انتخاباتٍ يفوز فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، ويشكل حكومة. يُردّ على ذلك بأنها ديموقراطية شكلية، ولا يزال المخزن (القصر) يمسك بمفاصل الدولة.

صحيح ذلك، لكن دروس التاريخ تفيد بأن الشكل قد يتحوّل إلى مضمون. في مصر، بدأت التجربة الديموقراطية مع افتتاح قناة السويس. بني البرلمان مع دار الأوبرا وغيرها من مظاهر التحضر. وفي التدريب على حفلة البرلمان، قيل للنواب إن المعارضين يجلسون يسارا والمؤيدين يمينا،

فانحاز الجميع لليمين، مردّدين “إحنا عبيد أفندينا”، تحوّل الشكل لاحقا إلى برلمانٍ يشكل حكوماتٍ ويُسقطها. وتحول العبيد إلى أفندية أنداد للأفندي.

فوّت الأردن لحظة الربيع العربي، وشهدنا تراجعا في الديموقراطية، مع صعود الثورة المضادة عربيا، فأتت اللحظة ليس بسبب النظام وحده، وإنما بسبب المعارضة أيضا التي رفعت حينها سقف مطالب لا يمكن الاستجابة لها. خليجيا، ظلت الكويت متقدمةً، مستندة إلى إرثٍ من التسامح وتقاسم السلطة والإعلام الحر.

ولنتذكّر أن الديموقراطية في الكويت مكّنت البلد من الصمود في وجه الغزو العراقي، وعزّزت من مكانتها الدولية في ظل الاحتلال، ولم يجد صدام حسين معارضا كويتيا واحدا يتعاون معه.

وكانت الكارثة في السعودية التي انتهجت بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد النهج الإماراتي في القمع والاعتقال، وصولا إلى جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي التي هزّت العالم.

ولم تتغير سياسة البحرين القمعية تجاه المعارضة، بعد ما عرفت بأحداث دوار اللؤلؤة. وبعد أزمة الخليج، أعلنت قطر عن تحضيرات تشريعية وإجرائية للانتخابات، بلدية وشورية.

ورفضت شروط دول الحصار في إغلاق قناة الجزيرة، وحافظت على مستوى معقول من حرية الإعلام، سواء المحلي أم العربي والدولي.

وحافظت الإمارات على موقعها المتصدّر في دعم الانقلابات والمليشيات المسلحة والتيار المدخلي السلفي.. خارجيا، وتبنت سياسةً قمعيةً شمولية داخليا.

وهي تروج نموذج القمع السياسي والفكري مقابل الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو النهج ذاته الذي سار عليه بشار الأسد قبيل الثورة السورية.

كان يمكن أن يُؤسّس ناد للأنظمة الملكية العربية، يشكّل تحديا للجمهوريات الوراثية القمعية، لكن ما يفرق في نظرة تلك الأنظمة للديموقراطية وحقوق الإنسان أكثر مما يجمعها. غير أن دروس التاريخ تعلمنا أن الملكيات التي تتطوّر تبقى، والتي تتجمد تنقرض.

بإمكان الحكام في الملكيات العربية أن يدرسوا تجربتي خوان كارلوس وشاه إيران. الأول أنقذ إسبانيا وأنقذ الملكية، والثاني خسر مُلكَه، وتحولت إيران إلى دولة شمولية دينية. ليست إسبانيا وحدها، كل الملكيات في أوروبا زاهرة.

يتوهم النهج الإماراتي في الاستقرار الذي يشهده العالم العربي، بعد انتصار الثورات المضادّة، لكنه ينسى أن الرئيس كارتر وصف نظام الشاه قبل شهور من سقوطه بأنه “صخرة الاستقرار” في المنطقة. من مصلحة الشعوب أولا، ومن مصلحة الملكيات، تطور الملكيات العربية، أو على الأقل الحفاظ على ما عُرفت به من تسامح.

المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى