أخبار ومتابعات

جائزة أفضل بحث دكتوراه في جامعة ستراسبورغ ينالها الباحث السوري د. أنطون العبسي

 

_هل من الممكن أن تعطينا لمحة عن سيرتك المهنية؟

بعد حصولي على الشهادة الثانوية قررتُ دخول كلية الصيدلة في الجامعة العربية الدولية، وكنت من الدفعة الأولى للجامعات الخاصة السورية.

وفي أثناء دراستي الجامعية، نلتُ فرصة المشاركة في رحلة علمية إلى ألمانيا مع الجامعة للاطلاع على مخابر الأبحاث العلمية مع الجامعات الشريكة. وسافرتُ بعد التخرج إلى مدينة ستراسبورغ في فرنسا وحصلت فيها على شهادة الماستر في علوم الأدوية (Pharmacology) وعلى دبلوم في الأبحاث السريرية أيضًا.

بعدها بدأتُ شهادة الدكتوراه والبحث العلمي عن سرطان الثدي، وتمت رسالتي الدكتوراه بين جامعة ستراسبورغ في فرنسا وأحد مخابر البحث العلمي في لوكسمبورغ. انتهيت من شهادة الدكتوراه، ومن ثم بدأت العمل في شركة حديثة تهتمّ بتوفير طرائق جديدة لمعرفة الدواء المناسب لكل مريض سرطان.

_ كيف اخترت مجال عملك؟ وكيف وقع الاختيار على هذا التخصص؟

كان لأبي الأثرُ الأكبر؛ إذ إنه درس الصيدلة وعمل أكثر من ٤٠ سنة في هذا المجال؛ مما جعلني أقضي كثيرًا من الوقت في صيدليته أو في معمل مستحضرات التجميل الخاص به.

أما فيما يخص اختيار الأبحاث العلمية وخاصة مجال السرطان، فيعتمد اختياري هذا المجال على الصفة الأهم عند الباحث؛ الفضول لمعرفة ما ليس مكتشَفًا بعد، فهدفُ كل باحث هو اكتشاف شيء جديد والمساهمة في التطور العلمي.

_ هل يمكن أن تحدّثنا عن المصاعب التي واجهتها؟

سافرت إلى فرنسا قبل الحرب وحينها لم أواجه أي مصاعب.

كانت دراسة الصيدلة والبدء بالدراسات العليا أمرًا ممتعًا على الرغم من صعوبته. ولكن بدأت المصاعب بالتهافت بعد الحرب؛ إذ أصبح من الصعب لسوريّ الجنسية أن يجد فرصة عمل أو مشروع دكتوراه، إضافةً إلى الأوضاع المادية السيئة التي عاشها الجميع.

إن البحث العلمي مجالٌ صعبٌ للغاية ويفرض كثيرًا من الضغط والقلق. وقد كانت الصعوبة الأكبر في تحمُّل ضغط الدكتوراه في حين يعيش أهلي وأصدقائي أسوأ الظروف في سورية على الأصعدة جميعها.

لذا؛ كان الحل الوحيد لأقدّم شيئًا بسيطًا إليهم هو المتابعة بالأبحاث وعدم الاستسلام تحت الضغط.

_ ما الصعوبات التي واجهتها في سفرك ودراستك بلغة مغايرة للغتك الأم؟

لم تواجهني أيّة صعوبات فيما يخص اللغة، فدراسة اللغات هوايةٌ بالنسبة إليّ. وقد أتقنتُ الفرنسية والإنجليزية قبل السفر وفي أثناء دراستي في المدرسة والجامعة وأتكلمهما بطلاقة، إضافةً إلى أنني درست في دمشق اللغةَ الألمانية والإسبانية.

وواجهتني بالتأكيد بعض الصعوبات البسيطة، ولكن؛ كان الأساتذة جميعهم وأصدقائي في الجامعة في فرنسا بجانبي.

_ عمَّ تتمحور أبحاثك العلمية؟ وكيف يمكن للأبحاث عمومًا أن تساهم في تطور البلاد؟

تتمحور أبحاثي العلمية عن دراسة مرض سرطان الثدي، ففي السنوات العشر الأخيرة طرأ تطور كبير في أدوية السرطان؛ إذ بدأ العمل بالأدوية الموجَّهة والأدوية المناعية.

