مناهجنا الدراسية .. بداية الخروج عن سكة النجاح
المدرسة هي المصنع لا أقول الذي تصنع فيه الأجهزة والأدوات وإنما الأفكار والعقول فبفضلها نبني الإنسان والأسرة والمجتمع وبالتالي الدول، ومن خلالها أيضا نهذب الروح والنفس كما نهذب السلوك والتصرف.
لكن ما يثير في النفس التساؤل: لماذا وصلنا لما نحن عليه اليوم في مدارسنا؟ ولماذا نتذيل ترتيب الدول رغم أن ما ندرسه وما يدرسونه هو نفسه؟ كيف لا وبرامجنا من عندهم. ما تشهده المدرسة اليوم بما فيها مناهجها وطرئق تدريسنا توقف عند عقبة كؤود، أمر انعكست نتائجه على باقي المجالات،
فلا نحن بنينا عقولا ونحن هذبنا نفوسا حيث أتذكر هنا كلام مالك الإمام يقول لفتىً من قريش: “يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم”، فقد كان يقول: “كانت أمي تعممني وتقول: اذهب إلى ربيعة (وهو ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك) فتعلم من أدبه قبل علمه.
هكذا كانت مدارسنا سابقا حيث أشرف عليها من يولي أهمية بالغة لما نحتاجه في مجتمعاتنا، بعكس اليوم الذي صار فيه أكبر همنا جلب الجديد منه بغثّه وسمينه.
إن المنطق في إصلاح أي أمر ينطلق أولاً من النقطة التي أنت فيها ومعرفة الهدف الذي تصبو إليه مع تعديل بعض الأشياء لتبقي على المفيد وتنبذ غير ذلك. لكن ما نشهده في دولنا العكس فلو طبقنا هذا المبدأ على إصلاح المدرسة والمناهج لكان الأمر رأسا على عقب.
فلو انطلقنا من زمن ازدهار الحضارة الإسلامية لوقفنا على منارات من العلماء هي صنيعة مناهج وطرق تعليمية وليدة من واقعهم لا زال شعاعها يضيء واقعنا المعاصر.
أما في بلدي الجزائر مثلا وعشية الاستقلال رسمت الدولة أهدافا وكان من بينها المناهج لتباشر بالتلقين والحفظ وتحاول أن تعدّل في البرنامج ما اقتضت الضرورة.
لكن وفي صورة غير متوقعة يطل علينا الإصلاح، فننتقل من التلقين إلى المقاربات بداية المضامين وبالأهداف ووصولاً للكفاءات أو الكفايات فصاحب ذلك التحسن أفول في المستوى، وصار اتجاه التقدم في مستوى التعليم عندنا يتجه إلى الخلف.
إن أردنا تجويد التعليم عندنا أولا النظر في الطرق والمناهج المستعملة عندنا ونخلها نخلا جيد إن أردنا بناء مجتمع مثقف وإن أردنا كذلك مناطحة الشرق والغرب |
قد ترجع الأسباب الحقيقية هو لا شك أن هذه المناهج لا تناسبنا فهي علاجات غريبة عن أوطاننا فتارة يؤتى بها من المشرق وتارة أخرى من المغرب فهي غريبة غربة الفقير موائد اللئام. إن البحث عن حلول لمشاكلنا يفرض علينا التطرق إلى أبعاد تحصر المشكلة.
فيستوجب على واضعي المناهج مراعاة أمور عدة وعلى رأسها التركيز على الجانب التطبيقي بدلا من الجانب النظري، فأبسط قوانين علم النفس يقول: أسمع وأنسى، أرى وأتذكر.
أذكر أني مرة وأنا أحرس امتحان في مادة التربية الإسلامية وجدت من يغش في حديث من غشنا فليس منا. ومرة أخرى رأيت من يرمي ورقة المحاولات أمام باب القسم والمصيبة أنها مكتوب فيها النظافة من الإيمان. إنها والله لصفعة لكل جهودنا وهي أيضا شهادة رسوب بامتياز لأعمالنا.
من بين الأبعاد المهمة التي يجب التطرق إليها التركيز على ما نحتاجه في شتى المجالات المختلقة. على المهتمين بوضع المناهج أن يراعوا القدرة والظروف التي تميز المتعلم عندنا وفي أوطاننا فطريقة المقاربة بالكفاءات مثلا أتت ثورة على المقاربة بالمضامين والمقاربة بالأهداف حيث تفرض على المتعلم أن يمتلك مصادر معلومات تحيط به، في البيت والمدرسة وربما حتى في طريقه إليها،
ففي البيت يجيب أن يمتلك مكتبة ضخمة وموسوعية تمس كل ميادين الحياة وكذلك وأب وأم على درجة عالية من الثقافة والعلم وهذا شبه معدوم إن لم نقل غائب تماما.
تتطلب أيضا هذه المقاربة معلما كفء يعي ويدرك جيدا فحوى الطريقة وكيفية استعمالها فهو أيضا غائب، ليس ضعفاً في الأستاذ وإنما عزوفا عن الطريقة كون أنها تطبق بنوع من العشوائية أمر أدى بالأخير إلى العزوف عنها.
وأخيرا هي دعوة مني ومع اعتقادي أنها قد لا تسمع يجب علينا إن أردنا تجويد التعليم عندنا أولا النظر في الطرق والمناهج المستعملة عندنا ونخلها نخلا جيد إن أردنا بناء مجتمع مثقف وإن أردنا كذلك مناطحة الشرق والغرب.