كيف بدأ التصنيع في المغرب ؟
بعد أن تحرر المغرب من القيود الجبائية البزنطية في عهد الأدارسـة تنفس الصعداء وانطلق الاقتصاد المغربي من العقال الذي كان يخنقه، فازدهر وانتظـم وأصبح «منطلقا قارا» وصفه (طيراس).
وبتأسيس المولى إدريس لمدينة فاس في ناحية كانت تعتبر من أغنى نواحي المغرب في مفترق الطرق الكبرى، أصبح للمغرب مركز ثقافي واقتصادي، كان أولى الخطوات نحو التركيز والتخفيف من عوامـل التشتيت القبلي، وقد جلب المولى إدريس البدو إلى قيسارتـه ومستودعاته التي استقطب الكثير مما تشتت عبر المنطقة.
وفي أيام المرابطين والموحدين تزايـد اتساع حدود المغرب ومسحت الأراضي الإفريقية دعمـا للتنظيم، وما كادت تمر ثلاثون سنة على دعـم دولة الموحدين حتى «عمت الرفاهية مجموع البلاد» (كما يؤكد طيراس الذي لاحظ أن مدن بلغت من الازدهار ما لم يسبق لها أن بلغته من قبل).
وأقر الموحدون في الأندلس نظامـا جعل حدا ـ كما يقول أندري جوليان ـ في تاريخ إفريقيـا الشمالية ـ للفوضـى المالية التي كان يتخبط فيهـا ملوك الطوائف، وأصبحت سبتة في طليعة مراكـز إنتاج الورق بجانب شاطبة وفاس التي كان بها أربعمائة «رحى» لصنع الكاغد أيام المنصور والناصـر بالإضافة إلى 3094 من أطرزة النسيج و47 معمـلا للصابون و 86 معملا للدباغة و 816 للصباغـة واثني عشر معمـلا لتسبيك الحدي والنحاس وأحد عشر معملا لصنع الزجاج و 315 مصنعـا للجير و 1170 فرنـا للجير ،
علاوة على المطاحـن والمعاصر ومشاغل الحرف التقليدية، وكان المغرب يستغل قسكـا من ثرواته المعدنية مثل الحديد( بين سلا والربـاط) والفضة قرب مكناس وفي سوس، حيث «النحاس والتوتية التي يصنـع بها النحاس الأحمر فيصير أصفر» (المعجب للمراكشي، ص 224).
وفي نفس الوقت أمست مراسي المغرب مراكز لحركـة تجارية قويـة ومبادلات مع بيزة وجنوة والبندقيـة ومرسيليـة، وكان المسلمون آنذاك ـ كمالا يقول أندري جوليان ـ أو من نظم الأساليب التجاريـة طبقا لمقتضيات التجارة الدولية، فطوروا أنظمتهم التي اقتبس منهـا المسيحيون.
وقد تضاعف التبادل بين المغرب وإفريقية فتفتقت مظاهر الحضـارة والأساليب الصناعية وبنيت بين الرباط وسلا قنطرة من الحجارة والخشب، وأقيمت في جامع المنصور بمراكش مقصورة انبهر الناس لأسلوبها الميكانيكي الرائع، وأقيمت قنوات الري على يد مهندسين أندلسيين.
وقد وجـد المرينيون مغربا وفير السكان غنيا برجاله وموارده، تذكيـه حركة اقتصاديـة قوية وتطبعه حضارة يانعة تبلورت في قوة النقود الشرائية، حيث لاحظ ابن بطوطة أنها بلغت في المغرب أضعافهـا بمصر. وفي الوقت الذي احتدم الصراع بين المرينييـن والسعديين بدأ البرتغاليون ينزلون ضرباتهم بالسواحـل، فسيطروا على (أكادير) ومنها راقبوا مجموع الحركة التجـارية في الجنوب (واحتلوا (انفا)، و(أصلا) ، حيث ابتزوا أموال الوطـاسيين.
واستولى الإسبان في نفس الوقت على (مليلية) و«حجرة بادس» وعلى الشمال عموما فتقلص النشاط الاقتصادي. وهكذا تحمل المغرب أعباء حرب دفاعيـة أثرت في اقتصادياته، وبعد انتصاره في معركـة وادي المخازن تدفق المال على صندوق الدولة من مبالغ الفداء وغنائم السـودان وموارد المحتكرات الصناعية ومداخيـل مزارع قصب السكر،
وقويت العملة المغربية التي هـي عنوان الازدهـار الاقتصادي وأصبحت ت كما يقول ـ طيراس ـ من نوع جيد قار، وقد نفق الدينار المغربي لدى التجار الإنجليز، واثرت الدولة حتى اقترح المنصور على هولندا منحها قرضا قدره مليـون ونصف مليون دينـار(وثائق دوكاسترج 1، ص 285).
وقـد بعث المولى زيدان ـ تقويـة لمبادلات المغرب مع أوربا ـ عملاء، قاموا خلال الأقطار الأوربيـة بدعاية وساعة لمنتجـات المغرب وسوائمه ومعادته (النحاس والرخام والحديد والكبريت وغيرها) كما عمد في نفس الوقت إلى هولاندا عام 1035هـ/ 1625م ما قدره 17 250/ طنـا من النحاس، كما صدر إلى إنلجترا في عهـد محمد الشيخ الثاني الذهب والزيـوت والسكر في مقابل الحديد والرصاص والقصدير، وكانت إنجلترا آنذاك، تطمـع في استغلال (ملاحـات) الرباط وسلا التي كانت تعتبرهـا كافية لتغطيـة حاجاتها (وثائق دوكاستر).
