التداوليات

الاستلزام الحواري “Conversational implicature” في التداوليات

يرجع البحث في هذا المجال إلى الفيلسوف “جرايس” حيث استنتج أن الناس في حوارتهم:

قد يقولون ما يقصدون،

قد يقصدون أكثر مما يقولون،

قد يقصدون عكس ما يقولون.

فحاول إيضاح الاختلاف بين ما يقال وما يقصد، فما يقال هو ما تعنيه الكلمات والعبارات بقيمها اللفظية الظاهرة، وما يقصد هو ما يريد المتكلم أن يبلغه إلى السامع على نحو غير مباشر، اعتمادا على أن السامع قادر على أن يصل إلى مراد المتكلم بما يتاح له من أعراف الاستعمال ووسائل الاستدلال فحاول إقامة معبرا بين المعنى الصريح explicit meaning والمعنى المتضمن inexplicit meaning ومن هنا نشأت فكرة الاستلزام implicature.


ورأى جرايس أن من أهم مبادئ لحل مشكلة سوء التفاهم الذي تنشأ بين الناس مبدأ التعاون ومبدأ التأدب في الكلام.


  • مبدأ التعاون Principle of co-operation

يعد من أهم المبادئ التي تهتم به التداولية لأنه مهم في إنجاح المحادثة، أي أن المتحادثين يتعاونون لاستمرار الحديث من خلال المساهمة والمشاركة في الحدث الكلامي المتواصل.


وهو أن تجعل اسهامك في التخاطب بحسب الحاجة؛ أي يقع في الحال التي ينبغي أن يقع فيها، وفقا للغرض المقبول، ووفقا لاتجاه المبادلة الكلامية. ومبدأ (التعاون) يتجسد في أربعة مبادئ فرعية هم:


مبدأ الكم Principle of quantity: هو أن تجعل إسهامك في الحوار بالقدر المطلوب دون أن تزيد عليه أو تنقص منه.


مبدأ الكيف Principle of quality: هو ألا تقل ما تعتقد أنه غير صحيح، ولا تقل ما ليس عندك دليل عنه.
مبدأ المناسبة/ العلاقة Principle of relevance/ relation: هو أن تجعل كلامك ذا علاقة مناسبة بالموضوع؛ ولهذا المبدأ مظهران وهما أن اسهامك يرتبط بمحور بعينه ويكون لهدف بعينه.


مبدأ الطريقةPrinciple of manner: هو أن تكن واضحا ومحددا؛ فتجنب الغموض واللبس، وأوجز، ورتب كلامك.


ولكن الملاحظ أن الناس كثير ما يخالفون هذا المبدأ، فرأى كثير من الباحثين أن مبدأ التعاون تعبير عن فردوس الفلاسفة وإنه لا يمت إلى الواقع بصلة، وهذا الانتهاك للمبادئ هو الذي أدى إلى الاستلزام الحواري.


  • مبدأ التأدب في الكلام

وهذا المبدأ لا يقل أهمية عن مبدأ التعاون، يفرض على المتحدثين أن يحترم بعضهم بعضا في الكلام كأن يحاول شخص الأعتذار أو تهوين تبليغ خبر أو مؤلم أو مزعج.


ويختلف مبدأ التأدب في الكلام من بلد لبلد ومن حضارة لحضارة أخرى؛ فنجد مثلا اختلاف طرق “الاعتذار” بين البلاد العربية وكوريا؛ فيبدأ الكوريون بالاعتذار مباشرة ثم قول الأسباب ولكن الاعتذار عند العرب غير مباشر، فيبدأ العرب بقول الأسباب ثم الاعتذار، وأحيانا قد يؤدي هذا الاختلاف بين الثقافات والحضارات إلى سوء التفاهم بين الشعوب.


  • الأفعال الكلامية Speech acts

“الفعل الكلامي” هو كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دلالي إنجازي تأثيري، ويعد نشاطا ماديا نحويا يتوسل أفعال قولية locutionary act لتحقيق أغراض إنجازية كالطلب والأمر والوعد والوعيد، وغايات تأثيرية illocutionary act تخص ردود فعل المتلقي كالرفض والقبول، ومن ثم فهو فعل تأثيريا أي يكون ذا تأثير في المخاطب اجتماعيا أو مؤسساتيا، ومن ثم إنجاز شيئا ما.


بحث خاص حول أفعال الكلام في التداوليات 


وقد توصل أوستن إلى تقسيم “الفعل الكلامي الكامل” إلى ثلاثة أفعال فرعية:

فعل القول/ الفعل اللغوي/ الفعل اللفظي Locutionary act: هو يتألف من أصوات لغوية تنتظم في تركيب نحوي صحيح ينتج عنه معنى محدد، وهو المعنى الأصلي.


الفعل الإنجازي/ الفعل المتضمن في القول Illocutionary act: هو ما يؤديه الفعل اللفظي من معنى إضافي يكمن خلف المعنى الأصلي (أي ينجز الأشياء والأفعال الاجتماعية بالكلمات).


الفعل التأثيري/ الفعل الناتج عن القول Perlocutionary act: هو الأثر الذي يحدثه الفعل الإنجازي في السامع.


ورأى أوستن ان الفعل اللفظي لا ينعقد الكلام إلا به، والفعل التأثيري لا يلازم الأفعال جميعا فمنها ما لا تأثير له في السامع، فوجه اهتمامه إلى الفعل الإنجازي ونشا النظرية الإنجازية.


وقدم أوستن تصنيفا للأفعال الكلامية على أساس قوتها الإنجازية illocutionary force إلى خمسة أصناف:

أفعال الأحكام: وهي تتمثل في حكم يصدره قاض أو حكم.

أفعال القرارات: تتمثل في إتخاذ قرار بعينه كالحرمان أو الطرد.

أفعال التعهد: تتمثل في تعهد المتكلم بفعل شئ مثل الوعد أو القسم أو الضمان.

أفعال السلوك: وهي رد فعل لحدث ما كالاعتذار أو الشكر أو المواساة.

أفعال الإيضاح: وتستخدم لإيضاح وجهة النظر أو بيان الرأي مثل الاعتراف أو الموافقة أو التشكيك.


ونجد أن ما قدمه أوستن لم يكن كافيا لوضع نظرية متكاملة للافعال الكلامية، فجاء سيرل وطور هذه النظرية على أساس “الأفعال الإنجازية” و”القوة الإنجازية” كما يلي:


نص على أن الفعل الإنجازي هو الوحدة الصغرى للاتصال اللغوي، وأن للقوة الإنجازية دليل يسمى “دليل القوة الانجازية”، يبين لنا نوع الفعل الإنجازي الذي يؤديه المتكلم بنطقه للجملة.

الفعل الكلامي لا يقتصر على مراد المتكلم فقط، ولكنه مرتبط بالعرف اللغوي والاجتماعي.


  • جعل سيرل شروط الملائمة أربعة وهم:

الشرط المحتوى القضوي: يتحقق في فعل الوعد.

الشرط التمهيدي: يتحقق إذا كان المتكلم قادر على إنجاز الفعل.

الشرط الإخلاص: يتحقق حين يكون المتكلم مخص في أداء الفعل، فلا يقول غير ما يعتقد، ولا يزعم إنه قادر على فعل ما لا يستطيع.

الشرط الأساسي: يتحقق حين يحاول المتكلم التأثير في السامع لينجز الفعل.

ثم قدم سيرل تصنيفا بديلا لما قدمه أوسطن للأفعال الكلامية يقوم على أساس ثلاثة أسس منهجية هي:

الغرض الإنجازي Illocutionary point.

اتجاه المطابقة direction of fit.

شرط الإخلاص sincerity condition.

  • ثم جعلها خمسة أصناف:

الاخباريات informative

التوجيهات directive

الالتزاميات assertive

التعبيرات expressive

الإعلانيات declarative


وأخيرا استطاع سيرل أن يميز بين الأفعال الإنجازية المباشرة وهي التي تطابق قوتها الإنجازية مراد المتكلم، والأفعال الإنجازية الغير المباشرة وهي التي تخالف فيها مراد المتكلم.


وبهذا طور سيرل نظرية أوستن للأفعال الكلامية على أساس الأفعال الإنجازية، وبهذا لا تكون اللغة مجرد أداة للتواصل كما تتصورها المدارس الوظيفية أو رموز للتعبير عن الفكر، وإنما هي أداة لتغيير العالم وصنع احداثه والتغيير فيه.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى