دفاعاً عن الجُهد الروائي العربي
ما معنى الجهد الروائي في المطلق؟.. التعريف البسيط يقول: «إنه إبداع الروائي» أي خصوصيته وتفرده، واندماجهما في كُلٍّ أوسع، هو التجربة الروائية العربية والإنسانية في تعدديتها وغناها.
لم يكن نجيب محفوظ «نوبل العرب» الوحيد كبيراً وعظيماً، إلا لأنه حقق هذا التمايز بأن وطّن الجنس الروائي وأصّله في أرض رفضته في البداية، لكن مع محفوظ قبلت به واعتبرته جزءاً من كينونتها الأدبية، ثم أعطاه بناه المتنوع الذي يتشابه مع المنجز الغربي ويختلف عنه، وجعل الجهد الروائي يندرج ضمن صيرورة الإنسان في رحلته الصعبة مع الحياة، متوخياً سعادته في النهاية، والارتفاع بذائقته عالياً، والدفع به نحو طرح الأسئلة أكثر من الغرق في المسّلمات التي لا تعمل مطلقاً على تطوير العقل، ولكن العكس هو الحاصل، أي تثبيتها في مكانها، بحيث لا حركة لها، والدفع بها نحو الموت، الثبات في النهاية هو الصورة الخفية للفجائع غير المسماة.
لا يمكن رؤية تجربة أي روائي عربي مميز، خارج رحلة الرواية العربية التي وسمها هو وغيره، بجهودهم وإسهاماتهم الفنية الكبيرة والكثيرة أيضاً، فهو أي الروائي العربي الذي كثيراً ما يتهمه النقد السهل بالقصور، ليس شخصية عابرة في الرواية العربية، ولكنه علامة من علاماتها الأساسية التي لا يمكن التأريخ لمنجزها الإنساني دون استحضاره، فقد فتح في تفوقه النص على آفاق إنسانية جديدة، بل فعل ما لم يفعله الكثير من كبار الكتاب العالميين، الذين سقط الكثير منهم، في النظرة الازدواجية التي يتجاذبها الخير والشر، ازدواجية جاهزة لم ينج منها غوركي، هيمنغواي، مالرو، وغيرهم.
وفتح الروائي العربي شخصيته على الأفق الإنساني، وجعل منها إمكانية أكثر منها حقيقة مطلقة، أي إنساناً يتحرك داخل مساحة تصنعه ويصنعها باستمرار، لكن ذلك لا يتم بسطحية، بل يتأسس من خلال اللحظات الروائية الأكثر سعادة وقسوة، فنجد في المناضل والمقاوم الذي رسمته الرواية العربية، قسطه من الانتهازية والعكس صحيح، إذ لا يوجد الإنسان خارج التجربة التي تصهره، وبهذا يضرب الروائي العربي فكرة الإنسان الكامل التي بشر بها عبثاً نتشه، والتي بدل أن تنتج الإنسان السامي والمتعالي بالمعنى الحضاري والمعرفي والثقافي صنعت نازيةً غير مسبوقة في جرائمها، وأسست لعقلية السوبرمان المتحكم في كل شيء.. صنعت رامبو الذي ينتصر على أعداء بلاده في فترة الحرب الباردة.
إن كمال ونموذجية أبطال الروائي العربي مع محفوظ، وحنا مينة، وإسماعيل فهد إسماعيل، وإلياس خوري، وأمير تاج السر، ونبيل سليمان، وبنسالم حميش، وسعود السنعوسي، وغيرهم، قاومت الشرور التي أنتجتها مجتمعات التخلف والضغينة، وانتصر الخير واستمر تحسين أوضاع بلدانهم ثقافياً وإنسانياً وفنياً، للوصول إلى نقطة اللارجوع في الدفاع عن الحق الإنساني.. من هنا فقد كان الإنسان هو محور وجوهر الفعل الروائي العربي في تعدديته ونموذجيته.
صحيفة الرؤية