مع كورونا.. أدب الأوبئة ونهاية العالم يعود للواجهة
تنشر “ضفة ثالثة” مساهمتين للزميلين نجيب مبارك وسارة عابدين تتعلقان بجانب من التداعيات التي ترتبت على تفشي فيروس كورونا في أرجاء العالم أخيراً، فيما يمكن اعتباره أشبه بملف خاص يتطرق إلى موضوعين متصلين من حيث المبنى والمعنى؛ الأول كيف تناول الأدب موضوع الأوبئة عموماً، والثاني كيف تراءت نهاية العالم من وجهة نظر مقاربات أدبية مختلفة ارتباطاً بالأوبئة.
- كيف تناول الأدب موضوع الأوبئة عموماً
نجيب مبارك
خلال الأيام الماضية، رصدت وسائل الإعلام إقبالاً كبيراً من الإيطاليين على شراء وقراءة روايتي “الطاعون” لألبير كامو و”العمى” لخوسيه ساراماغو، والسبب هو الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجدّ الذي يجتاح إيطاليا حالياً، وهو وباء حصد في أسابيع قليلة أرواح المئات حول العالم. إنّ هذه العودة المحمومة لقراءة ما يسمّى “أدب الأوبئة” ليست وليدة اليوم، فهي تتكرَّر تاريخياً كلّما حلَّ وباء جديد في مكان ما من العالم، والإنسان بغريزته ميّال إلى البحث عن وقائع أو حالات مشابهة في التاريخ، ليستلهم منها وسائل عملية للوقاية أو لمواجهة الوباء في حال فشلت حكومته في ذلك. وهذه ظاهرة تدفعنا إلى التساؤل: كيف تناول الأدب موضوع الأوبئة عموماً؟ وهل تنبّأت الرواية من قبل بوباء يُشبه فيروس كورونا الحالي؟
- من الموت الأسود إلى أدب الديستوبيا
يعيش العالم هذه الأيام تحت تهديد الإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجدّ، وسط مخاوف من أن يتحوّل إلى “موت أسود” جديد يفتك بالملايين من السكان، إذا فشلت البشرية في محاصرته والقضاء عليه، أو فقدت السيطرة نهائياً أمام انتشاره السريع. إنّ مصطلح “الموت الأسود” يشير عادةً إلى وباء الطاعون الذي اجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352 وتسبّب في وفاة ما لا يقلّ عن ثلث سكّان القارّة. وكان الرّواة الدنماركيون والسويديون هم أوّل من استخدم هذا المصطلح، وقد تكرّس مع إصدار كتاب “الموت الأسود في القرن الرابع عشر” للطبيب الألماني يوستوس هيكر في عام 1832، والّذي لقي صدى كبيراً، خاصة أنّه تزامن مع انتشار وباء الكوليرا في أوروبا. وقبل صدور هذا الكتاب بسنوات قليلة، كانت ماري شيلي، التي كتبت رائعة “فرانكنشتاين”، قد أصدرت رواية بعنوان “الرجل الأخير” عام 1826، وهي تحكي قصّة رجل يعيش في عالم مستقبلي اختفى منه البشر بسبب الأوبئة، وقد سبق لشاعر فرنسي اسمه جان بابتيست كوزان دي غرانفيل أن أصدر قصيدة نثرية ملحميّة بالعنوان نفسه عام 1805، وهي تعتبر في نظر الكثيرين أوّل عمل حديث في أدب الديستوبيا.
أما بالنسبة لما يسمّى “أدب الأوبئة”، فقد انتشرت الروايات حول الفيروسات والأوبئة على نطاق واسع خلال القرنين الماضيين. وهناك عدد كبير الأمثلة: من الشهادات الحقيقية لدانيال ديفو في “مجلة الطاعون” إلى الأعمال الكلاسيكية الحديثة، مثل “الطاعون” لألبير كامو أو “الحب في زمن الكوليرا” لغابرييل غارسيا ماركيز. وقد ازدادت شعبية هذه الروايات المهووسة بالأوبئة الفتاكة منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين، في فترة تأجُّج المخاوف من نهاية العالم بسبب احتمال نشوب حرب نووية بين القوّتين العظميين. وعموماً، تحكي هذه الروايات حول الأوبئة التي قد تهدّد البشرية إمّا عن انتشار مرض غير معروف في الماضي أو عن أحداث تعقب تفشّيه، وقد يأتي المرض إمّا من فيروسات متحوّلة أو متطوّرة من مرض معروف، أو من فيروسات أنشأها العلماء (عمداً أو عن طريق الخطأ)، لكن في أغلب الأحيان لا يتمّ تحديد مصدر أو منشأ المرض، ما يمنح الحبكة مزيداً من الغموض.
- “عيون الظلام” تتنبأ بفيروس كورونا؟
مع ظهور فيروس كورونا قبل أسابيع، عادت بقوّة إلى الواجهة بعض روايات الأوبئة القديمة، لأنّه تبيّن للجميع أنّ هذا النوع المستجدّ من الأنفلونزا ليس أقلّ فتكاً من تلك الأوبئة المتخيّلة. من هذه الروايات، مثلاً، رواية الكاتب الأميركي دين كونتز «عيون الظلام». صدرت هذه الرواية في عام 1981، وفضلاً عن كونها رواية من روايات الرعب، فأحداثها تتشابه مع أحداث الواقع الراهن بشكل مثير للدهشة. إذ رغم أنها كُتبت قبل 39 عاماً فإنها تفاجئ كلّ من يطالعها بقدرتها الرهيبة على التنبؤ بالمستقبل، إذ تتحدّث عن فيروس ينطلق من مدينة ووهان الصينية (كذا!)، ويتفشّى سريعاً بشكل خارج عن السيطرة، وهو بالضّبط ما حدث منذ أكثر من شهر، مع ظهور فيروس كورونا في هذه المدينة الصينية تحديداً، قبل أن ينتشر خارج الحدود ويصير خطراً عالمياً متنامياً. وقد اشتهر الكاتب الأميركي دين كونتز دوماً برواياته التي تحمل طابع التشويق والغموض، وتمزج أحياناً بين الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، وصنّفت بعض أعماله في قائمة نيويورك تايمز لأعلى الكتب مبيعاً، وهو يبلغ من العمر 74 عاماً، وأصدر حتّى الآن أكثر من 80 رواية. ومن غرائب الصّدف أنّ المختبر الذي تتحدّث عنه روايته، يقع على بعد 22 كيلومتراً فقط من مركز تفشّي فيروس كورونا المستجدّ.
- ما علاقة الأوبئة باللغة؟
ربما تكون رواية “نهاية العالم” قريبةً أيضاً مما يحصل هذه الأيام مع فيروس كورونا، وهي رواية كتبها عبقري الرّعب ستيفن كينغ عام 1978. في هذه الرواية، تبدأ نهاية العالم من شيء تافه وبسيط مثل الإنفلونزا لكنّها ليست إنفلونزا عادية، إذ تمّ تعديل هذا الفيروس في المختبرات العسكرية السرّية ليصبح سلاحاً بيولوجياً فتاكاً. تصف الرواية خطوة بخطوة كيف ينهار المجتمع ويصبح شبيهاً بغابة، وكيف يرتقي النّاس المحصَّنون ضدّ المرض إلى مرتبة الآلهة الصغيرة. تتميّز شخصيات الرواية بالمناعة والصّلابة، مثل أغلب شخصيات ستيفن كينغ، على الرّغم من تهديد الإنفلونزا القاتلة الّتي اجتاحت العالم، بحيث يصعب عليهم التهرب طويلاً من المواجهة: فرض الحجر الصحي، وقوع خروقات أمنية وتزايد الاعتقالات، ثم أخيراً سطوة غريزة البقاء الّتي لا تسمح بالنّظر إلى الحياة في شموليتها، وإنّما تركّز على الحلول الفردية الّتي تفرض على الشّخص التفكير في النجاة بجلده أوّلاً، حتّى ولو كان ذلك على حساب جميع البشر.
إنّ “أدب الأوبئة” يمثّل انعكاساً حقيقياً لهشاشة الإنسان، وهو لا يقلّ أهمية عن أي نوع آخر من الأدب الحقيقي. نجد هذا مثلاً عند رائد الخيال العلمي هـ. ج. ويلز في روايته الشهيرة «حرب العوالم»، حينما تخيّل هبوط مركبات تقودها كائنات فضائية متطوّرة، تستعمر الأرض وتستعبد الناس وتجرّدهم من كلّ ممتلكاتهم، بفضل أسلحتها المتقدّمة التي تهزمت بها الجيوش البشرية وتدمّر العمران. لكن، حين يئس الناس واستسلموا للعبودية، حدث ما لم يتوقّعه أحد: بدأت تلك المخلوقات في الهلاك بصورة مفاجئة، وأخذت تتساقط الواحد تلو الآخر من تلقاء نفسها. وبعد البحث والتقّصي اتّضح أنّ المخلوقات الفضائية لم تكن لديها مناعة ضدّ الجراثيم الأرضية، الأمر الذي أدّى إلى إصابتها بأمراض غير معروفة في مجالها الحيوي البعيد، إذ ليست لديها مناعة تحميها على كوكب الأرض. أيضاً تحضر الديستوبيا مراراً في أعمال الكاتبة الكندية مارغريت أتوود، وهو ما نجده مثلاً في روايتها الشيّقة، وغير المعروفة بشكل غريب، “كريك وأوريكس”.
وفيها تصف الدّمار إثر طاعون أهلك البشرية، حيث يعيش الناجي الوحيد من البشر في الغابة، ويتطلّع كلّ يوم إلى أنقاض مدينة عظيمة، وأثناء ذلك يتساءل عن معنى وجود الأطفال، وما هو شكلهم، لأنه لا يستطيع تخيُّلهم على الإطلاق. وهنا تطرح أتوود سؤالاً عميقاً بخصوص الهوية الإنسانية: ما علاقة الأوبئة باللغة؟ وتحاول الإجابة عنه بوضوح وألمعية من خلال أحداث هذه الرواية.
“أدب الأوبئة” يمثّل انعكاساً حقيقياً لهشاشة الإنسان . نجد هذا مثلاً عند رائد الخيال العلمي هـ. ج. ويلز في روايته الشهيرة «حرب العوالم»
أخيراً، لقد ألهم هذا النوع من الأوبئة الكثير من الأدباء، وكتّاب الخيال العلمي بشكل خاص، من بينهم مثلاً جورج ر. ستيوارت في رواية “بقايا الأرض”، وهي تصف عالماً خالياً من البشر بعد أن فتك بهم فيروس غريب. ومن الإصدارات الحديثة أيضاً، رواية “إقفال” لجون سكالزي، وهو آخر الكتّاب الكبار في هذا النوع من الأدب، وهي تحكي عن فيروس تظهر أعراضه على شكل إنفلونزا بسيطة، يشبه فيروس كورونا الحالي، إذ يصيب واحداً في المئة فقط من السكان، لكنّه لا يؤدّي إلى الموت وإنّما يشلّ ويجمّد حركة المصاب ويتركه مستيقظاً واعياً، بحيث يصير غير قادر على الاستجابة لأيّ محفّز. من هنا تبدأ رواية بوليسية تجري أحداثها في فضاء مرعب، كما هي الحال اليومَ في مدينة ووهان الصينية.
- نهاية العالم برؤى أدبية مختلفة.. من بوكاتشيو حتى ساراماغو
سارة عابدين
في الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا حول العالم ويهدد العديد من الأرواح، نعود إلى ما أنتجه الأدب من أعمال تتحدث عن اجتياح الأوبئة للعالم، وتوقعات الروائيين الخيالية التي ربما تتطابق بشكل ما مع ما يحدث في العالم في وقتنا الحاضر، إذ تعتبر فكرة انتشار الوباء أو قرب نهاية العالم من الثيمات الممتعة التي تجذب القراء مع قدر كبير من الإثارة.
- “ديكاميرون” لجيوفاني بوكاتشيو، 1353
“ديكاميرون”، وتعني الأيام العشرة باللغة اليونانية، هي مجموعة من القصص كتبها المؤلف الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو في القرن الرابع عشر، وهي عبارة عن 100 حكاية يرويها 10 شباب يحتمون في فيللا منعزلة خارج فلورنسا هربا من الموت الأسود “الطاعون” الذي كان يصيب المدينة.
في الوقت الذي كتب فيه بوكاتشيو “ديكاميرون” كانت إيطاليا تعاني من أزمة هائلة بسبب انتشار الطاعون. شهد بوكاتشيو تفشي الوباء وتأثر شخصيا بسبب موت والده وزوجته، واستغرق منه الأمر 6 سنوات لكتابة القصص التي تنوعت بين الحب والمأساة والإثارة الجنسية ودروس الحياة.
يقضي الشباب 14 يوما في تلك الفيللا المنعزلة، ويروي كل منهم قصة كل ليلة. قدمت القصص في شكل دراما إذاعية مكثفة مدتها 30 دقيقة عام 1945، بالإضافة إلى الفيلم المكسيكي “عام الطاعون” الذي عرض عام 1980، وأخرجه المخرج المكسيكي فيليب كازالز، وكتب السيناريو الخاص به الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. وفي عام 2016 قدمت الرواية على شكل دراما مسرحية مدتها 60 دقيقة. القصص متوفرة بطبعة عربية بترجمة المترجم الراحل صالح علماني.
