هندسة العقل العربي رقمياً
يبدو اليوم أن العصب الرئيسي للممارسة الرقمية، هو التبادل المفتوح مع الآخر وهذا يعني تطبيقا عمليا لمقولة: إن التواصل الحر في الأفكار والآراء، أحد الحقوق الأكثر جوهرية بالنسبة إلى الإنسان.
ويشير المشهد الدولي إلى أن توزيع الحصص العالمي للعالم الرقمي سيكون 32 بالمئة للولايات المتحدة و19 بالمئة لأوروبا الغربية و13 بالمئة للصين، و4 بالمئة للهند، و32 بالمئة لبقية أنحاء العالم. ومن المتوقع أن تقوم الصين وحدها بتوليد 22 في المئة من البيانات في العالم بحلول 2020.
لكن الهجمات الإلكترونية ستسبب خسائر اقتصادية تقدر بـ3 آلاف بليون دولار بحلول عام 2020، في حال لم تتخذ الحكومات التدابير اللازمة، وذلك استنادا إلى تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. وفي الوقت الحالي يستطيع ثلث سكان العالم الاستفادة بطريقة أو بأخرى من الإنترنت فيما يظل قرابة خمس مليارات من سكان العالم يعيشون خارج نطاق العالم الافتراضي الرقمي.
ويتفق الجميع على أن التجديدات التكنولوجية والصناعية الرقمية غيّرت بشكل عميق طرق عملنا، لكن التغيير الحاصل مرشح للتعمّق والتجذّر خلال السنوات العشر المقبلة. فاليوم أصبح الوصول إلى المعلومات والثقافة والعلاقات الاجتماعية والعمل والسياسة والتربية والصحة متاحا أمام شرائح كبيرة من المجتمعات المتقدمة والنامية. وهذا كله عبر التكنولوجيات الرقمية التي لا تزال في بداياتها. وإذا كانت شبكة الإنترنت اليوم رهانا اقتصاديا بالدرجة الأولى، فإنها ستكون رهانا اجتماعيا، خلال السنوات المقبلة.
وهناك توقعات لعام 2020، بأنه سيشهد ظهور تقنيات عديدة ستغير حياتنا تدريجيا ولكن بشكل جذري في المستقبل، وستصبح الإنترنت جزءا من الواقع وستكون كل المعلومات متاحة في الفضاء في ما يعرف بـ”الواقع المضخم” أو “المعزز”، فأينما اتجه الإنسان فسيجد المعلومات عن كل شيء، كما سيحمل الناس أيضا شرائح تمكنهم من الانتقال من الحياة الاصطناعية إلى الواقع الحقيقي.
ودون شك فإن الرقميين قادمون لا محال في غضون سنوات قليلة بعد أن تسيطر التقنية المتقدمة على نظام الحياة اليومية، وتذوب الفوارق بين الأجيال خاصة في العالم النامي، حيث سيبدأ عالم الإنسان المعرف بالرقم وليس بالاسم، أو ربما هذا ما تبقى بالفعل بعد أن تحول كل شيء في حياة الإنسان المعاصر إلى أرقام لا يستطيع التحرك أو العمل أو الانخراط في الحياة دونها بدءا من رقم السيارة التي يقودها والهوية التي يحملها مرورا برقم حسابه في المصرف وانتهاء بأرقام جواله ومسكنه.
وستلعب التكنولوجيا الرقمية دورا مهما ومميزا في العالم العربي، وسيكون لهذا الجيل أثر كبير بعد عمله لـ10 أعوام وإسهامه في تطوير أجهزة وتطبيقات جديدة، حيث سيؤثر ذلك في سلوكياته في الحياة، نظرا لأنه دائم الوجود على الإنترنت، ولا يكترث بخصوصيته الرقمية، لأنه بحاجة إلى مشاركته الحياة مع الآخرين عبر المنصات المختلفة.
إن أغلب الاقتصادات العربية أخفقت في توفير الظروف اللازمة لتضييق فجوة التنافس في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات مع الاقتصادات المتقدمة، ولم تتمكن من تحويل الاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى تحسن ملموس في ما يتعلق بالتنافسية والتنمية والتوظيف. وهو ما يُضاف إلى الفجوة الرقمية القائمة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية في الوصول إلى البنية التحتية الرقمية والمحتوى.
وسيكون لزاما على هذه الحكومات أن تضع سياسات للتعامل مع العالم الواقعي وأخرى للعالم الافتراضي بما فيه من فرص وتحديات وأخطار. ليس من الضروري أن تكون هاتان السياستان “الواقعية” و”الافتراضية” متناغمتين غير أن التكامل بينهما من الأمور المطلوبة.
وباختصار، فإن العقل العربي، أمامه تحديات استكشاف العالم الرقمي، والتفاعل معه بطريقة علمية، تمحو عنه تناقضات البيئة العربية، وثقافة القبائل والطوائف، والدخول إلى عالم إنساني رحب، حيث تتفاعل البشرية مع بعضها، وتتأسس أفكار جديدة، لعقول رقمية تصنع مستقبل الأمة.
وقد قيل، لا يستحق أروع ما في المستقبل، إلا من استعد له بأفضل ما في الحاضر!