سماء مُرصّعة بالنجوم – للرسام الهولندي “فنسنت فان غوخ” 1889
يرتبط اسم “فان غوخ” لدى الكثير من المتابعين بقصّة قطعه لأذنه ؛ ذلك الفعل الذي أقدم عليه أثناء نوبة من نوبات الاكتئاب التي لازمته حتى نهاية حياته .
في عام 1874، كتب إلى شقيقه يقول: “أحبّ المشي كثيرا وأعشق الطبيعة ، وهذا هو الطريق الحقيقيّ لكي نتعلّم كيف نفهم الفنّ بشكل أفضل. الرسّامون يفهمون الطبيعة ويحبّونها وهي تعلّمهم كيف يرون العالم”.
كان الرسّامون وقتها غير راضين عن (التغييرات التي أحدثتها المدنية الحديثة) ، لذا بحث الكثير منهم عن أماكن تشبه الجنّة الأرضية، حيث يمكن لهم أن يراقبوا الطبيعة مباشرة ويضمّنوا أعمالهم بعض معانيها السيكولوجية والروحية .
وقد كتب آنذاك إلى شقيقه رسالة قال فيها: “هذا اليوم، راقبت الصباح من نافذتي قبل أن تشرق الشمس بوقت طويل. لم يكن هناك شيء باستثناء نجمة الصباح التي بدت كبيرة ومتوهّجة”.
كان “فان غوخ” يصف المنظر الذي ألهمه رسم تحفته الأشهر، أي (سماء مرصّعة بالنجوم عام 1889) . والنافذة التي كان يشير إليها كانت في ضاحية -سان ريمي-(فرنسا) ، حيث كان يقضي فترة نقاهته من مرضه ويرسم .
هذه الصورة الزيتية المتوسّطة الحجم تهيمن عليها سماء ليلية ينيرها ضوء القمر والنجوم التي تحتلّ ثلاثة أرباع مساحة الصورة. والسماء تبدو مضطربة ومهتزّة بعنف، مع أنماط ملتفّة كالدوّامات التي تبدو كالأمواج.
سماء “فان غوخ” مأهولة بالأجرام السماوية الساطعة، ومن بينها هلال في أقصى اليمين، وإلى يسار الوسط تبدو نجمة الصباح تحيط بها دوائر وحيدة المركز تصطبغ بالأبيض المشعّ وبالأضواء الصفراء.
وأسفل هذه الألوان التعبيرية تنام قرية هادئة تتألّف من بيوت متواضعة تقوم في وسطها كنيسة يرتفع برجها فوق الجبال الداكنة الزُّرقة في الخلفية.
وفي مقدّمة هذا المشهد الليليّ المهيب أيضا، تقوم شجرة سرو عملاقة يشبه شكلها ألسِنة اللهب وترتفع إلى أقصى الطرف العلويّ للصورة. ويبدو أن وظيفة الشجرة هي الربط البصريّ ما بين الأرض والسماء.
ومن الناحية الرمزية، يمكن النظر إلى السرو كجسر بين الحياة كما تمثّلها الأرض والموت كما ترمز إليه السماء. كما أن أشجار السرو ترتبط عادةً بالمقابر والحِداد.