ويعتمد العلاج المناعي على حثّ الجهاز المناعي للمريض وتفعيله بعدة طرائق بهدف تقوية الخلايا المناعية لتقاوم السرطان الناشئ أو السرطان الممتد.

وقد أبدت هذه الدراسات والأدوية فاعليةً كبيرةً للقضاء على الخلايا السرطانية مع آثار جانبية أقل من العلاجات الكيميائية والإشعاعية. وللأسف لا تزال مقاومة الخلايا السرطانية -ولا سيما سرطان الثدي- لهذين النمطين من العلاج كبيرة.

إنّ الهدف الرئيسي من بحثي العلمي هو اكتشاف دور بروتين مهم موجود في الخلية في جعل الخلية السرطانية خلية مقاومة، واستطعنا إثبات أن هذا البروتين مهم جدًّا في عملية المقاومة وأنّه يجب على أي دواء مناعي جديد الانتباهُ لهذا البروتين. علمًا أنه قد تساعد إمكانيّة استهدافه عديدًا من المرضى على تخطي مقاومة الأدوية.

أما تطوُّر البلاد فهو لا يُقاس فقط بالأموال أو بالأسلحة التي تمتلكها، بل بأبحاثها العلمية ومراكز هذه الأبحاث؛ إذ تتبارى الدول الحديثة والمتطورة فيما بينها في إنتاج عدد أكبر من الأبحاث كل سنة.

ويعدُّ تطوير المناهج والمدارس والجامعات وتطوير مناهج البحث العلمي والمستشفيات واحدًا من أهم عوامل تطور الدول كلها؛ ليس فقط تطور الأبحاث الطبية، بل الأقسام جميعها كالكيمياء والفيزياء والرياضيات وغيرها.

_ حدِّثنا عن جائزتك الأخيرة، وكم كلفتك من مشقّات حتى وصلت إلى المرتبة الأولى؟

قبل الحديث عن الجائزة الأخيرة أودُّ الحديث عمّا حصل في أثناء دراستي الصيدلة وفي المدرسة؛ كنتُ من الناجحين والمتفوّقين دائمًا، ولكن لم أكن يومًا من الأوائل مع درجات تامّة. وقد كنت مدركًا دائمًا أنّ النجاح ليس بالدرجات المرتفعة، وخاصة في الشهادة الثانوية.

إنّ من أسوأ العادات في مجتمعنا هي عادة الأهل إجمالًا بإجبار الطالب على نيل الدرجات التامة وإحساسه بالذنب إذا لم يكن من المتفوّقين. وكنتُ محظوظًا أنّ عائلتي لم تكن من هذا النمط، بل كنت أحصل دائمًا على دعمهم.

وفي أثناء دراستي الجامعية، كانت أهم جملة سمعتها من عميدة الكلية “د. وفيقة زرزور” حين قالت لي إنّ الدرجات التامة ليست بالضرورة مقياسًا لتقييم نجاح الأشخاص.

ولم يكن هدفي أبدًا الحصول على المراتب الأولى ولكنّ هدفي أن أؤدي ما أحبّ بشغف. وبناءً على هذا الأساس حصلت على أوّل جائزة؛ جائزة أفضل طالب دكتوراه في لوكسبمورغ للعام ٢٠١٧، وأخيرًا جائزة أفضل بحث علمي في جامعة ستراسبورغ للعام ٢٠١٨.

_ ما أهدافك المستقبلية؟

لا أخطط تخطيطًا بعيدًا، فأنا أفضل التخطيط القريب وإنجاز الأمور التي أنجزها في هذه الفترة على أتمّ وجه.

أعمل حاليًّا في شركة في بلجيكا على تطوير تحاليل جديدة لكشف الدواء الأفضل لكل مريض سرطان؛ إذ يتّجه العالم الآن إلى العلاج التخصُّصي؛ أي معرفة الدواء المناسب لكل مريض سرطان وإعطائه إياه حسب حالته. وهدفي أن أتمكّن من تطوير هذه التحاليل بسرعة أكبر وفعالية أكثر مع استمراري بالعمل على الأبحاث العلمية.

_ في رأيك؛ كيف يمكننا زيادة تمكين الشباب السوري في المجال العلمي عمومًا والطبي خصوصًا؟

إن أهم النقاط هي التركيز على تطوير المناهج في الجامعات وحثّ الطلاب على البحث العلمي؛ ليس فقط عند كتابة أطروحة التخرج، بل عن طريق إدراج البحث العلمي في السنوات الدراسية جميعها. ويجب على الطالب أن يتعلّم أسلوب البحث العلمي الصحيح وقراءة عديد من المراجع.

والأمرُ الأهم هو تطوير البحث العلمي في سورية والدعم المادي لهذه الأبحاث في الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة بالتعاون مع شركات الأدوية؛ إذ يجب على الطالب أن يشارك في أثناء دراسته في عدة أبحاث ليتعرّفَ البحث العلمي. ولكن؛ للأسف يصعب تحقيق هذا في الوقت الراهن في سورية، ويقع على عاتق جامعاتنا الدورُ الأكبر بتطوير نفسها وتطوير البحث العلمي كي يستطيع الطالب أن يكون باحثًا بعد التخرج.

_ ما رأيك إزاء الأعمال التطوعية وأثرها في الفرد والمجتمع؟

أثّرت الأعمال التطوعية على نحو كبير فيَّ شخصيًّا، فقد كنت منذ صغري في كشّاف “سواعد المحبة”؛ مما ساهم بشدة في بناء شخصيتي، كذلك دعمتني مسيرتي مع الكشّاف وحثّتني على الأعمال التطوعية أكثر وأكثر لمساعدة الناس.

وكنت متطوِّعًا أيضًا في الهلال الأحمر الفلسطيني في فترة دراستي الجامعية.

وعند سفري إلى فرنسا؛ كان لي الحظ الكبير بالتطوُّع في منظمة “الباحثون السوريون” التي كانت في أوّل طريقها والعمل على ترجمة المقالات الطبية لجعل العلم الصحيح وغير الزائف في متناول الجميع.

ولِيَ الشرف بتقديم دورة تدريبية عن الخلية السرطانية بالتعاون بين “الباحثون السوريون” ومنصّة “إدراك” الأردنية في محاولة تطوعية بسيطة لنشر العلم عن مرض السرطان.

_ ألديك أية رسالة تودُّ توجيهها إلى الطلاب الموجودين في المجال الطبي؟

أهمُّ رسالة يمكن توجيهها هي أنّ كل شخص قادر على الوصول إلى ما يحلم به.

إن الدرجات العالية في المدرسة والجامعة لا تصنع بالضرورة الطريقَ إلى النجاح، فيمتلك كل طالب في المدرسة أو في الجامعة الإمكانيةَ للوصول إلى ما يطمح به إذا استطاع العمل على بناء شخصيته وتمكين معلوماته العلمية.

وقد كان يسبِق حصولي على كل جائزة أو قبول جامعي أكثرُ من رفض؛ إذ تقدّمت بأكثر من ٢٠٠ طلب دكتوراه حتى قُبِلتُ عام ٢٠١٤.

أما على الصعيد العلمي والطبي، فيجب على كل طالب أن يُتقِن اللغة الإنكليزية لأنها اللغة العلمية المعتمَدة في الأبحاث. كذلك يجب عليه أن يقرأ كثيرًا من المقالات العلمية وأن يتعلّم كيف يميّز بين العلم الزائف والعلم الصحيح الذي يعتمد على مراجع وأبحاث علمية معتمدة.

وفي النهاية؛ يمتلك عديدٌ من الشباب أحلامًا كثيرة وقد يرَون أنّه من المستحيل تحقيقها، ولا سيما في الظروف التي تمرُّ بها سوريا. ولكن؛ يومًا ما سيصلون إلى ما يطمحون به إذا اجتهدوا بإصرار وشغف.

رابط ملخص البحث :
http://cancerres.aacrjournals.org/content/early/2018/08/08/0008-5472.CAN-18-0441?fbclid=IwAR3DSa8vXLuafQxDVarsWUCxYeCoW-vyx2D5aZj1gi2H7pSZWYmzGPMAr3g


المصدر : منظمة الباحثون السوريون”

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى