المناهج النقدية
للمناهج دور كبير في العملية الإبداعية التي تنتج أدباً جمالياً و الذي هو مراد كل إنسان على وجه المعمورة منذ القدم. وهذه المناهج المقصودة هنا هي مناهج دراسة ما تنتجه هذه العملية الإبداعية من نصوص.
ويمكن أن نطلق عليها اسم “مناهج نقدية”. هذه المناهج النقدية هي الأخرى تتصف بالإبداع كالنصوص التي تدرسها، وتكون كلاما عن كلام كما يقول أبو حيان التوحيدي ويصفه بالصعب، إذ يقول: “إن الكلام عن الكلام صعب”.
المناهج النقدية مرت عبر التاريخ بمرحلتين كثيراً ما كانتا متداخلتين، والتداخل هذا من الصعوبة بمكان حل الاشتباك فيه، إلّا ان الروس استطاعوا ان يحلوه منذ أن كتبوا في الشكلية حتى امتدت وتوسعت مساحة هذه الشكلية في أوربا.
فكانت المناهج البنيوية، بشتى فروعها وتجلياتها، وما بعد البنيوية، أي مناهج النقد النصي، بعد أن كان هذا النقد يتبع طريقة واسلوب التقييم والتقويم دون أن ينسى الأمور الأخرى التي يحفل بها النوع الثاني من مناهج النقد ولكن باستحياء غير مقصود.
- تعريف المنهج لغة:
جاء في معجم لسان العرب في مادة نهج: “والمنهاج: الطريق الواضح.
المنهج اصطلاحا هو: أسلوب وطريقة في التعامل مع المواضيع مناقشة و دراسة. وبهذا يكون هو فناً وعلماً في الوقت نفسه، فن لأنه يحتاج الى مهارات شخصية، و علم لأنه تحكمه مجموعة من القواعد، والأسس. إذاً هو معرفة انسانية.
“كما أن المنهج النقدي الأدبي هو عبارة عن خطة مرسومة يسترشد بها الناقد أثناء تقويمه للعمل الأدبي، فإما يتعامل مع الأثر الأدبي والإبداعي بطريقة ذاتية انطباعية ذوقية، وإما يعتمد على طرائق علمية وصفية موضوعية لتفادي الأحكام المعيارية والتقويم الذاتي التفضيلي الذي يتغير من موقف سياقي الى آخر”.
ولما كان المنهج هو معرفة انسانية، والأدب كذلك، فإن الظاهرة الأدبية و لأنها تحتمل التأثر والتأثير ” ان كانت ظاهرة شعرية أو سردية أو… الخ ” هي فرع من الظاهرة الثقافية العليا لكل مجتمع..
فمنذ القول الأول للشعر – على مستوى العرب – كان الذي قال “نَظَم” هذا الشعر هو واحد من عارفي القبيلة، أي الذين يعرفون من كل شيء في المجتمع شيء بسيط. أو أنهم يعرفون كل شيء في المجتمع عن الشيء نفسه، أي انه مثقف القبيلة.
ولما كان الأدب – والشعر خاصة – هو نوع من أنواع التعبير عن المشاعر الانسانية كأي ظاهرة، و قد انبثق من رحم المجتمع، فإنه يحتاج الى إعادته مرة ثانية لأمه الأولى، أي الى المجتمع الذي انبثق منه.
وبهذا سيقوم المنهج بتفكيك هذا الشيء، الشعر في مثالنا، الى عناصره الأولية، لنعرف ما هي تلك العناصر، وكيف ترابطت فيما بينها، أو مع الآخر الخارج عنها، أي تناصت.
إذن الخطوة الأولى هي تفكيك العمل الأدبي، الشعر، كمثال، نفككه الى عناصره الأولية. نفكك البيت الواحد، ونصعد الى مستوى القصيدة الواحدة، ومن ثم المجموعة التي تضم قصائد كثيرة، لنعرف مدى اتساقها في قالب واحد، فكري أو فني.
علينا أن نفككه الى عناصره الأولية، حتى نصل الى أصغر جزء فيه وهو الحرف، ونعرف مدى الرابط الذي يربطه مع حرف آخر. وهذا يسري على الرواية، والقصة القصيرة، والقصيرة جداً. لنرى التغيّر الحاصل بين هذا العمل والعمل الآخر للكاتب نفسه أو لغيره.
والخطوة الثانية التي نقوم بها هي أن نقوم بإعادة بناء ما فككناه حسب ذائقة النص التي تمتح من ذائقة المجتمع، الاجتماعية، والاقتصادية، والحضارية، والثقافية بمستوياتها كافة، بعد تفكيك العمل الأدبي الى عناصره الأولية.
وعندما نقول ذائقة المجتمع فان كل شيء ينبثق من هذا المجتمع، حتى في الأدب الرمزي، أو السريالي. لا شيء من خارج ذائقة المجتمع.
بعد اتباع هذه الخطوات أمامنا طريقان لا ثالث لهما، إما أن نتبع المنهج القديم في النقد، وهو منهج التقييم والتقويم الذي يضع نفسه في مكان الحاكم العسكري.
وأما أن نتبع المنهج الجديد، المنهج النصي الذي يستقرئ النص ليستكشف ما فيه من عناصر كثيرة مترابطة مع بعضها، أو مترابطة مع عناصر أخرى من خارج النص، ودراسة علاقات الترابط بين العناصر هذه، و في كلا الخيارين علينا أن نحافظ جيداً على أن يكون العمل الابداعي بين أيدينا بعد.
على الناقد أن لا يكون شرطياً في استخدامه المنهج – أي منهج كان -، و ان لا تكون عصاه غليظة جداً، و أن لا يكون تعسفياً في تعامله مع العمل الابداعي بحيث يفلت من بين يديه. على الناقد أن لا يختار هو المنهج النقدي، بل عليه أن يترك العمل المراد تطبيق المنهج عليه هو الذي يختار هذا أو ذاك من المناهج النقدية، لأن في ذلك حرية للناقد و كذلك للمنهج عند التعامل مع النص.
داود سلمان الشويلي