- معــادن المغرب:
- 1) النحــاس:
(كان يسبك خلال عهـد السعديين في قوالب ويصدر إلى الخارج، وقـد حصل ملك فرنسـا هنري (ملك فرنسا من 1574م إلى 1589م) على الإذن باستخراج أربعين قنطار منه عام 987هـ/1579م وهـذه القوالب هي المعروفة في فرنسا بـ: PAINS de Sucre (دوكاستر ـ س . أ ج2، ص 24).
وقد تحدث الإدريسي (اختصار النزهة، ص 49) عن النحاس المغربي الخالص الذي لم يكن يعدله غيه في الشرق والغرب وذلك في مدينة (داي) حيث كان يزرع القطـن الذي توافر خاصة في تادلا وقد صدر منه المولى زيدان عام 1625م ما قدره 17.250 رطلا.
وكان المغرب يبيـع لإنجلترا القنطار باثنين وعشرين فرنكات( دوكاستر ـ س.أ ـ فرنسا ج1، ص: 24 و 108). وكـان النحاس معروفا منذ القديم في جبل أنيال وعير عليه أيضا في مكان بين تلماديت وأهل العينة، غير أنه كثير الرواسب محدود الكميات الاحتياطية، ومنجـم النحاس الواقـع غربي ساحل الاطلانطيك نواكشوط يقدر مخزونه ـ 23 مليون طـن تستثمره شركة (Micuma) منذ عـام 1953.
وكان هـذا المعدن ضعيف الإنتاج عامة يوجـد بجبل صغرو وأمزميز، كمـا يوجد منجم بأكوجكـال وآخـر في (بليدة) يحتوي على مدخرات قدرت بمليونين وستمائة ألف طـن في منجم (تازالاغت) قرب وجدة وفي (ثلاث نوس) وبوسكورة.
وتول مدينة في أكـادير هدمها الأشراف عـم 1517م، وذكـر Dicgo de Torrès) أنها كانت قديما كثيرة السكان والخيرات، ومـن ذلك معـدن النحاس (وصف تاريخ المغـرب ـ كودار ، ج1، ص33).
دوكاستر ـ السعديون ـ السلسلة الأولى، م،1 ص 185/م،2، ص 24 ـ 108/م،3 (المقدمة و 74.
وقد احتكره مـولاي عبد الرحمن عام 1269هـ/1852م (وصف تاريخ المغرب ـ كودار ج1، ص 212.
وكانت (إيجلي) قاعدة السوس تعالج النحـاس المسبـوك بالإضافة إلى صنع السكر، وبلغ عـدد تسكيك النحاس والحديد قبل ذلك بفاس أيـام المنصور والناصر الموحدين اثنى عشر مصنعا (زهرة الآس ثص33).
- 2) القصديــر:
تشير مذكرة وجهها إسحاق بالآس Palasse إلى الحكومة الهولنديـة مؤرخة ـ 1057هـ/ 1647م إلى العثور في المغرب على مناجم للقصدير والنحاس (دوكاستر ـ س. أ. السعديون، ج5، ص 128).
وفي عام 1639م كتب نائب القنصل كاسبار (Gasprad) إلى (ريشليو) يعلمه بالكشف عام 1048هـ) 1638م قرب سلا على مرحلة من الرباط عن معـدن للقصدير أجود من معدن إنجلترا ووفر نظرا لوقوع المنجم في مركز طول دائرته مراحـل، وقد صدر منه المغرب كمية لهولندا وهو يغطي خمسين في المائـة في مساحة دائرتها ثمان مراحل أو يزيد.
وقد تدخلت إنجلترا التي كانت آنذاك تحـاول احتلال الرباط لاستثمار مناجم الملح التي قدر أنها كافية لتموين إنجلترا بالملح من أجـل تحديد ثمنه للاحتفاظ بسعر القصدير التي تصدره إنجلترا إلى هولندا وفرنسـا وتركيا، وكانت إنجلترا تسعى جادة في احتـلال قصبة الرباط حتى لا تسقط في قبضة العياشي فتستفحـل القرصنة الرباطية من جديد ـ مذكرة روبيـر بلاك (Robert Blakc 547 ـ 551) (دوكاستر ـ س. أ ـ السعديون م3، ص 588 (1935).
- 3) الحديــد:
يوجد معدن الحديد في مناطق كثيرة من المغرب منها بنو غفر وهي إحدى قرى قبيلـة متيوة بالريف.
وأشار الحسن الوزان إلى وجود مناجـم للحديد في بني سعيد المجاورة لفاس وكذلك الأعوان وكانت فاس تصنع منه السيوف (ماستنيون، ص96).
ويستغل حديد الزيايدة منذ عـام منذ عـام 1262هـ/1845م.
وقد طلب محمد الدكالي هـذا العام الحصول على امتياز لاستغلال معادن الحديد بالزيـادية فرفض طلبه.
(كودارج، ج1، ص 173).
وبلغ عـدد دور تسكيك الحديد والنحاس بفاس اثنتي عشرة أيام المنصور والناصر المنصور الموحديين (زهرة الآس، ص33).
أما جبل الحديد فيوجـد قرب الصويرة ببلاد الشياظمـة سمي بذلك لوجود منجم الحديد.
( الإعلام للمراكشي، ج3، ص 270 ـ ط ـ الرباط) وتحتوي الجبيلات على منجم حديدي يعتبر أحد أهم ثلاثـة مناجم في العالم من حيث مخزونها من خـام الحديد ويتزايـد هذا المخزون إذا أضفنا حديد (تندوف).
- 4) الرصـــاص:
كان يوجد في قرية (الصحاورية) بحدود الريف من جبال غمارة (قبيلة بني رزين).
- 5) الفحـــم:
منع السلطان مولاي عبد الرحمن التنقيب عن مناجم الفحـم في المغرب ، وخاصة في جبل أنجرة (وصف تاريخ المغرب ـ كودار، ج1، ص 175).
أما الفحم الخشبي، فإن وفرته بالمغرب تابعة لسعة’ مساحات الغابات والأحراج.
- 6) الكبريــــت:
في عام 1703م ـ 1115هـ، أصـدر ملك فرنسا أمرا يمنـع إصدار الكبريت إلى المغرب لأنه بـدلا من استخدامـه في «تببيض» الصوف كان يستعمـل في صنع بـارود المدافـع، حيث كان للسلطان بكل من فاس ومكناس ما لا يقل عن عشـرة مصانع لهذه الغايـة وكان هنالك قرار بابـوي يعرف بــ: Bulle «in Cena Domini» يحظر بيع السلاح للقراصنة ولغير المسلمين.
(دوكاستر ـ س2 ـ الفلاليون، م6، ص 310).
الكبريتات لفظ يطلق على أصناف مثل كبربتات القصدير الأبيض والنحاس الأزرق والحديد الأخضـر كان موجودا بالمغرب منذ عهد السعديين.
(دوكاستر ـ السعديون ـ السلسلة الأولى)( م7، ص 356).
- 7) الغاســـول:
صدر ظهير مؤرخ بـ 21ربيع الأول 1277هـ/ 1860م يمنح بمقتضاه التاجر الفاسي الحاج محمد بن المدني بنيس احتكار الاتجار في الغاسول داخل المغرب وحق تصديره إلى الخارج لمدة أربعة أعوام لقاء عشر ألف مثقـال لبيت المال بالإضافة إلى قيمة عشر ما يصدر إلى الخارج (مجلة الوثائق عــدد2، ص 386).
الملح الإندارني أو الذرآني (Sele Gelle ) وهو غير الملح البحري يوجد خاصة في تازة وملح البارود: كان يشكل المـادة الثالثة للصادرات بعد الذهب والسكر ولم تكن حسب سان ماندريي S”mandrier) سوى أربعة مناجـم لملح البارود في إقليم مراكـش (اثنان في مراكش واثنان في أغمات والشبانـات ).
دوكاستر ـ أ السعديون، ج1، المقدمة).
وقد سمح لهولندا باستخراجه ( نص رسالة مولا زيدان) (دوكاستر، ق1، السعديون هولندا، م3، ص 168/م3. (المقدمـة)، ص 50 ـ 722.
- الملح والضرائب :
دوكاستر، ج1، ق2، (فرنسا) ص 516.
ومن جملة ما ستخرج من الأنهار والبحار المغربية:
ـ الجزع Onyse يوجـد في وادي زيز وهو ضرب من العقيق يعرف بخطوطه المتوازية المستديرة المختلف الألوان.
- المرجـــان:
يقال بأن بحارين من (مرسيليا) كانوا يذهبون إلى مياه فرضـة سبتة في القرن الرابع الميلادي لصيد المرجان، ومعلوم أن (جزيرة البقندوس ) Ile Pergél ou du perait التي عرفت في خرائط قديمة باسم (جزيرة الرمجان) Ile ducoraile ، كانت تبعد بنحو عشرة كيلومترات غربي سبتة بعيد رأس الأسد ِCape du lion (راجع دوكساتر ـ السعديون ـ السلسلة الأولى، م3 ( المقدمة).
التنقيب والتعديــن: صدر في 19 يناير 1914م ـ 1333هـ ظهير نظم التنقيب عن المعادن واستخراجها، ثم صدرت ظهائر لتعديل النظام الأساسي طبقا لمعطيات التجربة.
والمبدأ الأساسي في هـذه النصوص هو اعتبار باطن الأرض ملكا للدولة. كما نظمت مصلحة المعـادن بظهير 24 يوليوز 1920، وصدر ظهير في فاتح نونبر 1921 اعتبر المعادن ملكا للمخزن.
وكان السلطان مولا عبد الرحمان بن هشام يمنح رخصا للتنقيب على المعادن وتوجـد من هذه الرخص نسخة من وثائق المسمـى محمد حنانة « تضمنهـا المعرض الخامس» بالرباط مارس 1973 (رقم 395).
وهكذا شجعت الحمايـة المعمرين فبلغ عـدد الشركات الأجنبية ومنها المعدنيـة 412 تناهز رؤوس أموالها ثلاثـة ملايير وأربع مائة مليون.
وقد أشرف المكتب المعدني ( ظهير 15 دجنبر 1928) على الأبحـاث والتنقيبات عن الحديد والمنغنيز والرصاص والقصدير، والموليبدين، والفحم والنحـاس، وأسس 641 مصنعا كالمطاحن والمخابز الميكانيكيـة والحديد والمطابع( 31 مطبعة). عـلاوة على المصانع التقليدية.
- المراجـــــــع:
(كتاب الأحجار) لأحمد بن يوسف التيفاشي (651هـ) مرتب على خمس وعشرون بابا من الأحجار/ مكتبة الشيخ خليل الخالدي بالقدس( 80 ورقة)/ دار الحديث المصرية ـ 37 طبيعيات ( 90 ورقة)/ 461 طبيعيات / المتحف البريطاني، 21953 ADD، وكذلك ( أزهـار الأفكار في خواص جواهر الأحجار).
دار الكتب المصرية 305 طب (مصورة عن طريق سراي) أحمد الثالث 1965.
