اقتباساتبلاغة وحِجاج
أخر الأخبار

المسالة الزنبورية: مناظرة سيبويه والكسائي في النحو العربي

صراع البصريين والكوفيين في النحو العربي

يُعَدّ اللقاء الشهير بين سيبويه إمام مدرسة البصرة في النحو، والكسائي شيخ الكوفيين وأستاذ هارون الرشيد، من أبرز المحطات التي تكشف عمق الخلاف بين المدرستين البصرية والكوفيّة في القرن الثاني الهجري.

فقد دعا الوزير جعفر بن يحيى البرمكي علماء المدرستين إلى مناظرة علمية، حضرها خلف الأحمر والفراء، قبل أن يلتحق بهم الكسائي.

ابتدأت المناظرة بسلسلة أسئلة طرحها الأحمر والفراء على سيبويه، الذي أجاب عنها بثقة، غير أنّهما ألحّا على خطئه مراراً، مما دفعه إلى الاعتراض على ما اعتبره سوء أدب في الحوار. وحين تدخل الكسائي، طرح مسألة دقيقة قائلاً:

“كنتُ أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي أم فإذا هو إياها؟” فأجاب سيبويه بأن الصواب الرفع: “فإذا هو هي”، على مذهب البصريين. لكن الكسائي أقرّ بجواز الوجهين، الرفع والنصب، استناداً إلى بعض لهجات العرب.

احتكم جعفر البرمكي إلى الأعراب الذين كانوا ببابه، فوافقوا الكسائي، فالتزم سيبويه الصمت. فكانت الغلبة في مجلس المناظرة لأهل الكوفة، رغم أن مذهب البصريين ظلّ الأرسخ والأدقّ من حيث مطابقة القرآن الكريم، لقوله تعالى: ﴿فإذا هي حية تسعى﴾.

هذه الحادثة لا تكشف مجرد خلاف لغوي، بل تعكس اختلاف المنهجين:

  • البصريون: اعتمدوا على القياس والاستنباط مع الاحتكام إلى القرآن الكريم.
  • الكوفيون: توسّعوا في الاستشهاد باللهجات العربية، وأجازوا ما ورد عنها ولو نادرا.

وهكذا بقيت مناظرة سيبويه والكسائي شاهدا تاريخيا على حيوية الدرس النحوي، وتفاعل العلم مع السياسة والثقافة في العصر العباسي.

المصادر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى