إصداراترقمنة ومعلوميات

صناعات المستقبل.. كتاب يركز على الأساليب المتقدمة لصياغة المستقبل


  • صناعات المستقبل

وسط هذه الأجواء يصدر الكتاب المهم الذي نعايشه فيما يلي من سطور، ولم يكن مصادفة أن يحمل كتابنا العنوان التالي، «صناعات المستقبل».

ونبادر كي ننبه إلى أن الكتاب لا يتناول أي نمط أو أي نوعية من أنواع التصنيع، ولكنه يركز عبر فصوله الستة على ما يمكن أن نطلق عليه التسمية التالية، الأساليب المتقدمة المختلفة في صنع أو (صياغة) المستقبل.

ولان مواضيع وقضايا هذا الكتاب تكاد تنبض عبر الصفحات بقدر لا يخفى من حيوية العرض واندفاعه التطلع دوماً إلى الآتي، فقد كان طبيعياً، إن لم يكن بديهياً، أن ينتمي مؤلف الكتاب إلى جيل أقرب إلى الشباب، حيث ولد في عام 1971، السنة التالية لصدور كتاب «صدمة المستقبل» الذي بدأنا به استهلال هذه السطور.


مؤلف كتابنا هو الباحث – المفكر الأمريكي أليك روس، الذي عمل على مدار أربع سنوات (2009- 2014) مستشاراً لدى وزيرة خارجية الولايات المتحدة في تلك الفترة –هيلاري كلينتون، فيما يسترعي الانتباه، وهذا درس مستفاد فيما نرى بالنسبة لأوساطنا العربية، أن كان مؤلفنا مستشاراً لوزيرة خارجية أميركا لشؤون التجديد والابتكار في مجالات الإبداع التكنولوجي.

من افتتاحية هذا الكتاب الصادر في صيف عام 2016 الحالي، يطرح المؤلف رؤيته بشأن ما يراه، أو بالأدق ما يستشرف حدوثه، من تغييرات في حياة الإنسانية على مدار السنوات العشر المقبلة. وهو يعرض هذه الرؤية المستقبلية من خلال عدة محاور يراها أساسية في حدوث وإنجاز هذه التغييرات.


من هذه المحاور ما يتعلق مثلًا بتطوير كائنات الذكاء الاصطناعي – الروبوت (الإنسان الآلي كما يسمونه في بعض الأدبيات العربية). ومنها أيضاً ما يتصل بما يصفه مؤلفنا بأنه الأمن السيبراني بمعنى سبل وضمانات الأمن والسلامة المستندة إلى مشتقات وعناصر وابتكارات الحواسيب الإلكترونية، ومنها كذلك ما يتصل بأنشطة الاقتصاد وحركة أسواق البيع والشراء، الاستيراد والتصدير، وهو ما يصفه مؤلفنا قائلاً، هو الأثر المتوقع في المستقبل القريب الناجم عن استخدام وتفعيل التكنولوجيا الرقمية على حركة الأموال ونشاط الأسواق.

  • من تحديات الإنسان والآلة

إن قارئ الكتاب لا تفوته من المطالعة الأولى لجدول المحتويات ملاحظة اهتمام المؤلف بالربط بين الإنسان- الكائن البشري وبين الإنسان الآلي – الروبوت. هنا يتطرق المؤلف إلى ما يطلق عليه العبارة التالية التي اتخذها عنواناً للفصل الثاني من الكتاب: «مستقبل الآلة البشرية».

وفي إطار هذه النظرة التكاملية يستهل المؤلف مقولات الكتاب بفصل يحمل العنوان التالي: «هنا يأتي الروبوت». ثم يمضي أليك روس ليشير إلى أن التحولات التي طرأت على الحياة في كوكب الأرض خلال الثورة الصناعية (من القرن 18 إلى القرن الحالي) قامت بداهة على عاتق الكائن البشري.

ولكن مع مجيء كائن الروبوت الاصطناعي فقد بات البشر مهددين حالياً ومستقبلاً بأن يحرمهم الروبوت المذكور أعلاه من وظائفهم، سواء كانت في مضمار الصناعة أو الإدارة أو كانت حتى في مجال الرعاية والعناية المطلوبة لصالح الأطفال والمرضى والمسنين والمحتاجين على السواء.


ثم يمضي المؤلف أيضاً إلى حيث يدلل، في بلاغة حاسمة لا تُنكر، على أنماط ونوعية التحولات الخطيرة التي استجدت على حياة البشر. وخاصة من حيث المواد الأساسية التي يتعامل معها مجتمع البشر محوراً لحياتهم وقاعدة لما يبذلونه من نشاطات، من عصر الزراعة إلى عصر المعلومات.