مكتبة دبلن (جستر ـ بيتي) 4033 ( 95 ورقة).
(الخزانة الحسنية بالرباط) 613/ 4416/4565/7156، مكتبة ليدن 163 OR.
ـ ولابن زهر المغربي ( 825هـ / 1422م)
( الفوائد المجربات في خواص المعدن والنبات والحيوانـات) (منتخب من كتاب خواص الحيوان لابن زهر. دار الكتب المصرية ( 135 طب).
ـ لابن عوض أحمد بن محمد المغربي الإمام « قطف الأزهار في خواص المعاد والأحجـار»، ألمانيا الشرقية، 2116.
ـ ولابن الحجاج محمد بن علي كتاب اسمه « الدوحة المشتكبة في المعادن المنطرقة ( الخزانة الحسنية 5820).
ـ النظام التشريعي للتعديل في إفريقيا الشمالية.
تونس، الجزائر، المغرب.
نشر: شلاميـل A.Chellamel
1951 باريز
ـ الصناعـة المعدنية بالمغرب.
(منطقة النفوذ الفرنسي).
– par L.Eyssantiet
– L”Industrie minière du Maorc , Casa, 1952
الموارد التعدينية في المغرب.
Jacques Weygand 1933
معادن (الأندلس)
مجلة هسبريس (عام 1918).
النفح، ج1، ص 186
أسبانيا المسلمـة ـ ليفي ـ بروفنصال ، ص 176.
- التصنيــع وأساليبه:
الصناعة التقليدية التي عرفهـا المغرب منذ ألف عـام قد تطورت وسايرت مقتضيات كل عصر تقدمـا وتفننا، وقد قامت الحرف بدور مهـم في تاريخ الاقتصاد المغربي حيث كان نحو نصف السكان يشتغلون في الحواضر والبوادي في هذه الصنائع.
وكانت هذه الحرف هي العمـود الفقري للاقتصـاد المغربي في مختلف العصور، وكان الطابع الأندلسي واضحا منذ البداية، فقد نقل المقري عن ابن غالب (النفح، ج2، ص764) أنه بعد وقوع الفتنـة بالأندلس تفرق أهلها في المغرب الأقصى مـع إفريقيـة « فمال أهل الحواضر من الصناع إلى المدن فاستوطنوها».
وقد أشار الحسن بن محمد الوزان في (وصف إفريقيا) الذي حللـه ماسينيون في كتاب « المغرب في النواة الأولى للقرن السادس عشر الميـلادي» (1906) إلى الأسلحـة والسكاكين والسيـوف (التي كانت فاس تجلـب حديدها من مناجم بني سعيد المجاوزة أو الأعوان أو الجنوب)، كما تجلب النحاس لصنع الأواني ، وفي القرن العاشر كانت ناحية سبتة تضع أوانـي النحاس المنحوتة والمرصعـة وتصدرها إلى إيطاليا. أما تامسنا فقد كانت مركزا تجاريا للبرتغاليين الذين قضوا على مصانعها.
وفي سوس أيضـا حيث كان يصاغ الذهب والفضة صارت البرتغال تنافس المصانـع الوطنية بعد احتلال أكادير التي حررها السعديون في القرن العاشر.
وكانت الصنائع تؤدي القبالات وهي ضرائب على المبيعات كما كانت فاس تعتبر عاصمـة الصناعة التقليدية منذ العصور الأولى: حيث وصف الحسن الوزان (ماسينيون ، ص 228) بالضفة اليمنى بوادي فاس مصانع النقد، ورجـال الحرف بفاس كانوا منى جبالـة في مصانع الزيت ومن تاغزوت في مصانع السلاح أي الزنايديـة ( لوتورنو ـ فاس قبل الحماية، ص 360).
ولعل الكثير مـن الحرف والصنائع قـد ازدهر بفضل تأثير الصناع الأندلسيين الذين برعوا في مختلف مظاهر الصناعة والعلوم والفنون مثال ذلك الزليج الفاسي الـذي هـو نوع من الترصيع الخزفي الأندلسي الأصل.
(النفح ، ج1، ص 187).
وقد أشار ابن مرزوق في القرن الثامـن الهجري إلى بعض أنواع الصناعات المتصلة بالبناء وحده، فذكر النجارين والجباصين، والزليجييـن والرخامين، والقنوييــن والدهانين والحداديـن والصفارين، (المسند الصحيح الحسن ، ص 31).
كما لاحـظ المقري، (النفح ، ج1، ص 211) أنه عندمـا أراد الموحدون اتخاذ أصونـة للمصحف العثماني حشروا الصناع المتفنين ممـن كان بحضرتهم وسائر بلادهم من المهندسين، والصباغين، والنظامين والحلائين والنقاشين، والمرصعين، والنجارين ، والزواقين، والرسامين، والمجلديـن، وعرفاء البنائين ، إلخ.
والصناعة التقليدية خطـة شريفة حظيت بعناية واحترام فكان يمارسها الكثير من مختلف طبقات الشعب، وقد قام ماسينيون في سنتي 1923 و 1924 بإحصاء حول حناطي المحترفين والتجار في فاس، ومراكش والربـاط، وسلا ومكناس، والدار البيضاء وتاروادنت ، فأسفر تحقيقه عن وجـود نسبة من المحترفين تبلغ نصف مجموع سكان كل مدينـة ( الحناطين، باريز 1925، ص38).
وقد أوصـل ماسينيون (Massgnon) صناع فاس إلى تسعـة آلاف أوصلها برك (Berque) فيما بعـد إلى 10،916 ، فإذا علمنا أن معدل من يعولهـم الصانع يبلغ خمسة نفر يكون نحو ثلث السكان يتعيشون من الصناعـة.
وكان النظام الحناطي يشكل بالمغرب نظام النقابات اليوم ، حيث تشكل الحرف والمهن التقليديـة لضبط مصالحهـا والدفاع عنها تحت مراقبة ممثل المخـزن وهو المحتسب، وقد تحدث (م. باليز) ( النشرة الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب في عددي 49 و50) عن نظام الحناطي.
فلاحظ أنه يتسم في جميع العصور بطابع الحرية ، حيث أن المخزن كان يحترم مبدأ الحرية التجارية قبل صدور ظهير 1366هـ/ 1917م القاضي بتنظيم البلديـات، وفي فاس بالخصوص كان هـذا النظام حرا جدا وإنما فسد ـ كما يقول (باليز) بالاحتكاك بالغربيين .
وكان انخـراط في الحقيقـة يستلزم نوعا من الضمانة لحماية المستهلك كحنطة الخياطـة التي كانت مضطرة إلى الأداء بضامن أمـام العـدول كفالة لمصالح زبنائها، وكان في نظـام وسع المحترفين الفقراء « تقييـد أسمائهم في سجلات المحتسب، وكانت بعـض الحناطي تتضامن ماليا بحيث يكفل بعضها دو ديـون بعض مثل البقالـة والفحامة، بشـرط أن لا يندرج فيها إلا اللذيـن ترضـى بهم الحنطة، غير الحنطات الأصلية في البلد لـم تكن في حاجـة إلى ذلك، فلم تكـن هذه الكفالـة الجماعية تخص عدا الأجانب عن البلـد.
وكانت كل حنطة تعقد جمعا عاما لانتخاب أمينهـا وخليفته اللذين يعرضان على ممثل المخزن وهو المحتسب للتصديق على اختيارهمـا والأمين هو الذي كان يأخذ البادرات لمساعدة أي عضو من أعضاء الحنطة إصابته خصاصـة أو مـرض أو عند وفاته للاكتتاب لإسعاف عائلتـه وأولاده، كما كان أمين الحنطة يقوم بدور الحكم والفيصـل للبت في النزاعات المهنية بيـن أعضاء الحنطة أو في علاقاتهـم مع شخص أجنبي عن الحنطة مـن الزبناء أو المتعهديـن، وعنـد عجزه ترفع القضية للمحتسب الذي يحيلها في حين على هيأة تحكيميـة تتكون من الأمين وعضوين أو أربعة أعضاء مـن الحنطة، فتصدر الهيأة قرارا يصدق عليه المحتسب ،
وإذا استمر النزاع رفعت القضية إلى محكمة المحتسب الـذي يستعين آنذاك بالأميـن ومساعديـه كخبراء، ويكون قرار المحتسب نهائيـا، إلا أن المحتسب كان يقوم بدور ثالث هام جدا وهو صلة الوصل بين الحنطـة والمخزن خاصة للحصول على ضرائب استثنائيـة أو خدمات بالمجان لصالح الأوقاف أو المخزن.
وكانت المنازعات التجارية لا تخضع للقاضي ولا المحتسب الذي تنحصر اختصاصاتـه في الصناعة التقليدية، اللهم إلا أذا تعلق الأمر بالمكاييل والموازين وتحديـد الأسعار، فالنزاع بين التجار كان يفصل فيه عامل أو الوالي نفسه، وكثيرا ما يحيل القضية على محكمة تجاريـة تصدر أحكامها طبقا لعرف التجاري، وكان أعضاء هذه المحكمة ثمانية يختارهم زملاؤهـم بعد تصديق العامل كممثل للمخـزن،
وكان مقـر هذا المحكمة بخصوص فاس في فنـدق العطارين أو فندق رحبة القيس، ويتولى خليفة العامـل السهر على تنفيذ الأحكام، وقد تستدعي المحكمة «مقومين» اثنين مـن رجال الحرفة، ويسجن الغريم إذا لم يؤد بعد أجـل محدد اللهم إلا إذا كلفه ضامن أو دفـع رهنا كحلي أو عقـد عقاري وإذا وقع نزاع من هـذا القبيل مع تجار أوربيين يرفع التاجر القضية إلى القنصليـة التي تحيلها على المخـزن فتفصل فيها المحكمة المذكورة.
- صنـاعة العملة أو سك النقـود المعدنية:
ويجد الباحث نتفا مبعثرة من تاريخ النقود المغربيـة في جملة المصنفات التاريخية والرحـلات والتراجم، إلا أن هنالك كتاب أفاضت في هذا الباب كرحلة الحسن بن محمـد بن الوزان المعروف بليون الإفريقي، وإذا أضفنـا إلى ذلك ما أورده ابن بطوطة في رحلته(ج4، ص 336) والمقريزي وابن فضل الله العمري والزياني ثم ما جـاء في مصادر أخرى ككتاب المنيات والنقود الإسلامية للأستاذ سـوفيرSauvaire)) (87 ـ 1882) والعملة الإسلامية لم.
سامي (1797)، وشينيي وبونفيل في دائرة المعارف النقديـة (175)، وكذلك النمـاذج المحفوظة في المتاحف ودور الآثار يمكننـا أن نرسم صورة عن النقود المغربية وتطورهـا وشكليتهـا وقيمتها خلال العصور.
