شعرية المثل عند المتنبي .. (البنية والوظيفة)
1 – بنية المثل:
تعد بلاغة الكلام مكونا أساسيا في بنية الشعر العربي القديم. بل إن بن خلدون قد اعتبر هذا المكون أقرب عنصر إلى حقيقة الشعر من المكونين الشكليين المتمثلين في المكون الإيقاعي والمكون الغرضي. وفي ذلك يقول ابن خلدون: “وقول العروضين في حدة إنه الكلام الموزون المقفى ليس بحد لهذا الشعر الذي نحن بصدده ولا رسم له. وصناعتهم إنما تنظر في الشعر باعتبار ما فيه من الإعراب والبلاغة والوزن والقوالب الخاصة. فلا جرم أن حدهم ذلك لا يصلح له عندنا، فلا بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه الحيثية، فنقول: الشعر هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به”.
ويبدو واضحا من خلال هذا النص أن بلاغة الكلام قيمة فنية تهيمن في الشعرية العربية القديمة، وهذا ما يجعل منها عماد بيت الشعر وأُسَّهُ المتين.
وحين نتحدث عن بلاغة الكلام في مفهوم النقد القديم، فغالبا ما تتبادر إلى الذهن صورة المثل، لأنها تجسد جوهر هذه البلاغة أفضل تجسيد، بل إن المثل يرتبط بالبلاغة ارتباطا وثيقا، وأن العلاقة بينهما تقوم على التضمن واللزوم. ويبدو أن القدماء قد فطنوا إلى شيء من هذا القبيل حين عرفوا المثل بمثل ما عرفوا به البلاغة فقالوا: “في المثل ثلاث خلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه”، فهذه الخصائص هي نفسها التي تحدد بها البلاغة.
ويتبين من خلال هذا التداخل بين البلاغة والمثل أنهما يقومان على علاقة الجزء بالكل والعموم بالخصوص. واستنادا إلى ذلك يمكن أن نحدد المثل –اصطلاحا- بأنه صورة بلاغية أو حكائية تنبني فيها العبارة على الاستعارة والتكثيف. كما أن الدال فيها يبعد عن مدلوله. ويحيل فيها المعنى الأول على معان ثانوية. وبذلك تتحول الدلالة في المثل إلى دلالة رمزية تعبر من المجاز إلى الحقيقة ومنها إلى الواقع الإنساني. فالمثل في جوهره صورة إيحائية لا تنطق بمعنى إلا أوحت بآخر هو “معنى المعنى” على حد تعبير عبد القاهر الجرجاني. وبهذه الصفة يغدو المثل شبيها بلغة الشعر التي هي لغة ثانوية داخل لغة أصلية وتقوم بنمذجة للواقع الخارجي. وفي ذلك تكمن قيمته الشعرية التي يستمد منها النص خاصيته الجمالية والفنية.
إننا إذا أمعنا النظر في شعر المتنبي لفتت انتباهنا فيه قيمة فنية تهيمن على بقية القيم الأخرى، وتتجسد في شعرية المثل التي أعطت لشعره سمة فنية متميزة. وهذا ما أشار إليه الصاحب بن عباد بعد أن استخرج من أشعاره واحدا وسبعين وثلاثمائة بيتا، فقال: “وهذا الشاعر مع تمييزه وبراعته، وتبريزه في صناعته، له في الأمثال خصوصا مذهب سبق به أمثاله، فأمليت ما صدر عن ديوانه من مثل رائع في فنه، بارع في معناه ولفظه، ليكون تذكرة في المجلس العالي، تلحظها العين العالية، وتعيها الآذان الواعية”.
وإذا كان المثل يحضر على المستوى الكمي في شعر المتنبي وينتشر في كل أغراض شعره بصورة لافتة للانتباه، فهذا يعني أننا نكون إزاء نوع شعري جديد، يمكن أن نسميه شعر التجربة والحقيقة، وهو شعر ينبع من التجارب الإنسانية التي تنتزع من الحياة انتزاعا وتوضع ضمن سياق فني يعيش خارج الزمن والمكان. وكلما توفرت للشعر هذه الصورة النموذجية، وكلما استطاع أن يكون مرآة للحياة لا للحظة في الحياة، فإنه يكتسب صفة الخلود على الرغم من انقضاء المناسبة الخاصة التي كانت سببا في وجوده. ونعني بصفة الخلود أن يكون الشعر صورة أيقونية تجسد متلقيا نموذجيا يعيش خارج الزمن والمكان على حد تعبير ريتشارد هوجارت. وهذا ما يعني أن هذا الشعر يتناول مظاهر أكثر ثباتا وديمومة وأكثر ارتباطا بجوهر الإنسان الكوني، الذي ينتمي إلى واقع إنساني شامل وثابت تنتفي فيه نسبية المكان والزمان، وتتلاشى فيه جدلية النص مع مؤلفه وبيئته. وفي ظل هذا المفهوم يغدو الشعر كشفا وتعليما تتآلف فيه الفطنة مع البصيرة ويتآزر فيه العقل مع الخيال. وعندها يصبح الشاعر حكيما صاحب بصيرة يعلم الناس الحكمة ويستخلص العبرة ويكشف عن الحقيقة ليسن للآخرين طريقهم بما استخلص واكتشف. وهذا ما يجعل من الشعر فنا بموضوعه وأشيائه لا بلغته وأسلوبه. لأنه ينطوي على حكمة تأملية أو حكمة عملية يغدو الشعر بسببها أرفع من نفسه على حد تعبير كروتشه. وذلك حين ينسلخ عن واقعه التاريخي فيرتبط بحقائق كلية نابعة من تجربة إنسانية توسع من آفاق الفكر في الحياة. ولقد تحدث عبد القاهر الجرجاني عن هذا النوع من الشعر في معرض حديثه عن فكرة “خير الشعر أصدقه”، فأشار إلى أنه يعتمد ما يجري من العقل على أصل صحيح وبذلك “يكون ثمره –كما يقول الجرجاني- أحلى وأثره أبقى وفائدته أظهر وحاصله أكثر”.
وتعد هذه إشارة تلميحية من الجرجاني إلى وجود نوع شعري تكمن قيمته الجمالية في بعده الفكري والإنساني، وتدخل ضمن هذا النوع مقطوعات شعرية وأبيات مفردة مستقلة تعيش حياة هادئة ولا يغير هويتها تغيير، لأنها تتحدث عن تجارب إنسانية وحقائق بديهية يسلم بها العقل ولا يختلف فيها. وهذا ما تجسده على وجه الخصوص شعرية المثل عند المتنبي، تلك التي تقوم على خصائص نوعية يمكن إجمالها في الآتي:
1.1-الشكل:
وهي صيغة تعبيرية تقوم على الاختزال والتوسع أو على الإيجاز والإطناب في علاقتها بمرجعها الخارجي. بمعنى أن المثل يختزل في عبارة موجزة ومكثفة تجارب إنسانية تتسم بالتفصيل والامتداد، أي أن المثل يجمل ويكثف ما هو مبسوط ومفصل على مستوى التجربة الفعلية، حيث يصبح الانتقال من الحدث الخارجي إلى بنية المثل مبنيا على التدرج من جزئيات إلى كليات. ويخضع هذا المسار لمنطق تعليمي مبدؤه الكشف عن حقيقة كلية تتحول إلى رمز يكتسي صبغة التعميم والحياد.