- “مجلة الطاعون” لدانيال ديفو
“مجلة الطاعون” رواية للكاتب الإنكليزي صاحب “روبنسون كروزو” دانيال ديفو، وهي توثق وتسرد تجارب رجل واحد عام 1665، عندما هاجم الطاعون لندن. يعتبر هذا الطاعون آخر طاعون هاجم لندن بعد سلسلة طويلة من الأوبئة المتقطعة التي نشأت في الصين عام 1331، العام الأول لظهور الطاعون في العالم.
عرضت الرواية تجارب شاهد عيان للأحداث في ذلك الوقت، وقد بذل ديفو جهدا كبيرا لتدقيق المعلومات، وتحديد الأحياء والشوارع والمنازل، التي وقعت فيها الأحداث، بالإضافة إلى نشر جداول أرقام الخسائر ومناقشة مصداقية الحكايات التي تلقاها الراوي من أصحابها. أثار العمل جدلا كبيرا حوله بسبب قراءته في البداية كعمل غير روائي، واعتبار ديفو مجرد محرر للعمل التوثيقي وليس مؤلفه، لكن بحلول ثمانينيات القرن الثامن عشر تم قبول الرواية ضمن تصنيف الرواية التاريخية.
تحكي الرواية قصصا مرعبة عن أشخاص سجنوا في منازلهم لأن أحد أفراد أسرتهم أصيب بالمرض، حيث تغلق الأبواب تماما ويرسم عليها من الخارج صليب أحمر. كانت هذه الطريقة في عزل المرضى، تجعل الأصحاء محاصرين حتى الموت، لوجودهم مع أشخاص محملين بالمرض.
قضت اللوائح وقتها بوضع حارس أمام كل منزل موبوء حتى لا يغادر أصحابه، لكن بالرغم من ذلك تمكن بعض الأشخاص من الفرار عبر أبواب مختلفة في المنازل أو عن طريق رشوة الحارس ليتركهم يهربون.
- “قناع الموت الأحمر” لإدغار آلان بو
في هذه القصة التي كتبها الكاتب الأميركي إدغار آلان بو عام 1845 يصيب المرض المعروف باسم الموت الأحمر البلد المتخيل ويتسبب في موت ضحاياه بسرعة وبشاعة. يقررالأمير بروسبيرو إغلاق بوابات قصره لصد المرض متجاهلا ما يعصف بالأرض خارج قصره. بعد عدة أشهر يستضيف في قصره بعض الضيوف في غرف القصر الملونة بألوان فردية.
الغرفة في أقصى الشرق ملونة باللون بالأزرق، تليها الغرفة الأرجوانية، ثم الغرفة الخضراء والغرفة البرتقالية والغرفة البيضاء والغرفة البنفسجية والغرفة السابعة والأخيرة سوداء، توجد فيها ساعة من خشب الأبنوس. عندما ترن الساعة يكون صوتها عاليا ومشتتا بحيث يتوقف الجميع عن الحديث، وتتوقف الأوركسترا عن العزف. في منتصف الليل يظهر ضيف جديد يرتدي زيا يشبه الكفن، وقناعا يشبه الجثة ليهاجم الضيوف ويقتلهم واحدا تلو الآخر.
تعتبر “قناع الموت الأحمر” قصة رمزية تنطوي على مفاهيم فلسفية عن عجز البشر عن الهروب من قبضة الموت، مهما بلغ ثراؤهم أو سرية أماكن احتمائهم، وتؤكد على ذلك عبر معاقبة الأمير بروسبيرو بالموت بسبب اعتقاده أن ثروته قادرة على إنقاذه. تمثل غرف القصر المصطفة سلسلة مراحل الحياة التي تمتد من الولادة إلى الموت والغرفة السوداء تمثل النهاية المشؤومة والساعة تذكر الأحياء بالموت دائما حتى يموت الجميع في نهاية الأمر.
- “الطاعون” لألبير كامو
تحكي تحفة ألبير كامو الروائية عن انتشار الطاعون والرعب والمعاناة التي رافقته أثناء اجتياحه للجزائر في أربعينيات القرن الماضي. نشرت الرواية عام 1947 وهي قصة متخيلة عن مدينة وهران الجزائرية، التي يصل الطاعون إلى سواحلها دون سبب واضح، وتبدأ الفئران في المدينة في الموت بطريقة مروعة. بعد أن تموت كل الفئران يبدأ الناس بالمرض بالطاعون الأسود الذي اجتاح أوروبا في العصور الوسطى، لكن المسؤولين يرفضون الاعتراف بذلك، ويستمر الناس في الموت، ويتم عزل المدينة عن بقية العالم.
