الـمرأة والمثل
قبل الحديث عن الأمثال المتعلقة بالمرأة ومن أجل تقييم وبلورة خصوصياته لا بد من تقديم عام للمثال مع وظائفه والدور الذي يلعبه في المجتمع.
إن المثل، على غرار الأقصوصة والملحمة والعروبي، صنف من بين الأصناف التي تكون ما يسمى بالأدب الشعبي أو الشفهي أو التراث اللغوي.
عندما تكون للمثل علاقة بقصة أو حكاية يعبر عن ذلك بكلمة “حكمة” حيث تشير هذه اللفظة إلى جملة قصيرة من شأنها أن ترشد الشخص الذي تقصده وتوجه سلوكه ومعاملته إلى الصواب. فتعتبر هذه الجملة بمثابة نصيحة أو قاعدة سلوكية تتجلى فيها خبرة القدماء وتتسم بالحيطة والحذر.
من خلال دراسة الأمثال يسعى بعض الباحثين إلى بلورة الحكمة العامة والعقلية المشتركة بين الشعوب. مما يجعله يلاحظ فعلا أن جل الحكم والأمثال تكون رصيدا عاما وملكة مشتركة، وأن معظم الأمم تعبر عن نفس الشعور بواسطة أمثالها؛ وفي هذا المضمار نلاحظ أحيانا علاقة وطيدة بين أمثال من دول مختلفة وبلغات متباينة وذلك من حيث المضمون أو المدلول أو حتى من حيث الشكل:
+ اللي عضه الحنش يخاف من الحبل
+ Tamazight : yan ibbi ulgmad art issiwid izikr
+ Français : Chat échaudé craint l’eau froide
+ Anglais : He who is bitten by a snake fears even a rope
+ Espagnol : Gato escaldado del agua fria huye
حسب هذه النظرية لا تنحصر الأمثال في حقل ثقافي واحد بل تتجاوز حدوده وتشاع عبر أوساط ثقافية مختلفة.
وهناك نظرية أخرى أساسها العلاقة الموجودة بين الأمثال والمجتمع الذي يستعملها. وحسب هذه النظرية تعتبر الأمثال كمرآة تتجلى فيها الحياة اليومية والتجربة الشعبية. ومن خلال الأمثال يستطيع الباحث أن يتعرف على العقلية السائدة في المجتمع وعلى مزاج أهله وأفكارهم واعتقاداتهم وتقاليدهم.
والحقيقة أننا لا نجد تناقضا بين النظريتين الإثنتين. فعندما نتمعن في دراسة الأمثال الشعبية المغربية نكتشف صنفين من الأقوال:
ـ الصنف الأول، كما أشرنا إليه، يحتوي على كل ما يتعلق بالبشرية بصفة عامة؛ ويمكن تطبيق هذا الصنف من الأقوال على أي مجتمع في أي قطر:
+ النواض بكري بالذهب مشري.
ـ أما الصنف الثاني من الأقوال فيدل على خاصيات ينفرد بها الشعب المغربي ولا يمكن إدراك تلك الأقوال إلا في محيطها الاجتماعي:
+ وخا يرجع بوركراك حليب، والرملة زبيب، ما يرجع الرباطي للسلاوي حبيب.
+ اللي حب الصح يمشي للقرويين.
قبل أن نسلط الأضواء على نوعية الأمثال المتعلقة بالمرأة وارتباطها بحقائق دولية أو بخصوصيات المجتمع المغربي سأقدم بعجالة الجانب الشكلي واللغوي للأمثال:
من الناحية اللغوية تتميز الأمثال بصيغ وبنيات وأساليب خاصة.
ـ تأتي بعض الأمثال على شكل سؤال:
+ آ المبيض من برا آش خبارك من داخل؟
ـ أو على شكل سؤال وجواب:
+ آش خصك آ العريان؟ الخاتم آ مولاي.
ـ أو على شكل تعجب:
+ آ الشاري تفكر يوم تبيع!
