1 – المنهج النقدي العربي القديم
طرح سؤال عربي قديم , ربما في الجاهلية , من أشعر الناس ؟ . وبما أن هذه الجملة تحمل قوة الاستفهام وتشويق معرفة الجواب , فإنها اقتضت موقفا متفحصا . لذلك اجتمع الشعراء والنقاد في سوق عكاظ , وتباروا بأشعارهم وحكم لهذا دون ذاك وفق الذوق العام والأعراف والتقاليد , ولذلك أيضا علقت المعلقات أو سميت كذلك ودون أن تعلق . هكذا كان حال النقد , انطباعيا إلى أبعد الحدود , الفيصل فيه المضمون قبل الشكل, والتقليد محمود , أما التجديد فبدعة.
وامتلك النقاد سلطة كبيرة دون وجه حق دون استحقاق علمي . ثم إنه نقد شفهي غير مدون وصلنا عن طريق الرواية , فاعتراه هو أيضا النحل أو الزيادة والنقص . أما النقد المدون فلم يبدأ إلا مع ظهور الأصمعي الذي كان جامعا للأشعار أكثر من كونه ناقدا في كتابه : ” الأصمعيات “.
أما أول ناقد عربي ظهر إلى الوجود فهو ابن سلام الجمحي في كتابه : ” طبقات فحول الشعراء ” حيث وضع منهجا يعد فيه بالموضوعية ونقد الشاعر بما فيه , غير مكترث لأقدمية هذا ولا لحداثة ذاك , لكنه أهمل الشعر العباسي بمبرر أن العناصر الأعجمية دخلت حلبة الشعر وعربيتها غير سليمة في أصلها .
ثم تلاه ابن قتيبة الذي اعتمد في نقده على طبيعة اللفظ والمعنى وقسمها إلى أربعة , جودة اللفظ والمعنى , وجودة اللفظ دون المعنى , وجودة المعنى دون اللفظ , ورداءة اللفظ والمعنى معا , وعلى هذا الأساس صنف الشعراء.
أما الجاحظ فقد كان ناقدا متبصرا , لكن طبيعته الموسوعية جعلته لا يعطي لهذا المجال ما يستحق من التركيز والتفرغ . ثم جاء ابن طباطبا وقدامة بن جعفر , فوجدنا الفلسفة اليونانية والمنطق وعلم الكلام يرخي بظلاله على النقد , فإذا هو أكثر دقة وأبعد عن الأهواء النفسية.
ثم جاء بعد ذلك نقاد آخرون على مر القرون لم يغيروا شيئا من واقع هذا النقد الذي ظل انطباعيا تاريخيا يهتم بالمقول أكثر من اهتمامه بآلة القول التي هي اللغة.
وربما كان عبد القاهر الجرجاني , الذي ظهر في القرن السادس الهجري , أذكى هؤلاء وأقدرهم على ابتداع منهج نقدي شبه علمي , لكن مجهوداته الكبرى لم تجد من يفهمها أو يطورها بل من يلتفت إليها.