فمن هذا المنطلق إذن جاءت شعرية المثل عند المتنبي من حيث مبناها موجزة العبارة، خالية من تعقيد الصور البلاغية إلا ما يكون من أمر الصور القائمة على التراكيب البسيطة التي تنتشر على مساحة صدر البيت أو على مساحة عجزه أو عليه كاملا. ومن أمثلة ذلك قوله:
ليس التكحل في العينين كالكحل
وفي الماضي لمن بقي اعتبــــــــار
ما كــل دام جبينـــه عـابــــــد
مصائب قوم عند قوم فوائــــــــد
ومن يكن ذا فم مـــــر مريــــــض يجد مرا بــه الـمــــــاء الزلالا
إذا أنت أكرمت الكريــم ملكـتـــه وإن أنت أكرمت اللئيم تمـــردا
وكل امرئ يولي الجميل محبــــب وكل مكان ينبت العز طيــــب
من يهن يسهل الهـــوان عليــــه ما لجــــرح بميـــت إيـــــــلام
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقتـــه بــــد
فلا مجد في الدنيا لمن قل مالــــه ولا مال في الدنيا لمن قل مجـده
ولما كانت شعرية المثل عند المتنبي على هذا النحو من التكثيف وبساطة التركيب ووضوح الصورة، جاءت واضحة الدلالة على معانيها كل الوضوح، مستقلة عن سياقها الخاص وظروف نشأتها، مما يجعلها قابلة لأن تعلق بالأذهان ويسهل حفظها ليتم إدراجها بعد ذلك في أي سياق مماثل، ولتكون أيضا موضوعا للتضمين والاستشهاد في المحاورة والمراسلة.
2.1-المكون المعنوي:
أما من حيث المعنى فإن شعرية المثل تدور على حقائق بسيطة من قبيل البديهيات الشائعة التي تعتمد معنى عقليا محضا “يشهد له العقل بالصحة وتتفق العقلاء على الأخذ به، والحكم بموجبه في كل جيل وأمة ويوجد له أصل في كل لسان ولغة”.
وهذا يعني أن هذه الحقائق البديهية هي عصارة تجارب بشرية طويلة في صراعها التاريخي مع الكون والطبيعة وصراع الناس بعضهم ضد بعض وصراع الذات المفردة ضد المجموعة وضد أصناف الحدود والعراقيل التي تفسد العيش والحياة.
فإذا قال أبو الطيب مثلا:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
رأى فيه عبد القاهر الجرجاني حكمة بالغة ومثلا سائرا يحيل على “معنى معقول لم يزل العقلاء يقضون بصحته، ويرى العارفون بالسياسة الأخذ بسنته، وبه جاءت أوامر الله سبحانه (…) إذ كان موضوع الجبِلَّة على أن لا تخلو الدنيا من الطغاة الماردين، والغواة المعاندين، الذين لا يعون الحكمة فتردعهم، ولا يتصورون الرشد فيكفهم النصح ويمنعهم، ولا يحسون بنقائص الغي والضلال، وما في الجور والظلم من الضعة والخبال، فيجدوا لذلك مس أليم يحبسهم على الأمر ويقف بهم عند الزجر، بل كانوا كالبهائم والسباع، لا يوجعهم إلا ما يخرق الأبشار من حد الحديد، وسطو البأس الشديد، فلو لم تطبع لأمثالهم السيوف ولم تطلق فيهم الحتوف، لما استقام دين ولا دنيا، ولا نال أهل الشرف ما نالوه من الرتبة العليا، فلا يطيب الشرب من منهل لم تنف عنه الأقذاء، ولا تقر الروح في بدن لم تدفع عنه الأدواء”.
ويشير مثل هذا الكلام إلى أن الجرجاني قد فطن إلى أن شعرية المثل تدور على حقائق سرمدية مشتركة بين الناس كلهم، لم يزد الشاعر على أن ذكرهم بها في صيغة تعبيرية بسيطة مع الإبقاء على الإطلاق والتعميم.
3.1-الصورة النموذجية:
إن مما يميز شعرية المثل عند المتنبي –انطلاقا من معانيها العقلية المرتبطة بالحقائق المشتركة- هو انفتاحها على التجربة العامة التي لا تتقيد بتجربة أبي الطيب الذاتية ولا تختص بالسياق الخاص الذي نشأت فيه، وإنما تنزع إلى ملابسة جميع الأحوال المماثلة لمضمونها، وقد يسر لها هذا الأمر الالتحام بتجارب الآخرين في ظروف تاريخية مغايرة، مما جعلها تكتسب صفة الصورة النموذجية التي تتميز بطابعها اللامكاني واللازماني على حد تعبير بارت.
وبما أن لهذه الصورة علاقة بالسلوك الإنساني العام وبحتمية الموت والفناء، والتحذير من الاغترار بالدنيا والناس، فقد جاءت مفتوحة على عامة الناس دون تحديد شخصية المخاطب. ولذلك نجد في شعرية المثل انتشار ضمائر الحياد تلك التي لا تختص بمتكلم نطق بها، ولا تعين متلقيا بذاته، وإنما تنفتح على المتلقي النموذجي الذي ينسلخ عن قيود الجنس والزمان، فيستقل بذاته عنهما فيعيش في مقام مجرد ينفتح على التجربة العامة. ومن طبيعة هذا الضمير أنه ينتشر في شعر الحكمة والمثل كالذي نجده عند المتنبي. حتى أصبح هذا الضمير سمة أسلوبية ميزت شعرية المثل عند المتنبي. ونضرب لذلك أمثلة بالشواهد الشعرية الآتية:
وإذا لم يكن من الموت بــــــــد فمن العجز أن تموت جبانــــا
الظلم من شيم النفوس فإن تجـد ذا عفة فلعلة لا يظلـــــــــــم
ذو العقل يشفى في النعيم بعقلـه وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
إذا نظرت نيوب الليث بـــارزة فلا تظنن أن الليث يبتســــــم
إنما أنفس الأنيـــس سبـــــــاع يتفارسن جهرة واغتيــــــــالا
من أطاق التماس شيء غلابـــــا واغتصابا لم يلتمسه ســــــؤالا
كل غاد لحاجـــة يتمنــــــــى أن يكون العضنفر الرئبـــــــالا
ويظهر من خلال هذه الشواهد أن الضمير فيها لا يعين شخصية بذاتها، وإنما هو ضمير حيادي جمعي تعددي يعبر عن عدة وجوه لسانية. وهذا ما يجعل من شعرية المثل عند المتنبي كلاما لا يتوجه إلى معلوم ينحصر في متلق محدد بقدر ما يتوجه إلى كل المتلقين من حيث إنهم أفراد تجري عليهم قوانين الوجود وأحكامه. ولذلك يكون مجاله هو المشترك بين الناس لا ما ينفرد به بعضهم عن بعض.
2 – الوظيفة:
وتدفعنا العلاقة بين المثل والمتلقي النموذجي إلى الحديث عن وظيفتين متكاملتين تؤديهما شعرية المثل عند المتنبي. فالوظيفة الأولى تربوية، والوظيفة الثانية معرفية نفسية.
1.2-الوظيفة التربوية:
تجدد هذه الوظيفة العهد بوظيفة أساسية من وظائف الشعر العربي القديم الذي كان ينغرس في الحياة الاجتماعية ويغوص في أعماقها فتنتشر الحكمة في تضاعيفه وتمازج العبرة معظم أغراضه. ويكفي أن نورد في هذا الصدد ما قاله عمر بن الخطاب في وصيته لأبي موسى الأشعري: “مُرْ مَنْ قِبَلك بتعلم الشعر؛ فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب”.
وما رواه أيضا الزبير بن بكار عن العمري في قوله: “روّوا أولادكم الشعر، فإنه يحل عقدة اللسان، ويشجع قلب الجبان، ويطلق يد البخيل، ويحض على الخلق الجميل”.
فضمن هذا السياق التربوي الخلقي تندرج إذن شعرية المثل عند المتنبي. ذلك أنها أقيمت على أساس أخلاقي تربوي، يتجلى في التحريض على قيم إيجابية من شأنها أن تعيد الهوية للإنسان النموذجي والمثالي الذي لم يعد له وجود فعلي في زمن المتنبي، وفي الدعوة إلى رفض قيم سلبية لعلها هي السبب في ما آل إليه الواقع العربي من تدهور وانحطاط.
إن الجبن قيمة سلبية ظلت تتردد بكثرة في أمثال المتنبي لأنها هي أم العلل التي جرت الواقع العربي آنذاك إلى الانحلال والفناء.
ـ فما ينفع الأسد الحياء من الطوى
ولا تتقى حتى تكون ضواريــا
وفي مقابل ذلك توجد قيمة الشجاعة وهي فضيلة إيجابية من شأنها أن تعيد ما ضاع من مجد، لذلك دعا إليها المتنبي وأكثر من ذكرها.
ـ لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبــه الـدم.
2.2-الوظيفة المعرفية النفسية:
تنبع هذه الوظيفة من الخصائص التركيبية لبنية المثل التي تتجسد في كونها بنية نصية مستقلة بذاتها عن أي مرجع أو سياق خاصين. فهي تحمل في كيانها السياق والمرجع.
وإذا كان المثل يرد في مظهر القدوة أو العبرة بعد أن تم إبرازه في شكل تجارب فردية في الحياة سرعان ما تنزع من سياقها الخاص فتتحول إلى تجربة عامة بعيدا عن أي تجربة ذاتية منفردة، فهذا يعني أنه قابل للاندراج في أي سياق بعد أن تعاد صياغته في جمل قائمة برؤوسها تتضمن الحكم والعبر استنادا إلى تجارب السابقين. وهذا ما يؤهلها لتكون أجوبة لعدد لا يحصى من الأسئلة التي يطرحها القراء على أنفسهم، وعلى هذا الأساس تكون أبيات الحكم والأمثال قابلة لأن تقرأ القراءات المتعددة وأن تقدم أجوبة لأسئلة كثيرة. ويرجع السبب في ذلك إلى أن كل متلق يتفاعل معها على مقدار عثوره على ذاته فيها، ليس هذا فحسب، بل إن للمثل عند المتنبي أيضا وظيفة نفسية تتمثل في قدرته على التسلية وتهوين المصائب على النفس. والسر في ذلك أن عددا من أمثال المتنبي قد جاءت من الإنسان على الوجع، ولذلك وجد فيها كل متلق تفريجا لكربه وتهوينا لهمه وتعبيرا عن الخصوصية في تجربته.
3 – خلاصة:
انطلاقا مما سبق يمكن القول: إن المثل جنس أدبي مهاجر، حيث بإمكانه أن يسافر إلى بيئات ثقافية مختلفة ومتعددة، فيصبح متداولا في فضاء أكبر. كما أن متلقيه قد يتحول من إنسان مقيد إلى إنسان مطلق ذي طبيعة كونية شاملة تتعدى مكانها وزمانها إلى ما هو أوسع وأرحب. وفي ذلك تكمن القيمة الشعرية والجمالية التي تميز المثل. ومن أجلها اعتبره العرب جنسا أدبيا سائرا في الزمان والمكان. وهذا ما أكسبه صفة الاستمرارية والتفاعل مع المتلقين لمدة زمنية طويلة حتى بعد تلاشي السياقات التاريخية التي نشأ فيها، فكلما أفلح الأدب في هز أفئدة عدد كبير من الناس، وانتشر في مكانه وفي غير المكان الذي قيل فيه، وفي زمانه وغير الزمان الذي نشأ فيه، كان ذلك سببا في خلوده ودليلا على أنه مشتمل على الجودة مجسم للقيمة الفنية كل التجسيم