وقد ذكر الأستاذ ماسينيون في التعليق الذي حرره حول رحلة ليون الإفريقي بعنوان (المغرب في السنوات الأولى للقرن السادس عشر) ( ص 100) لائحـة لدور السكة في المغرب أيام الحسن الوزان أي أواخر القرن العاشر مشيرا إلى جودها بفاس( لسك الذهب والفضة) ومراكش (كذلك) وتزنيت (الفضة) وتيوت بسوس ( الحديد) وهسكورة (الذهب ) وأزمور (الذهب والفضة) وسلا ( الذهب والفضة كذلك) ونون وسبتة ( ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين) وسجلماسـة (الذهب والفضة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر الميلاديين).
والدينار كان وزنـه يتراوح في الصدر الأول بين 4،729 غرامات و 4،25 ونقص أيام المرابطين فأصبح 3،960 غرام ثم ارتفـع وزنه أيـام الموحدين الذين حاولوا العودة إلى الوزن السلفي بتقليـد الأوائل في العهد العمري وظل الدينار الموحدي مربعا طوال قرن كامـل ثم تغير شكله إلى التدوير أيام المرينيين دون أن ينقص من وزنه.
وكانت ببـاب منصور العلم أيام السعديين بمكناس أربعـة عشر مائة مطرقة تضرب الدينار دون ما معـد لغير ذلك من صنع الأقراط والحلي» (النزهة ص 95)، وقد عثر في أبي الجعد على اثنين وثمانين دينارا ذهبيا 28 من تزن 3،80 جرام (ترجع إلى عهد مولاي محمد المسلوخ) و55 قطعة من وزن 91،4 (عهد مولاي زيدان) أي أكثر من الوزن الشرعي الذي أوصله البعض إلى 414،4 جرام (راجع كتاب Berthes حول الناميات).
وقد أصبح للدينار بعد وقعة وادي المخازن نفاق لدى التجار والإنجليز الذين اغتنموا هزيمة البرتغاليين لبيع منسوجاتهم بالذهب ومبادلتها كذلك بالسكر والجلود المدبوغة وملح البارود.
وقد أصبح للدينـار بعد وقعة وادي المخازن نفاق لدى التجار والإنجليزي الذيـن اغتنموا هزيمة البرتغاليين لبيع منسوجاتهم بالذهـب ومبادلتها كذلك بالسكر والجلود المدبوغة ومحل البارود.
وفي أيـام العلويين بلغ وزن الدينار ثلاثة غـرامات، ومنذ عهد المولى إسماعيل أبطل التعامل بالدينار الذهبي اللهم إلا ذلك النـوع الصغير التابع لضرب بالرباط عـام 1202هـ/ 1787م الذي كانت قيمته تعادل أربعين (موزونة).
وهكذا انتهى عهد المغرب بالمثاقيـل الذهبية التي استعيض عنها بمثاقيل قيامسية من فضة لكان الدينار الفضي يزن 28 غراما ما بين سنتـــــــــي (1174هـ/1202م) (1760و 1787م) ويساوي ريالا عام 1266هـ/1849م ويزن 26 غراما عام 1317هـ/1899م. وصار وزن المثقال القياسي يتناقض حتى بلغ 1،78 غراما ما بين سنتي 1321هـ/13232هـ (1903م ـ 1905م).
أما بالنسبة للدرهم، فقد كان الدينار يساوي في الصدر الأول عشرة دراهم وستمائة فلس وأيام المرابطين والموحدين مثقالا وعشرة دراهم أيام المرينيين والسعديين والعلويين 15 درهما.
وقد عثـر في مدينة وليلي الإدريسيـة على ستـة دراهم سكت في واسط وأخرى ضربت في وليلي نفسها باسم المولى إدريس الثاني عـام 181هـ/797م، وأخرى باسم المولى إدريس 183هـ/799م وبالعثور على درهم إدريسي يتأكد أن المغرب الأقصى هو أول بلد في المغرب العربي والأندلس سك الدراهـم خلافا لما ورد في (تاريخ الذهبي من أن أول من ضرب الدراهـم في بلاد المغرب هو عبد الرحمن بن الحكم الأموي القائم بالأندلس في القرن الثالث، وإنمـا كانوا يتعاملون بما يحمل إليهـم من دراهم المشرق (الحاوي للفتاوي للسيوطي ج1، ص 103).
وقد أمـر المنصور السعدي بضرب السكتة منحـة وسميت دراهم (تاريخ الدولة السعيدـة ص 66.
Chronique ananyme de la Dynastie saadienne. وأول من أعـاد تدوير الدرهم بالمغرب المامون الموحدي عام 626هـ/1228م، وكان المهدي قد ضربه مربعا ( الإعلام للمراكشي ج6، ص 386).
وكان الدرهم يعادل جزءا من عشـرة أو ثلاثة عشر أو خمسة عشر من الدينـار الذهبي تبعا لخلوصها أو زيفها، كمـا يعـادل الأوقية. وكان الدرهم الفضي الصحراوي مربعا في العهد الموحدي يتعامـل به في الصحراء، ولكنه في الغالب مدور الشكل يحمل في في أحد وجهيه اسم مكان السك أو الضرب (تطوان أو الرباط أو مراكش أو فاس)، وفي الوجه الآخـر قيمته. وقد تم سك الدرهم المغربي الصحراوي في عهـد السلطان مولاي الرشيـد والمولى سليمان.
- صناعــة السلاح:
أمـا السلاح فقد استعمل المغاربة أولا الحجارة في العهد الحجري الذي امتد طويلا في إفريقيا (حيث لم يعـرف الناس منـذ الأول معادن الحديد والبرونز والنحاس)، ثم الحراب فالقـوس فالخناجر، وكانت درقـات الدفاع ـ خاصة ضد الحيوان ـ مصنوعة من جلد الفيلـة الذي كان ماء المطر يفسده.