من هنا يحمل الفصل الخامس من هذا الكتاب العنوان التالي، البيانات، المادة الأولية (الخام) المستجدة في عصر المعلومات.

وفي معرض التفسير يدور الفصل المذكور على مقولة تفيد بما يلي:

• في عصر الزراعة الذي بدأت به البشرية حياتها وكسبها ومعايشها على سطح كوكب الأرض كانت المادة الأولية الخام والأساسية اسمها الأرض.

• وحين تحولت البشرية – كما ألمحنا في سطور سبقت- إلى عصر الصناعة الذي تجسدت ملامحه الأساسية في دخول الآلة – الماكينة حياة البشر أصبح الحديد هو المادة الأولية الخام والأساسية مع اختلاف القوالب والأشكال والاستخدامات.

ومن عصر الزراعة إلى عصر الصناعة، تحولت البشرية إلى عصر جديد تماماً، هو عصر المعلومات الذي أدخل إلى حياة كوكبنا مادة أولية غير مسبوقة، وهذه المادة الخام تحمل اسم البيانات (Data).


وهنا يتحدث المؤلف عن المواقف الطريفة التي بدأ بها حياته في أرياف غربي ولاية فرجينيا القريبة من العاصمة واشنطن، في ثمانينات القرن الماضي كان قصارى جيله من الأطفال والناشئين أن يتواصلوا على متن الدراجات الهوائية، التي تكفل لهم سبل التزاور والحركة خلال المسالك والدروب.

كان آباؤهم وأمهاتهم يكتفون بإطلاقهم في نواحي المكان، فيما يدركون أن الطفل سيمضي في اللعب واللهو مع أقرانه، ولن يعود إلى البيت إلا بعد أن يشعر بالجوع.

لكن مثل هؤلاء الأطفال في زماننا الحالي لا ينقطع سبيل تواصلهم في كل لحظة مع الآباء والأمهات، صار الطفل يحمل هاتفاً محمولاً وصارت الأسرة في حال من التواصل المستمر من خلال المكالمات المتبادلة أو الرسائل النصّية بل وإشارات جهاز تحديد المواقع (جي.بي. إس).


هكذا يستهل الناشئة خطواتهم على عتبات الحياة، فيما يتركون بصماتهم على وسائل الاتصال الاجتماعي بالصوت والكلمة والصورة على السواء. وهو ما يدفع مؤلف هذا الكتاب إلى أن يصف هذه التطورات الباكرة في حياة الجيل البازغ قائلًا، بهذا يصبحون منارات ورواداً لعملية إنتاج البيانات واستهلاكها، ولو حدث أن خرج واحد من أبنائي الثلاثة عن إطار شبكة الاتصالات الإلكترونية إياها لأصبحنا أنا وزوجتي في حال من القلق والجزع الشديد، خوفاً من أن يكون الأمر قد انطوى على مكروه وقع هنا أو هناك.

  • تسجيل البيانات عبر التاريخ

بعدها يمضي المؤلف إلى تفسير مثل هذه الأوضاع أو المواقف موضحاً أن الآباء والأمهات في زماننا باتوا مقتنعين بأن كل فرد أصبح من الممكن الوصول إليه، بمعنى تحديد موقعه ثم محادثته بالكلمة أو الصوت أو الرمز (الكود) أو الصورة، وعلينا أن نسلّم بأن الطفل في عصرنا الحالي ما أن يتسلم أول هاتف خليوي، أو ما أن يشرع في ممارسة أول لعبة فيديو نضعها في متناوله، فمعنى هذا أنه يشرع في بناء حزمة متشابكة من البيانات الشخصية التي من شأنها أن تزيد وتتراكم وتنمو وتنضج على مدار سنوات حياته.

بيد أن هذا التراكم للبيانات والمعلومات ليس وليد اليوم، ولا هو بالأمر المستجد في عصرنا الحالي. صحيح أن هذا العصر مازال يشهد حالة انفجار في البيانات والمعلومات، ولكن حياة الناس، عبر ما مضى من آلاف السنين ظلت تشهد عمليات حفظ السجلات ابتداء من ألواح الفخار إلى لفائف البردي إلى الرقائق المصنوعة من جلود الحيوان.

لهذا جاء التوصل إلى أول الصفحات الورقية المصنوعة من الخشب أو لبّ الأشجار ليشكل تقدماً مشهوداً في حياة البشر، ولكن جاء التوصل إلى المطبعة ليشكل الملمح المحوري، بل الثوري بكل معنى، في تسجيل معالم ومعلومات الحياة البشرية.


تــابـع قراءة المقــال . . . .

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

بالعربيّـة

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى