رقمنة ومعلوميات

حتى لو كان الروبوت مخطئاً، فإن الناس سيتبعونه في حالة الطوارئ

 

يوضع طالب جامعي في مكتب صغير مع روبوت ليملأ استبياناً أكاديمياً. و فجأة، يعمل جرس الإنذار و تمتلئ القاعة في الخارج بالدخان. على الطالب أن يتخذ قراراً سريعاً: إما أن يهرب بواسطة المخرج الواضح الذي كان قد دخل المكتب بواسطته، أو أن يتجه في الاتجاه الذي يشير إليه الروبوت، من خلال بوابة غامضة وفي مسار غير معروف.

كان هذا الموقف الحقيقي الذي وُضع فيه 30 طالب في إطار تجربة أُجريت مؤخراً في معهد جورجيا للتكنولوجيا (Georgia Institute of Technology) في أتلانتا (Atlanta). وفوجئ الباحثون بالنتائج: اختار الجميع تقريباً أن يتبع الروبوت – بالرغم من أنه كان في الواقع يأخذهم بعيداً عن المخرج الحقيقي.
يقول بول روبينيت (Paul Robinette)، الطالب الدراسات العليا الذي يرأس هذه الدراسة:

“لقد تفاجئنا بالنتائج، لم نتوقع أن تكون هناك ثقة كافية بالروبوت، و توقعنا أن يتوجب علينا أن نفعل شيئاً لنثبت أن الروبوت أهلٌ للثقة.”

تشكل هذه النتائج غير المتوقعة لغزاً آخر يعاني علماء الروبوت من أجل حله. إن لم يثق البشر بالروبوتات فغالباً لن تنجح الأخيرة في مساعدتنا بالهروب من الكوارث أو باتخاذ القرارات في العالم من حولنا. ولكننا أيضاً لا نرغب بأن يتبع الناس تعليمات الآلات المضرة أو المصابة بخلل ما. مازالت طبيعة العلاقة بين الروبوتات والبشر غير مفهومة بالنسبة للباحثين.

استخدم فريق روبينيت في دراسة الطوارئ نسخة معدلة من الروبوت (Pioneer P3-AT) الذي له شكل علبة اسطوانية صغيرة مع عجلات وذراعَين مُضاءين ليشير بواسطتهما. يتبع كل مشترك الروبوت بمفرده في ممر إلى أن يشير الروبوت إلى الغرفة التي سيدخلها المشترك. بعد ذلك يقوم بملئ استبيان لتقييم مهارات الروبوت في التجول والقيادة، ويقرأ مقالاً من مجلة. تتم محاكاة حالة الطوارئ عن طريق إصدار دخان صنعي وحساس دخان من شركة First Alert.

اختار 26 مشتركاً من أصل 30 أن يتبعوا الروبوت عند حدوث حالة الطوارئ. وتم إقصاء مشتركَين من الأربعة الباقين من الدراسة لأسباب غير متعلقة بهذا الأمر، فيما بقي المشتركان الآخران في الغرفة ولم يغادروا.

  • ثقة في مكان غير مناسب؟

تقترح نتائج هذة الدراسة أنه عندما تخبر الناس أن الروبوت مصمَم لأداء مهمة معينة –كما كان الحال في هذه التجربة- فغالباً ما يثقون بقدرته على أدائها تلقائياً، كما يدعي الباحثون. بكل تأكيد، ففي إحصائية تمت بعد أن انتهت حالة الطوارئ المزيفة، صرح العديد من المشتركين بأن السبب الذي دفعهم للحاق بالروبوت بالتحديد هو أنه يحمل لافتة تحذيرية كُتب عليها “روبوت مُرشد لحالات الطوارئ.”

سيتم تقديم هذا العمل في شهر مارس في المؤتمر العالمي للتفاعل بين البشر والروبوت ل ACM/IEEE (the ACM/IEEE International Conference on Human-Robot Interaction)، في مدينة كريستشرش (Christchurch)، نيوزيلندا.

يشبه روبينيت هذه العلاقة بالطريقة التي يتبع بها سائقو السيارات الطرق غير المألوفة التي تشير إليها أجهزة تحديد المواقع GPS التي يمتلكونها. حيث يقول “طالما يتمكن الروبوت من إيصال ما يقصده بطريقة ما، فإن الناس غالباً ما ستثق به في معظم المواقف.”

تقول هولي يانكو (Holly Yanco)، التي تدرس التفاعل بين البشر والروبوت في جامعة ماساتشوسيتس لويل (University of Massachusetts Lowell) “لقد ذهلتُ بأن الجميع قام باتّباع الروبوت”. وتتسائل فيما إذا كان السبب الذي دفع الناس للوثوق بالروبوت في تلك اللحظة هو كونهم في حالة طارئة و ليس في مهمة مختبرية اعتيادية. كما تقول “قد يكون السبب هو أنهم اعتقدوا أن الروبوت يحمل معلوماتٍ أكثر منهم فقط.”

إلى أي حد يمكن لهذه الثقة العمياء أن تصل؟ في سلسلة من التجارب اللاحقة، وضع روبينيت و زملاؤه مجموعات صغيرة من الناس تحت نفس التجربة، ولكن مع إضافة بعض التعديلات. حيث أن الروبوت يتوقف عن العمل أو يقف ساكناً في مكانه خلال المرور الابتدائي في الممر أحياناً، مما يدفع أحد الباحثين للخروج و الاعتذار بشأن أداء الروبوت الضعيف. ولكن حتى مع ذلك فقد اختار الجميع تقريباً أن يتبعوا الروبوت عند حالة الطوارئ.

كما وأنه في تجربة أخرى لاحقة، يشير الروبوت إلى غرفة مظلمة والباب المؤدي إليها شبه مسدود بواسطة قطعة من الأثاث. حاول اثنان من أصل ستة مشتركين المرور من خلال العوائق بدلاً من الذهاب في المسار الواضح إلى الخارج.

إن الثقة الزائدة بالروبوتات يمكن أن تشكل مشكلة حقيقية، حيث تقول كريستين دوتينهان (Kerstin Dautenhahn) من جامعة هيرتفوردشاير (University of Hertfordshire) في المملكة المتحدة “ستحوي كل قطعة برمجية بعض الأخطاء دائماً. إنه بكل تأكيد من المهم جداً أن نأخد بعين الاعتبار ما يعنيه هذا بالنسبة لمصممي الروبوتات، وكيفية تصميم روبوتات بطريقة تضمن أن تكون حدود هذه الأخطاء واضحة.”


يرجى الاطلاع على المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page