ـ من الأمثال ما يشبه الأحاجي:
+ الثلث الخالي في الدنيا هو راس بنادم
ـ تستعمل بعض الأمثال على شكل حوار:
+ قال له: آش صنعة باك؟
قال له: نفار.
قال له: حمد الله على رمضان تقاضى.
وضمن هذه التراكب تلجأ لغة الأمثال إلى أساليب تستعمل عادة في الشعر كالمجاز والشعر والقافية:
+ النهار بعويناته والليل بوديناته.
+ إلا فاتك الطعام، قل شبعت
إلا فاتك الكلام، قل سمعت.
ومن بين الوسائل التي تثير الانتباه وتعطي للمثل صبغة شيقة نجد تكرار الألفاظ:
+ نهيه، نهيه، إلا عما سر وخليه.
ـ استعمال المتناقضات والأضداد:
+ إلا طردك البخيل، عند الكريم تبات.
كل هذه الوسائل، بالإضافة إلى تركيب وجيز ودقيق تعطي للأمثال جمالية ورونقا وفي نفس الوقت تسهل تلقينها كما ترسخ بنياتها وتحميها من التحريف طيلة تسلسلها عبر الأجيال.
ما هي انعكاسات هذه الأساليب؟
نظرا للخصائص اللغوية التي أشرنا إليها تعتبر الأمثال بمثابة نوع أدبي من ضمن أصناف الأدب الشعبي. لا فرق في بعض الحالات بين أمثال منظومة وأبيات شعرية. واعتبارا لصقل قالبها وجمالية شكلها، تحفظ الأمثال بسهولة وترسخ في الأذهان، ومن ثم نلاحظ أن استعمال الأمثال يسترعي الانتباه ويجعلنا نصغي إلى من يتكلم بواسطتها لنستوعب كلامه، فلهذا الكلام دور معين في علم الأخلاق وتأديب الأشخاص وتهذيب المجتمع. تبلور تلك العبارات حقائق جذرية مستنتجة من التجربة البشرية أمام مواقف معينة، كما تعبر بصفة عامة عن سلوك إنساني مثل التفاؤل والبخل والخداع والظلم. يذم النفاق والافتخار والأنانية في كل مجتمع بنفس الأساليب، وعلى عكس ذلك ينوه بالصدق والكرم والحلم. هذه مواقف ثابتة تعبر عن الحكمة الشعبية وتخلد بواسطة الأمثال. من أجل ذلك يعتبر المثل حجة قاطعة أو دليلا مقدسا يبرهن على كلام صادر عن الأجداد منذ العصور الغابرة، ورثناه عنهم فأصبح ملكا للجميع ومن واجبنا احترام هذا الكلام وأخذه بعين الاعتبار.
سأقف عند هذه الوظيفة الأخلاقية دون التطرق إلى الوظائف الأخرى المسندة عادة إلى الأمثال كالوظيفة العلمية والتعليمية والدينية.
وانطلاقا مما سبق تقديمه سنتأمل في شأن مجموعة من الأمثال حول المرأة استخرجتها من متون مختلفة. وعددها يفوق 200 مثل واردة في أعمال: العطار، برينو، كولان، قباج والشرادي، المسعودي، ويسترمارك، زمامة.
من الناحية اللغوية تخضع هذه الأمثال إلى المواصفات السابقة الذكر من سجع وقافية وجمالية الأسلوب. أما بالنسبة للمضمون الإيجابي والقيم الأخلاقية المنبثقة عادة من استعمال الأمثال، لا بد من طرح السؤال التالي: ماذا يقصد المثل المتعلق بالمرأة؟
الملاحظة الأولى تهم جانب التركيب، إذ أن الأعمال المصنفة حسب المحاور لا تخصص محورا للمرأة بل تدرج الأمثال المتعلقة بها في باب “الأسرة” أو “العلاقات العائلية” أو “الشؤون الأسروية”.
وحسب بعض الدراسات يكتسي هذا التصنيف أكثر من دلالة:
1 ـ لا يتم الاعتراف بشخصية المرأة إلا من خلال الدور الذي تلعبه في الأسرة؛ وكيانها رهين بوجود زوجها وأطفالها.
2 ـ ينحصر دور المرأة في شؤون تدبير المنزل، ولا صلة لها بالحياة العامة، أو الشغل أو التجارة؟
+ المرا اللي تطوف ما تغزل صوف.
+ لا خير في المرا اللي تجول ولا في الرجل اللي ما يجول.
إلا أننا نجد، من جهة أخرى، بعض المصنفات التي تخصص بابا من فهرسها للمرأة كما هو الشأن بالنسبة لويسترمارك. إذا فتحنا هذا الباب نكتشف صورة سلبية عن المرأة وذلك في جميع أوضاعها وفي كل طور من أطوار حياتها.
باستثناء أمثال إيجابية نادرة حول الأم والبنت لا نجد أثرا للتنويه بالعنصر النسوي. من بين الإيجابيات مثلا:
+ ما بعد الأم حبيب، ما بعد الجوع طليب.
+ اللي ما عندها بنتها تدفن راسها في حياتها.
بصفة عامة، إن النساء أقوى من الرجال وحتى من الشيطان بفضل كيدهن وحيلهن.
+ إلا حلفوا فيك الرجال بات ناعس.
إلا حلفوا فيك النسا بات فايق.
+ كيد النسا قوي وكيد الشيطان ضعيف.
وإذا أردنا أن نستخرج من الأمثال الخصال النسوية المرغوب فيها أثناء البحث عن زوجة سنجد ما يلي:
ـ من المفترض أن الزواج ضرورة حتمية لا فرار منه وأن العلاقة الزوجية لا تدوم إلا في حال الإنجاب:
+ الزواج والموت هم لا يفوت.
+ المرا بلا ولاد بحال الخيمة بلا وتاد.
ـ يجب البحث عن الأصل الجيد للمرأة قبل كل شيء:
+ خذ المرا الأصيلة ونام على الحصيرة.
ـ يفضل الفقر على الغنى:
+ لا تعبي المرا بدراهمها تعمل لك النفخة وتقول سقي الما.
ـ تفضل اللباقة والخلق الحسن على الجمال:
+ لا زين إلا زين الفعال.
ـ إن سعادة المرأة في الحياة الزوجية رهينة بقدرتها على الصبر والتفاني:
+ الحرة إلا صبرتدارها عمرت.
+ كل مرا راقدة على حجرة وذليلة النسا هي اللي تقول “أح”.
+ اللي شتيها بسعدها اعرف كاتكمل من عندها.
ـ أما فيما يخص دور المرأة في تسيير شؤون البيت، يستحيل أن يكون لها زمام الأمر أو حتى الإدلاء برأيها:
+ طاعة النسا كاتدخل للنار.
+ شاور مراتك واعمل ريك، شاور مراتك وخالف ريها.
يبدو من خلال الأمثال أن علاقات المرأة مع أهل زوجها وبالخصوص مع أمه وأخته وزوجة أخيه تتسم بالغيض والغيرة والحقد. إن تعايش جميع أفراد الأسرة في نفس المنزل من العوامل التي تدفع النساء إلى كراهية متبادلة، لا سيما أن الرجل يفرض على زوجته الخضوع المطلق لوالدته:
+ حلفت العروسة ما تحب الحما حتى تبياض الفحمة.
+ الحما وجه الدلو هي حرة وولدها حلو.
+ النوطة كا تحب النوطة غير حمقا أو مزلوطة.
أما المرأة العجوز فعدد الأمثال التي تعبر عن شرها ونفاقها والأعمال السيئة التي تقوم بها، وخوفها من علامات الشيخوخة، عدد لا يحصى:
+ المرا كاتهرب من الشيب كيف النعجة من الذيب.
+ اللي كايعمله يبليس في عام كاتعمله العكوزة في ساعة.
+ إلا شفتي الشارفة بالتصبيح اعرفها شيطانة بالتصحيح.
