أخبار ومتابعاتفن تشكيلي

رحيل التشكيلية لطيفة يوسف.. تعبير بجماليات عالية

رحلة لطيفة يوسف (زقوت) مع الفن التشكيلي بدأت من العدم واللاشيء تقريبًا، فابنة أسدود التي هاجرت عائلتها عام 1948 إلى مخيم خان يونس عاشت ككل اللاجئين ظروفًا بالغة القسوة واجهت خلالها طريقًا مسدودًا نحو كل شيء وأي شيء. في تلك السنوات الصعبة كانت عائلة لطيفة تسكن بيتًا من بيوت مخيم خانيونس هو الأقرب إلى بيتنا، ومن تلك المساحة المغلقة بالفقر والعوز بحثت الراحلة عن أدوات ووسائل للتعبير عن موهبتها التي كانت تنمو يومًا بعد يوم.


المحطة الأهم في حياة لطيفة كانت بعد حصولها على الثانوية العامة التي أهلتها للدراسة في “معهد المعلمات” في رام الله عام 1965 حيث سافرت إلى القاهرة ومن مطارها إلى مطار القدس لتبدأ من ذلك المعهد رحلة التعرف على الفن التشكيلي ولو بأفقه البسيط والتربوي، وقد كاد تخرجها من المعهد بعد عامين دراسيين يوصلها إلى الوحدة والمصير المجهول إذ وجدت هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو 1967 تضعها وحيدة ولا تعرف مصيرها.

في تلك السنة بالذات حصلت الفنانة الراحلة على وظيفة في قطر فعاشت هناك سنوات طويلة وهامة من حياتها تزوجت خلالها من ابن خالتها وابن مخيمها، ومارست نشاطات فنية من خلال المشاركة في العديد من المعارض التشكيلية الفردية والجماعية.

لطيفة التي بدأت حلمها الفني عاشت بداياتها الأولى في المخيم ذاته الذي عاش فيه الراحل الكبير إسماعيل شموط، وكان علامة بارزة شكلت حضورًا حيويًا لفت انتباه أبناء الأجيال الجديدة ومنهم لطيفة، ولا أزال أتذكر أن الراحل شموط حدثني عن لطيفة وموهبتها خلال رحلتنا معًا من مطار بيروت إلى تونس عام 1974 للمشاركة في “مهرجان قرطاج السينمائي”، خصوصًا وأن الفنانة الراحلة امتلكت موهبة متميزة وامتلكت معها روحًا متوثبة للتعبير وبساطة عميقة في تجسيد أفكارها ورؤاها في صيغ فنية ناضجة.

من أعمال الفنانة الراحلة 

بعد عودتها من العاصمة القطرية عملت الفنانة الراحلة في دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يترأسها الراحل عبد الله حوراني، وهو أيضًا ابن مخيم خان يونس، فاهتم برعايتها وتقديم الدعم لها من خلال إشراكها في النشاطات الفنية المختلفة التي كانت تقوم بها الدائرة أو تلك التي كانت تشارك فيها في عدد من البلدان والعواصم العربية.

في حياة لطيفة محطة هامة هي القاهرة. فسنوات حياتها الأخيرة، والتي تقارب عقدين، كانت في القاهرة حيث واصلت من هناك نشاطًا فنيًا أراه هو الأبرز والأغنى في تجربتها كلها حيث نجحت في تلك العاصمة الكبرى في إنضاج تجربتها الفنية من خلال التفاعل مع التجربة التشكيلية المصرية الغنية وذات النشاطات الكثيفة بالمعارض والمناسبات الفنية فقدمت عددًا كبيرًا من أعمالها وحققت حضورًا لافتًا توج بتكريمها قبل أقل من شهر بمنحها جائزة تقديرية من دولة فلسطين.

لطيفة يوسف التي رحلت عن عالمنا هي صورة كفاح صبور في المستويين الشخصي والوطني، فعلى مدار أربعة عقود وأكثر جسدت تجربتها تميزًا في رؤية الموضوعات الفنية والفكرية الكبرى في تلاقيها الواعي والناضج مع إحساسها الفردي ونظرتها الأنثوية التي حملت الحلم الفردي المُتحد مع الحلم الجماعي خصوصًا في نجاحها اللافت في التعبير بجماليات عالية والحفاظ في الوقت ذاته على تقديم فن تشكيلي يصل للآخرين ويلامس مشاعرهم وأفكارهم، وأعتقد أن تجربتها الفنية الغنية ستظل مجالًا غنيًا للدراسة والبحث.

بغياب الفنانة التشكيلية لطيفة يوسف تخسر الحركة الفنية الفلسطينية والعربية اسمًا شكل حضورًا بارزًا سنظل نفتقده ونعود إليه.


ضفة ثالثة

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى