الدراسات الأدبية

مفهوم الأدب عند تزفيتان تودوروف

 

تجدر الإشارة بداية أن هذه المقالة كُتبت استرشادا واستلهاما وتلخيصا لمؤلف تزفيتان تودوروف الموسوم بمفهوم الأدب ودراسات أخرى، وما أخذنا من هذا الكتاب واعتمادنا عليه إلا تقديرا منا للمجهود المبذول من طرف المؤلف وعرفانا بأهمية ما أنجز. تزفيتان تودوروف فيلسوف فرنسي – بلغاري وُلِد في 1 مارس 1939 في مدينة صوفيا البلغارية. يعيش في فرنسا منذ 1963، ويكتب عن النظرية الأدبية، تاريخ الفكر، ونظرية الثقافة. توفي يوم 7 فبراير 2017 عن عمر 77 سنة.

تشكل الأجناس الأدبية حياة الأدب نفسها، والأدب كلمة حديثة جدا في اللغات الأوروبية بمعناها الراهن، والأرجح أنها ظهرت في القرن الثامن عشر، ويربط ليفي برول بين الطبيعة البدائية والتجريد (أي عدم ربط الصور بالمفاهيم) هذا قديما، أما حديثا فالأدب يعاني من التشتت فمن عساه يقدر على التفرقة بين ما هو أدبي وما هو غير أدبي نظير التنوعات الحاصلة في هذا القرن. فلنطلق كلمة “وظيفي” على الكيان المجرد للأدب، ونطلق صفة ” بنيوي” ولكن علينا أن نميز بدقة بين ما هو وظيفي وما هو بنيوي.

حيث البنية مكونة من وظائف والوظائف تنشئ بنية، والفارق ليس في الموضوع وإنما في وجهة النظر. إن الأدب يقوم على خاصيتين: الأولى أنه “محاكاة” بالكلام للواقع، لكننا لا نحاكي الواقع فقط، إذ قد نلجأ “للتخيل” وذلكم هو تعريفه البنيوي. وذكّر فراي بغموض بعض التعابير كـ “الخرافة” و”التخيل” والأسطورة” التي تنتمي للأدب والكذب سواءً بسواء. ولكن ذلك ليس صحيحا إذ يؤكد علماء المنطق المحدثين أن النص الأدبي لا يخضع مطلقا لمعيار الحقيقة. ولكنه تخيلي على وجه الدقة.

الفنون الجميلة مقتصرة على مبدأ واحد هو تقليد الطبيعة الجميلة، وفي سنة 1785م ألف كارل فيليب مورتيس الذي سعى لجمع الفنون الجميلة والعلوم تحت مظلة الإنجاز
ولكن هذا التعريف يبقى قاصرا ونحن هنا نُحل إحدى تبعات ما هو الأدب محل تعريفه، حيث تقدم لنا هنا بطريقة غير مباشرة إحدى خصائص الأدب. وهل هي مصادفة أن نلصق صفة التخيلي بجزء كبير من الروايات والقصص في حين أننا نبرأ من ذلك إذا ما تعلق الأمر بالشعر. إذ لا يمكننا أن نصف العبارة الشعرية بأنها تخيلية ولا غير التخيلية، لكننا نكتفي بالقول غالبا أنها تأمل أو انطباع. إن لم نعد كل أدب تخييل فبالضرورة ليس كل تخيل أدب وقصص فرويد عن “الحالات” أنموذجا عن ذلك، ومن جهة أخرى إذا كانت الحال أن الأساطير تخيلية بكل تأكيد فهل نضمنها كلها ضمن الأدب؟

ضف إلى ما سبق خاصية “الفنية” حيث في القرن الثامن عشر وبالتحديد سنة 1746م وضع الراهب باتو كتابا في الجمال قال فيه أن الفنون الجميلة مقتصرة على مبدأ واحد هو تقليد الطبيعة الجميلة، وفي سنة 1785م ألف كارل فيليب مورتيس الذي سعى لجمع الفنون الجميلة والعلوم تحت مظلة الإنجاز. لقد تغلب هنا “راق” على “علَّم” حيث عرف كورتيس الجميل بأنه (لا يعني الشيء سوى نفسه، ولا يقصد سوى نفسه ولا يتمالك غير نفسه، وأنه يكون كلا ناجزا بنفسه) أما الفن فعرف الجميل بأنه (إذا ما تمثل مبرر الوجود لعمل فني بدلالته على شيء ما خارج عنه، أضحى بذلك تبعيا، في حين أن المراد على الدوام، في حالة الجميل، أن يكون هو نفسه المقدم.) حيث أن الأدب كلام غير أداتي، وقيمته قائمة فيه، أو كما يقول نوفاليس “تعبير للتعبير”.

ودافع الرومانسيون الألمان عن هذا الموقف ثم تلاهم الرمزيون وما بعدهم. بل سيغدو نقطة انطلاق للمحاولات العصرية الأولى لإنشاء تعريف للأدب. كالشكلانية الروسية أو النقدية الحديثة الأمريكية. إن الوظيفة الشعرية هي التي تشدد على الرسالة نفسها. عرف ديدرو الجميل بالنظام، حيث أن هذا الأخير يساهم في إدراكنا للعمل في ذاته، ثم استبدل الجميل بالشكل (الشكلانين) ثم البنية (البنيوين)، وللأدب لغة منهجية خاصة تستأثر بالاهتمام، بتفسير غايتها بنفسها، وهو ذا التعريف البنيوي الثاني.

وفي كتابه ” النظرية الأدبية” عالج رينيه ويليك وفارين طبيعة الأدب، وبدأ بالاستخدام الخاص للغة، حيث قسم هذا الاستخدام إلى: أدبي ودارج وعلمي. من حيث أن الأدبي غني بالتداعي ومبهم وغير شفاف (أي يوجهنا نحو مرجعيته دون أن يجتذبنا لنفسه) والأدب متعدد الوظائف (مرجعي براغماتي وتعبيري) والاستخدام الأدبي نفعي وذاتي الغاية (لأنه لا يقع على تبرير وجوده خارجا عن ذاته).


إعــداد: خولة عمامرة – الجــزائر

 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى