في خِضَمِّ الأزمات والتحديات التي تواجهها الأمة العربية، يصدح صوت الشعر ليوقظ الضمائر ويحرّك المشاعر نحو النهوض والكرامة. هذه القصيدة تجسد صرخة مدوّية تستنهض العرب من غفلتهم، وتحثهم على استعادة مجدهم الضائع وعزتهم التي عانت من ويلات الاستعمار والذل. إنها نداء للإصلاح، دعوة للوحدة، وصيحة في وجه الظلم والتخاذل.
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ * * * فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم * * * وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القََنَـا سُلـبُ
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ فَقَـدْ * * * شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْتَاقَتْـكُمُ التُّـرَبُ
كَمْ تُظْلَمُونَ وَلَسْتُمْ تَشْتَكُونَ وَكَمْ * * * تُسْتَغْضَبُونَ فَلا يَبْدُو لَكُمْ غَضَبُ
أَلِفْتُمُ الْهَوْنَ حَتَّى صَارَ عِنْدَكُمُ طَبْعًا * * * وَبَعْضُ طِبَاعِ الْمَرْءِ مُكْتَسَبُ
وَفَارَقَتْكُمْ لِطُولِ الذُّلِّ نَخْوَتُكُمْ * * * فَلَيْسَ يُؤْلِمُكُمْ خَسْفٌ وَلا عَطَبُ
لِلَّهِ صَبْرُكُمُ لَوْ أَنَّ صَبْرَكُمُ * * * فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ حِينَ الْخَيْلُ تَضْطَرِبُ
كَمْ بَيْنَ صَبْرٍ غَدَا لِلذُّلِّ مُجْتَلِبًا * * * وَبَيْنَ صَبْرٍ غَدَا لِلْعِزِّ يَجْتَلِبُ
فَشَمِّرُوا وَانْهَضُوا لِلْأَمْرِ وَابْتَدِرُوا * * * مِنْ دَهْرِكُمْ فُرْصَةً ضَنَّتْ بِهَا الحِقَبُ
لا تَبْتَغُوا بِالْمُنَى فَوْزًا لأَنْفُسِكُمْ * * * لا يُصْدَقُ الفَوْزُ مَا لَمْ يُصْدَقُ الطَّلَبُ
خَلُّوا التَّعَصُّبَ عَنْكُمْ وَاسْتَوُوا عُصَبًا * * * عَلَى الْوِئَامِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ تَعْتَصِبُ
لأَنْتُمُ الفِئَةُ الكُثْرَى وَكَمْ فِئَةٍ * * * قَلِيلَةٍ تَمَّ إِذْ ضَمَّتْ لَهَا الغَلَبُ
هَذَا الذِي قَدْ رَمَى بِالضَّعْفِ قُوَّتَكُمْ * * * وَغَادَرَ الشَّمْلَ مِنْكُمْ وَهْوَ مُنْشَعِبُ
وَسَلَّطَ الجَوْرَ فِي أَقْطَارِكُمْ فَغَدَتْ * * * وَأَرْضُهَا دُونَ أَقْطَارِ الْمَلا خِرَبُ
وَحُكِّمَ العِلْجُ فِيكُمْ مَعْ مَهَانَتِهِ * * * يَقْتَادُكُمْ لِهَوَاهُ حَيْثُ يَنْقَلِبُ
مِنْ كُلِّ وَغْدٍ زَنِيمٍ مَا لَهُ نَسَبٌ * * * يُدْرَى، وَلَيْسَ لَهُ دِينٌ وَلا أَدَبُ
وَكُلِّ ذِي خَنَثٍ فِي الفَحْشِ مُنْغَمِسٍ * * * يَزْدَادُ بِالْحَكِّ فِي وَجْعَائِهِ الجَرَبُ
سِلاحُهُمْ فِي وُجُوهِ الخَصْمِ مَكْرُهُمُ * * * وَخَيْرُ جُنْدِهِمُ التَّدْلِيسُ وَالْكَذِبُ
لا يَسْتَقِيمُ لَهُمْ عَهْدٌ إِذَا عَقَدُوا * * * وَلا يَصِحُّ لَهُمْ وَعْدٌ إِذَا ضَرَبُوا
إِذَا طَلَبْتَ إِلَى وُدٍّ لَهُمْ سَبَبًا * * * فَمَا إِلَى وُدِّهِمْ غَيْر الْخُنَا سَبَبُ
وَالْحَقُّ وَالْبُطْلُ فِي مِيزَانِهِمْ شُرَعٌ * * * فَلا يَمِيلُ سِوَى مَا مَيَّلَ الذَّهَبُ
أَعْنَاقُكُمْ لَهُمْ رِقٌّ وَمَالُكُمْ * * * بَيْنَ الدُّمَى وَالطِّلا وَالنَّرْدِ مُنْتَهَبُ
فَبَادِرُوا الْمَوْتَ وَاسْتَغْنُوا بِرَاحَتِهِ * * * عَنْ عَيْشِ مَنْ مَاتَ مَوْتًا مُلْؤُهُ تَعَبُ
صَبْرًا هَيَا أُمَّةَ التُّرْكِ التِي ظَلَمَتْ * * * دَهْرًا فَعَمَّا قَلِيلٍ تُرْفَعُ الحُجُبُ
لَنَطْلُبَنَّ بِحَدِّ السَّيْفِ مَأْرَبَنَا * * * فَلَنْ يَخِيبَ لَنَا فِي جَنْبِهِ أَرَبُ
وَنَتْرُكَنَّ عُلُوجَ التُّرْكِ تَنْدُبُ مَا * * * قَدْ قَدَّمَتْهُ أَيَادِيهَا وَتَنْتَحِبُ
وَمَنْ يَعِشْ يَرَ وَالأَيَّامُ مُقْبِلَةٌ * * * يَلُوحُ لِلْمَرْءِ فِي أَحْدَاثِهَا العَجَبُ
هذه القصيدة ليست مجرد أبيات مرصوفة، بل هي صدى لآهات أمة تبحث عن هويتها، وسوط يجلد ظهر الغفلة والتهاون. كانت الأمة العربية عبر تاريخها منبعاً للبطولات والملاحم، وما زالت تمتلك في جعبتها القدرة على النهوض إذا ما استعادت وعيها ووحدت صفوفها. فهل آن الأوان لأن نستفيق ونستعيد أمجادنا المفقودة؟
قصيدة لـ: إبراهيم اليازجي.