انطلاقا من متون مختلفة وأمثال متعددة حاولت، في الشطر الأول من هذا العرض، الوصول إلى تعريف عام للمثل الشعبي المغربي مع خصوصياته اللغوية ووظائفه الاجتماعية. لكن مجموعة الأمثال التي قمت بتحليلها في الشطر الثاني تكتسي صبغة خاصة.
هل تعكس هذه الأمثال التصور الحقيقي للمرأة في مجتمعنا؟
لماذا تتعرض المرأة إلى هذا الهجوم عبر الأمثال؟
هل هذه العبارات صادرة عن ذكور أو إناث؟
إذا كانت هذه الأمثال، حسب ما يقال، تعبر عن زمن مضى لماذا مازلنا نلاحظ تداولها واستعمالها اليوم؟
ما هو دور هذا الصنف من الأمثال؟
في الحقيقة يصعب الجواب عن هذه الأسئلة ويختلف من عقلية إلى أخرى.
سأنهي هذا العرض باحتمالات من نوعين:
1 ـ إن الأمثال من هذا القبيل شائعة في جل البلدان. من المحتمل أن تضمحل أو تكتسي معنى مجازيا بدل المعنى الأصلي نظرا لتطور الأحداث وتغيير الوقائع الاجتماعية.
ويلاحظ أن الأمثال التي تدخل في هذا الصنف ضد المرأة والخادم واليهودي والأمازيغي والجبلي والفاسي لها وظيفة نفسانية، بواسطة ما قاله الآخرون، حيث ينقل المرء هذه الأمثال ويعبر بها بتهكم واستهزاء عن اللاشعور، وبذلك يتبين ما هناك من غيض وما يجيش في النفس من انفعالات. هذه وظيفة من بين وظائف الأدب الشفهي:
+ اللي ما يذبح شاته وما يصوط مراته، موته خير من حياته.
+ دوا الضرسة والمرا: الكلاب والبرا.
2 ـ وأخيرا هناك تحليل أكثر تفاؤلا من طرف ويستر مارك، يتجلى في رأيه
كما يلي:
“يعتبر من غير اللائق إبداء عطف الرجل على المرأة ومن ثم ينعدم ذكر هذا الجانب في الأمثال”.
It’s considered indecent of a man to show any affection for his wife and it would consequently be improper to speak of it in proverbs.
بيبليوغرافيا
BENCHEHIDA et SBHI, 1930, Proverbes des vieilles femmes marocaines, Fès.
BENCHRIFA Mohamed, 1975, (Al-amthal al –maghribiya), in Encyclopédie : Maâlamat al-maghrib, vol.2.
BENTOLILA Fernand (sous la direction de), 1993, Proverbes berbères, l’Harmattan, Awal.
BRUNOT Louis, 1928, (Proverbes et dictons arabes de Rabat), Hespéris, Tome VIII, pp.59-121.
COLIN G.S, 1955, Chrestomathie marocaine, Adrien-Maisonneuve, Paris.
DOURNON Jean-Yves, 1986, Le dictionnaire des proverbes et dictons de France, Paris, Hachette.
EL-ATTAR Bouchta, 1992, Les proverbes marocains, imprimerie Najah El Jadida, Casablanca.
IRAQUI SINACEUR Zakia, 1993, (Le recueil de Westermarck et d’autres proverbes marocains), Colloque Westermarck et la société marocaine, Publications de la Faculté des Lettres et des sciences humaines, Série Colloques et séminaires n°27, pp/97-108, Rabat.
-1997, (La relation conte-proverbe), Actes du colloque.
Contes et récits : produits socio-culturels et outils pédagogiques, pp.111-125, Kénitra.
-1998, (Proverbes et dictons marocains), in Encyclopédie : Maâlamat al-maghrib, vol.10.
KABBAJ et CHERRADI, 1998, Un bouquet de proverbes marocains, Casablanca.
MESSAOUDI Leïla, 1987, Proverbes et dictons du Maroc, Casablanca.
WESTERMARCK Edward, 1930, Wit and wisdom in Morocco, London.
ZEMMAMA Abdelkader, 1965-66, (Les proverbes marocains), in revue Al baht al iîlmi, n°6 et 7, Rabat.