لوسيان غولدمان أهم منظر لهذا النوع من البنيوية , وقد اصطبغت البنيوية عنده بلون جدلي ماركسي , يلخصها في نقاط الضرورة الاقتصادية والطبقات الاجتماعية والضمير الممكن , كما أن البنيوية التكوينية اعتمدت على أسس أربعة :
أ – الرؤية للعالم .
ب – الفهم والتفسير .
ج – الوعي الفعلي › الواقعي ‹ والوعي الممكن .
د – البنية الدالة .
ويعتبر مفهوم الرؤية للعالم أهم هذه الأسس , فهو رؤية جماعية تتجاوز الذات الفردية, لأنها تعبر عن فئة أو طبقة اجتماعية معينة , فهناك إذن علاقة جدلية معقدة بين الذات الإنسانية والعمل الإبداعي , مع الإقرار بأن الفئة أو الطبقة الاجتماعية هي الحاملة والخالقة في آن واحد للرؤية للعالم .
أما مفهوم البنية الدالة , فهو الذي يجعل البنيوية التكوينية بريئة من المنهج الاجتماعي البسيط الذي رأيناه, أي أنها تلتقي هنا مع البنيوية والشكلانية في مقاربة النص , لأن رؤية العالم في نظرها غير ممكنة دون مساءلة النص مساءلة لسانية عميقة , هي التي تقودنا إلى تحديد الوعي الفعلي والوعي الممكن , ومن ثم الرؤية للعالم بموضوعية , ودون أن تتدخل الذات في تحديد هذه الهوية .
وعلى الرغم مما تتهم به البنيوية من معاداتها للتاريخ والاجتماع , فإن إسهاماتها في النقد الأدبي تمثل عطاء بناءً لا ينكر , فقد أبان المنهج التاريخي عن عقمه ومحدوديته في قراءة النص , كما أبان التحليل الماركسي المرتكز على مفهوم الإنعكاس عن قصوره وتحويله العمل الأدبي إلى مجرد ظاهرة ذيلية تنتمي إلى علوم أخرى مختلفة تماما عن الأدب.
كعلم الاجتماع والتحليل النفسي مثلا , إن ما يدعو إلى العجب في المنهج البنيوي, طابعه المبني على الهدم الدائم والتفكيك والمراجعة المستمرة , وعلمية مساءلة النصوص.
أما عن التطبيقات العربية للبنيوية فهي كثيرة تبين إعجاب العرب الشديد بهذا المنهج , رغم أن هذا التطبيقات جاءت متأخرة كثيرا , فقد طبق محمد بنيس البنيوية التكوينية في بحثه ” ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب ” 1975 , وموريس أبو ناضر في كتاب ” الألسنية والنقد لأدبي ” 1979 , وعبد الكبير الخطيبي في ” الرواية المغربية ” 1971 – بالفرنسية – , وكمال أبو ديب في ” جدلية الخفاء والتجلي ” 1979 ، وسعيد علوش في” الرواية والايديولوجية في المغرب العربي” 1981 ، ومحمد مفتاح في” سيمياء الشعر ” 1982 .
وقد أتت بعد ذلك محاولات كثيرة ركزت على الخصوص تبعيتها للمنهج البنيوي التكويني ، لما يتيحه إمكانيات للشرح والتأويل ، لكن التطبيقات البنيوية العربية ، لم تكن للأسف نابعة من حاجة علمية أكاديمية يفرضها البحث وحرقة الأسئلة التي تطرحها النصوص.
بقدر ما كان الدافع هو المباهاة ومسايرة العصر والكتابة وفق الموضة وآخر طراز , وأحيانا بدافع إيديولوجي على اعتبار أن اختيار البعض للبنيوية التكوينية مرتبط بالولاء السياسي أو بسبب اعتناق الأفكار المناقضة لليبرالية المتوحشة المسيطرة على وسائل الإنتاج . وهذا ما يفسر كثرة التطبيقات العربية في إطار هذا المنهج.