وكامبيني Campini هو رئيس البعثة الإيطالية المشرفة على الماكينة وهي مصنع السلاح والمشاغل العامـة التي أسسهـا مولاي الحسن الأول.
وقد أنشأ أحمـد الوطاسي بساحـة القصر الملكي من فاس الجديد معمـلا لصنع المدافع والبندقيـات والبارود. كمـا أنشأ المنصور معملا جديدا هو «دار العدة» قرب القصبـة بمراكش (أرجوزة عروسة المسائل ص 36). وهذا المعمل هو الذي زود جيش عبد الله الغالب بمعدات فرقة المدفعيـة (مناهل الصفا/ ص 42 و210)، (صناعة الأسلحـة النارية بالمغرب ـ محمد المنوني ـ دعوة الحق).
كما كان المغرب يصنع في عهـد السلطان سيـدي محمد بن عبـد الله البنادق وأنـواعها من الأسلحة البيضاء كالخناجر والرمـاح في تطوان وفاس ومكناس والبارود في مراكش وفاس ، وقد أسس مصانع لتذويب نحاس المدافع وجلب لذلك الخبراء من الاستانـة كما أسس مصنعـا للقنابل في تطوان.
(وصف وتاريخ المغرب ـ كودارج 1، ص 147 ـ 149).
ومن أنواع السلاح الذي كـأن يستعمله الحسن الأول زيادة على المدافـع المهاريس « العـدة الرومية» وهي مكاحـل مركبة فيها توافلها قدرها ألف وستمائة وعشرون مكحلة تخرج أبخاشها بالحبـة الرومية… و 410.000 من الحبة المذكورة وعشرة قناطـر من البارود ومائة قنطار من ملحة ومدفعين».
وكانت القنبال تصنـع عام 1181هـ/ 1767م على يـد الأتراك.
« تاريخ تطوان ج2، ص 266».
وقد أسس السلطان سيدي محمد بن عبد الله مصنعـا للقنابل في تطوان بلغ وزن القنبلة المصنوعـة فيه قنطارين اثنين.
(الاستقصا ج4، ص 104).
وقد أصبح للصناعة التقليدية صيت واسع في العالم تزايـد أواخر القرن الماضي حيث شارك المغرب في معرض باريس بدار البلار عام 1280هـ/ 1863م في عهـد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن ونابليون الثالث ومثل فيه المغرب محمد بن العربي القباج المعروف بالفرناسوي.
وكانت مشاركة المغرب بنماذج من الصناعـة التقليدية (الاستقصا ج4، ص 213).
- الصناعــــة:
أما الطباعة فمعلوم أن الحروف المتحركة هي من اختراع الصينيين وقد دخلت بفضل المغـول إلى مصر ومنها إلى أوربا (كوتي أعراف المسلمين وعوائدهم ص 275).
وقد روى (ابن الأبار) أن عبد الرحمن بن بـدر من وزراء الناصر كان ينفرد بالولايات، فيكتب السجلات في داره ثم يبيعها للطبـع فتطبع وتخرج إليـه فيبعث بها إلى أطراف المملكة (الحلة السيراء ص 137)، وذلك قبل اختـراع Gutenberg للطباعـة عام 1436م بحوالي أربعـة قرون.
- آلات صناعيــة معدنيــة:
ومن نماذج المصنوعات المغربيـة التي تعتمد معدات معدنيـة لإنتاجها مثل الكاغـد (يقال له الكاغط بالمغرب) وهو الورق فقد كان للمغرب أيام الناصر والمنتصر الموحدييـن أربعمائة رحى لصنعه بفاس (زهرا الآس ص 33) ولم يكن يضاهبه جودة سوى ورق سبتـة وشاطبة وكان العرب يصنعونه من القطـن فقد عثر (كازيري) في الأسكوريا على مخطوط عربي من ورق القطـن يرجع تاريخه إلى عام 1009م/400هـ وهو سابق للمخطوطات الموجودة في نفس مكاتب أوربا وشاهـد بأن العرب كانوا من استعاض عن الورق بالكاغــط من الخرق البالية. (حضارة العرب ـ الطبعة الفرنسيـة ص 519).
وقد ذكـر المسعودي في (المروج) أن جعفر البرمكي هو أول من اتخذ الكاغد أيام الرشيد فتداوله الناس من بعده. ويقول (كريمر) بأنه في عصر المعتصم العباسي أسس عمال مصريون في (سامرا) قرب بغداد مصنعا للورق )أعراف المسلمين وعوائدهم ـ كوتي ص 249).
وذكر كوتيي أن مصانـع شاطبة كانت تمد أوربا الغربيى بالورق بينمـا كانت أوربا الشرقية تتزود من الشرق.
وقد تطورت معاصر مع ظهور قصب السكر بالمغرب منذ العهد الموحدي أصبحت في عهد السعديين بمثابة معامل لصنع السكر الذي امتاز آنذاك بجودة حدت أوربا نفسها وفي ضمنها البلاطان الإنجليزي والفرنسي إلى التنافس للحصول على السكر المغربي المكرر المصفى الممتاز. (راجع مناهل الصفا ـ مختصر الجزء الثاني ص 185).
وكان للمغرب طواحين لسحق القموح والحبوب وبعض القطاني اليابسة وكانت تدار غالبا بالماء أو الريح وأصبح لها محرك آلي.
(Le moulin à manége à Salé Rabat – Salé mémarial Henri Basset, 1928, T. I p. 144 )
وكان عدد الطواحين بفاس ثلاثمائة وستين طاحونة في القرن العاشر الهجري (ماسينيون ـ المغرب أوائل القرن السادس عشر الميلادي من ص 231 إلى 234) لم يبق منها سوى مائة وستين طاحونة عام 1322 هـ/1904 م يعمل فيها نحو العشرين ألف عامل، أي نفس عدد عمال مصانع النسيج (الدرارزة) البالغ عددها 520 معملا، وقد بلغ عددها في سبتة 103.
الطواحن المائية بفاس وحنطة الطاحونية فيها.
R. Guyot, les moulins hydrauliques de fes communinéd, (VII° Congrès de l” I.E.H.EM)1928.
أما الصياغة: فهي حرفة الصياغين أو الصاغة وهم صناع الحلي الفضي والذهبي يصوغون المعادن الثمينة والحجارات الكريمة من مجوهرات وشبهها، وهم (الجواهرية).
(راجع الصياغة بالأندلس (اسبانيا المسلمة ص55).
وكانت تزنيت من أهم مراكز شغل الفضة حيث تشغل خدمة المعادن نحو 17% من مجموع الحرف والمهن، وخاصة الصياغة التي بلغ رجالها نحو المائة وقد كانت تزنيت دائما من أهم مراكز صياغة الفضة في المغرب. وقد صنع أبو عنان المريني على يد موقتة علي التلمساني عام 758 هـ/1356 م. من جانة بطيسان وطسوس من نحاس مقابلة لباب مدرسته الجديدة بسوق القصر وجعل شعار كل ساعة أن تسقط ضجة في طاس وتتفتح طاق (زهرة الآس ص 40).
وهكذا كان المخزن منذ العهد الموحدي ينهج طرائق تضمن نوعا من الاستقرار الاقتصادي خاصة على الصعيد الدولي فكان للدولة رصيد لكفالة رواج النقد يتمثل في كميات ضخمة من الذهب حيث كان ملوكنا يحملون أريحة الذهب الخالص خلال حركاتهم، كل رحى كقرص الشمع وزنه اربعة ىلاف ريال تحمل على البغال. وقد احتفظ المخزن ـ دعما لموارده المالية ـ بحق تسوية بعض المعادن.
وكان احتكار المخزن لحقوق الإصدار والإيراد يدر عليه مبالغ طائلة لفائدة بيت المال حيث شمل الاحتكار الكبريت والصباغ والنحاس الزنك والرصاص وملح البارود وهي مواد أولية كان يسترجعها مصنعه من أوربا، ففي أوائل هذا القرن شملت الواردات الإنجليزية إلى المغرب النحاس المصنع في ناموسيات بالإضافة إلى صفائح النحاس والحديد الخام.
وقد سمح المولى إسماعيل للتجار الفرنسيين بسلا بحرية التجارة في مواد كثيرة منها النحاس (راجع رسالة مؤرخة في مكناس بـ 3 ذي القعدة 1317 هـ/17 يبراير، 170/الوثائق الغميسة دوكاستر سلسلة 20 ـ فرنسا م 4 ص 338).
وقد شعر المغرب أن المورد الأساس الاقتصادي هو الزراعة المعززة بالطرق العصرية، فذلك اهتم السلطان سيدي محمد الرابع عندما كان خليفة لوالده بمراكش بترقية أساليب الفلاحة فجلبت آلات لدرس الزرع وعدة أجهزة آلية.
وعند وقوع ما يسمى في أروبا بـ (مجاعة القطن) بين 1858 و1865 م عمل السلطان على تقوية الزراعة الآلية فطور مثل زراعة القطن في أراضي المخزن بالحوز قصد تخفيض مقادير العملة الصعبة التي كانت تصدر إلى الخارج فتضعف العملة المغربية.
ولم يتردد المغرب في تطوير موارد الطاقة دعما لوسائل الري، حيث حول مثلا مجرى وادي فاس عام 1844 على يد المهندس الفرنسي عبد الرحمن دوسوتلـــــــي (De Saulty) وقد تعززت بهذا التكامل الصناعي الزراعي مجالات التعدين والتصنيع المعدني.
عبد العزيز بنعبد الله:
عبد العزيز بنعبد الله (18 ربيع الآخر 1342 هـ / 28 نوفمبر 1923م – 12 ربيع الأول 1433 هـ / 5 فبراير 2012م)، عالم لغوي وموسوعي مغربي، يعد من أعلام المغرب الحديث. عضو من أعضاء آكاديمية المملكة المغربية. عضو المجامع اللغوية العربية والعالمية المتعددة.
له كثير من المؤلفات المتنوعة باللغتين العربية والفرنسية. طَبع نشاط حياته على الخصوص “التعريب” وقضايا اللغة العربية إذ كان مديراً مسؤولا عن مكتب تنسيق التعريب بالرباط من سنة 1961م إلى حدود 1983م.
شغل منصب أستاذ الحضارة والفن والفلسفة والعلوم الإسلامية بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، وأستاذا بجامعة القرويين ودار الحديث الحسنية.
حاصل على جائزة الاستحقاق الكبرى بالمغرب مع الوسام الذهبي للأكاديمية المحدثة المغربية. وعضو منتخب في المعهد البيوغرافي الأمريكي عام 2001. وانتخب من طرف المعهد الدولي البيوغرافي كأول رجل بيوغرافي عالمي لسنوات 1997، 98، 99، 2000، 2001،
وله أزيد من مائة مصنف منها أربعون مطبوعة بالإضافة إلى 37 معجما بثلاث لغات حول العلوم والثقافة والتقنيات والحضارة مع عدة معلمات حول القبائل والمدن بالمغرب؛ وعشرة مصنفات حول الفكر الإسلامي باللغة الفرنسية.