يتحول الناس في المدينة إلى الجنون، ويخبرهم الكاهن أن الطاعون هو عقابهم على آثامهم. يتحصن الناس ببيوتهم، وتعلن الأحكام العرفية بسبب تدهور الأحوال في المدينة. تمتلئ المقابر بجثث الموتى. تتحول كل المباني الكبيرة والفنادق بوهران إلى مستشفيات، ويتحور المرض وتزداد قدرته على العدوى. يموت الكاهن بعد اعترافه باهتزاز إيمانه بعد مشاهدته لمشاهد موت الأطفال.
في نهاية الرواية يتراجع الوباء ويبدأ السكان في الاحتفال. تفتح أبواب المدينة لجمع شمع الناس بعائلاتهم. تحمل الرواية بين سطورها العديد من التأويلات بداخل الحكاية متمثلة في أفكار الكرم والبطولة والحب والاتصال المتبادل بين البشر، ويمكن قراءتها عبر أزمنة مختلفة دون أن تفقد جمالياتها.
- “المنصة” لستيفن كينغ
نشرت الرواية عام 1978، وهي تقدم صراع الخير والشر المستمر في كل العصور، مع صورة حية لنهاية العالم، يمكن أن تكون صالحة لكل وقت، وترسخ فكرة الحرب البيولوجية التي تعززها نظرية المؤامرة، للقضاء على البشر.
تبدأ الرواية في قاعدة نائية للجيش الأميركي، حيث يتم إطلاق أحد سلالات مرض الإنفلونزا المختلق بطريق الخطأ. يصيب المرض تشارلز كامبيون فيهرب مع زوجته وابنته إلى تكساس، لكن الجيش يتمكن من العثور عليه، وينشر المرض بالفعل قبل القبض عليه ووضعه بالحجر الصحي. يبدأ المجتمع في الانهيار ويتوقف القانون ويموت الناس بسبب العنف وليس فقط المرض.
يتوجه بعض الناجين إلى الأم أبيغيل، وهي سيدة مسيحية قديسة تبلغ من العمر 108 أعوام، تتحدث عن الرب وقوى الخير، يتشكل مجتمع جديد مهيأ لمواجهة الخير والشر بأبعاد توراتية، خاصة مع صعود مجتمع مواز آخر يحكمه “فلاج” الذي يمتلك قوة عسكرية، ويستخدم التعذيب والإعدام لفرض سيطرته. في نهاية الرواية تتصاعد الأحداث بين مجتمع الأم أبيغيل ومجتمع فلاج الذي أصبح يهدد المجتمع الروحاني للأم.
تنتهي الرواية بتساؤل حول ما إذا كان الجنس البشري يمكنه التعلم من أخطائه، مع جواب غامض ومقتضب هو “لا أعرف”.
- “العمى” لخوسيه ساراماغو
نشرت رواية “العمى” للكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو عام 1995، وتدور حول مرض غامض ينتشر بسرعة بين البشر، يصفه ساراماغو بالعمى الأبيض، ويصف الأعراض في الصفحات الأولى من الرواية. تقوم الحكومة بعد ذلك بترتيب الحجر الصحي داخل مستشفى مهجور للأمراض العقلية. يتتبع الكاتب الأحداث المروعة لمجموعة من المصابين بقيادة زوجة الطبيب المصاب الأول بالمرض، وهي الشخص الوحيد الذي احتفظ بقدرته على الإبصار. بمجرد أن تزداد الأعداد داخل الحجر الصحي، تنهار الأخلاق والنظم الاجتماعية، ومع ذلك يظل هناك بعض الأشخاص الذين يحاربون من أجل مصلحة الجميع.
يعتبر العمى في الرواية مرادفاً للجهل وعائقا أمام الفهم، خاصة عندما يشعر الأطباء بالحيرة تجاه المرض وسبب انتشاره. ربما تكون الرواية كئيبة لكنها بالرغم من ذلك مثيرة تتخللها قصة حب وقصة أمل، مع حضور كبير لروح الدعابة في طريقة السرد، ليحقق ساراماغو ذلك المزيج النادر من السحر والخيال والواقع، بالإضافة إلى نهاية سعيدة تعيد الأمل إلى القارئ بعد كل تلك الأحداث المرهقة.