اقتباسات

فلسفة العيش بالكفاف والعفاف

في زحمة الحياة، حيث يسابق الإنسان يومه ليحصد قوت غده، تنبثق أسئلة أزلية حول الرزق والسعي والقناعة. هل المال هو الغاية أم الوسيلة؟ وهل الرزق قدر محتوم أم ثمرة جهد واجتهاد؟ وقف الشعراء والفلاسفة طويلًا أمام هذه التساؤلات، يتأملون في حكمة الحياة وميزانها العادل بين السعي والرضا.

يقول الشاعر:

الرِزقُ يَأتي وَإِن لَم يَسعَ صاحِبُهُ
حَتماً وَلكِن شَقاءُ المَرءِ مَكتوبُ

كأن في هذه الكلمات عزاءً للتائهين في دوامة القلق، وإشارة إلى أن السعي وإن كان ضرورة، فإن ما كُتب للإنسان سيأتيه ولو تأخر. لكن الحكمة هنا ليست دعوة للخمول، بل لتبني التوازن بين الاجتهاد والتوكل.

وفي ذات السياق، نجد في بيت آخر صورة شعرية بليغة تصور خطر الجشع والطمع:

خذ من العيش ما كفى ** فهو إنْ زادَ أَتْـلَـفـا
كسراجٍ مُـنوَّرٍ ** إن طفـا دُهـنـتـه انـطـفـا

القناعة، إذن، ليست حرمانًا، بل حماية للإنسان من أن تحرقه نيران الرغبة الجامحة في المزيد. فكم من طامع أهلكه طمعه، وكم من زاهد عاش سعيدًا برزق مقسوم؟

  • بين القناعة والغنى: المعادلة الصعبة

يؤكد الطغرائي في لاميته الشهيرة ذات المعنى ذاته:

لا تلتمسُ فضلَ الغِنَى إنهُ
مَـتْـلَـفـةٌ يشقَى بها الـحُــرُّ

الغنى قد يكون نقمة حين يجعل الإنسان عبدًا لما يملك، غارقًا في صراعاته مع الطمع والخوف من الفقدان. وهنا، تتجلى القناعة لا كاستسلام، بل كفن في الاستمتاع بالحياة دون أن تتحول إلى سباق محموم لا ينتهي.

  • فلسفة الرضا في مواجهة الزمن

الإنسان بين خيارين: أن يركض خلف المال بلا توقف، أو أن يسعى بوعي ويتقبل نصيبه برضى وسكينة. وبين هذا وذاك، يبقى جوهر الحياة في أن نحياها دون أن نستنزف أرواحنا في صراع أبدي مع الرزق. فالقناعة ليست فقرًا، وإنما ثراء الروح، وما أروعها من ثروة!

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى