نظرة عامة في النقد الأدبي
الأدب يسبق النقد، فلولا وجود الأدب لما وُجد النقد الأدبي، فالأدب صنعة إبداعية والنقد هو الذوق لذلك الإبداع. الأديب مُطالب بالتعبير الإبداعي والناقد مُطالب بنقد ذلك التعبير بموضوعية وحيادية، وبما أن الأدب إبداع فيفترض أن يكون النقد إبداعاً هو الآخر.
يُعد النقد الأدبي عملية تحليل وتفسير وتقييم الأعمال الأدبية، وتتم عملية النقد من خلال أربع مراحل، وهي الملاحظة والتحليل والتفسير والتقييم. يتم في المرحلة الأولى قراءة النص الأدبي ومحاولة فهم معناه، ويقوم الناقد في المرحلة الثانية بتحليل النص الأدبي وتفكيكه إلى عناصره الأولية ومعرفة طريقة تنظيم الأجزاء مع بعضها البعض.
في المرحلة الثالثة يشرح الناقد العلاقة بين الأجزاء والعناصر ومعرفة ما يود المؤلف قوله، وأخيراً يُصدر حُكمه المبنى على فهمه للنص ككل.
يركز النقد الأدبي على تقييم الجوانب الجيدة والرديئة في النص، أي أنه لا يقتصر على البحث عن عيوب النص فقط، وتكون هنالك أُسس ومعايير يرجع إليها الناقد أثناء تحليله للنص الأدبي، إلا أن عملية النقد أحياناً تُعبر عن وجهة نظر القارئ لما يحدث في النص.
فقد يرتاح قارئ ما لنص ما وقد لا تعجبه بعض الأشياء في النص نفسه، فما يَعد جيد وجميل لقارئ معين قد يكون غير لائق وغير جميل لقارئ آخر. قد لا يلقى نص ما رواجًا وقبولاً بين مجتمع القُراء في زمن ما، وربما يقفز قفزة نوعية في زمن آخر.
العلاقة بين الأدب والنقد تكاملية، فالأدب بحاجة للنقد والنقد بحاجة للأدب، فلا يمكن أن يَثمر إحداهما بمعزل عن الآخر. |
على سبيل المثال، لم تلق رواية (موبي ديك) للكاتب الأمريكي هرمان ملفيل التي نشرت عام 1851م القبول بعد صدورها مما جعل كاتبها يشعر بخيبة الأمل، فقضى بقية حياته موظفاً بسيطاً، ويموت مجهولاً في نهاية القرن التاسع عشر.
في القرن العشرين بدأ النقاد وأساتذة الجامعات يهتمون بهذه الرواية وصاروا يكتبون عن جمالياتها مما جعلها تحتل مكانة مرموقة بين الروايات العالمية؛ وبالمثل لم تلق رواية غاتسبي العظيم (1925) للروائي الأمريكي إف سكوت فتزجيرالد القبول في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، لتتحول في الخمسينات إلى تُحفة فنية.
وفي السبيعينيات تُعد من روايات فحول الأدب الأمريكي وتحتل المرتبة الثانية بين أفضل مائة رواية أمريكية وفقاً لتصنيف المكتبة الحديثة (Modern Library) في أمريكا.
إن معرفة المعنى الحقيقي للنص والمُراد منه أمرٌ ليس سهلًا، وهذا ما يجعل دراسة الأدب مُعقدة ومُمتعة في الوقت نفسه، ولذلك يُعد النص الأدبي مصدر للتأمل والجدل غير المنتهيين، حيث يتنافس النقاد في تقديم قراءات وتفسيرات مقنعة للنص كما يراها كل منهم من منظوره.
قد تكون هذه التفسيرات مستقاه من النص نفسه أو من كل ما يحيط بالنص. هنا يمكننا أن ننوه إلى أن النقد الأدبي مر بتحولات عديدة، فقد كان تركيزه على المؤلف وتحول إلى النص ثم تحول أخيرًا إلى القارئ.
وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من المناهج النقدية، خاصةً في القرن العشرين ومنها النقد النسوي والماركسي ومدرسة النقد الجديد ونقد استجابة القارئ والنقد البنيوي والنقد التفكيكي.
يدرس النقد النسوي الطرق التي تكشف الاضطهاد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي للنساء وما إذا كان الأدب يُعزز هذا الاضطهاد أو يقف ضده.
ينظر الناقد إلى النص بطريقة مختلفة عن تلك الطريقة الذكورية التي ظلت مهيمنة على النص لفترة طويلة من الزمن؛ ويهتم النقد الماركسي بإعادة بناء الماضي على شواهد تاريخية لمعرفة إلى أي مدى يكون النص الأدبي تشييدًا دقيقًا وصحيحًا للواقع الاجتماعي في فترة زمنية معينة.
ويرى أصحاب المنهج البنيوي أن الأدب نظام دلالي ثانوي يستخدم النظام البنائي (اللغة) الأولي كأداة، ويري فردناند دي سوسير (مؤسس البنيوية) أن اللغة نظام مستقل بذاته له قواعده الداخلية وهو بهذا يعارض الرأي الذي يقول أن وجود الأشياء في هذا العالم هو الذي يحدد طبيعة اللغة.
لذلك يُركز النقد البنيوي على التحليل الداخلي للنص؛ وبالمثل تهتم مدرسة النقد الجديد بالنص ولا شيء غير النص، مستبعدة دور المؤلف أو أي تضمينات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو تاريخية أو نفسية. على العكس من ذلك يرى أصحاب النقد التفكيكي أن هناك تفسيرات لا حصر لها للنص وأن المعنى يكمن في القارئ ولا يحدده المؤلف.
وبشكل مُشابه يهتم نقد استجابة القارئ بمعرفة استجابات القُراء للنصوص التي يقرؤونها، وكما أنهم يمتلكون شخصيات أيديولوجية وسياسية مختلفة فإن قراءاتهم للنصوص ستختلف حتمًا. أدى ظهور هذه المدرسة إلى ضرورة وجود نظرية نقدية تهتم بتأسيس قواعد عامة تُوضح عمل الأدب والنقد معاً.
وهنا يجب أن نفرق بين النظرية النقدية (المرتبطة بمدرسة فرانكفورت) التي تُعنى بدراسة الثقافة والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية وبين النظرية النقدية الأدبية.
قد يكون النقد مَبنيّ على دراسة دقيقة للنص ذاته تشمل لغة النص وفكرته والعاطفة التي يحتويها، وقد يعتمد على تفسيرات وأحكام مُسبقة عنه، وقد يأخذ في الاعتبار كل ما يقود لفهم النص، وبما أن النقد هو الذوق للإبداع الأدبي، فقد يرافق هذا الذوق لذة أو عدم لذة يترتب عليهما حكم (رأي نقدي) يصب في صالح النص أو يقف ضده.
وأخيراً يمكننا القول أن العلاقة بين الأدب والنقد تكاملية، فالأدب بحاجة للنقد والنقد بحاجة للأدب، فلا يمكن أن يَثمر إحداهما بمعزل عن الآخر.