ترجمةلسانيات

الترجمة وإشكالات ما لا يمكن ترجمته

  • تقديم:

تسعى هذه الدراسة الأكاديمية إلى تفكيك واحدة من أعقد الإشكالات التي لازمت حقل الترجمة منذ نشأته، والمتمثلة في إشكالية «ما لا يمكن ترجمته». تنطلق الورقة من الوعي بأن الترجمة ليست مجرد نقل لغوي بين نظامين دلاليين، بل هي (فعل معرفي وثقافي) يتقاطع فيه الفهم اللغوي بالتصور الفلسفي، حيث يصبح «اللامترجَم» فضاء يكشف حدود اللغة وطاقتها في تمثيل المعنى.

تستند الدراسة إلى الخلفيات النظرية التي رسّخها “فالتر بنجامين في نصه المرجعي «مهمة المترجم»، والذي أعاد صياغة مفهوم الترجمة بوصفها (تواصلا ميتالغويا) يتجاوز الإحالة المباشرة نحو بحثٍ في جوهر المعنى وإمكانات التعبير عنه في لغات متعددة.

وتُبرز الورقة كيف تحوّل هذا التصور إلى منطلق فلسفي وثقافي أثّر في اللسانيات الحديثة ودراسات الترجمة المعاصرة، خاصة في مقاربات ما بعد البنيوية والتفكيكية.

كما تتناول الدراسة بإمعان قضية “ترجمة الاستعارة، بوصفها أحد أكثر مظاهر اللغة مقاومة للنقل بين اللغات، وذلك في ضوء (نظرية الاستعارة التصورية) التي ترى في الاستعارة بنية فكرية قبل أن تكون ظاهرة لغوية. ومن هذا المنظور، تبيّن الورقة أن ما يبدو “غير قابل للترجمة” لا يعود إلى قصور لغوي، بل إلى (اختلاف في النماذج الإدراكية والثقافية) التي تشكّل المعنى في كل لغة.

وبذلك، تقدم الدراسة مقاربة فلسفية ولسانية متكاملة لمفهوم «ما لا يمكن ترجمته»، محاولة استكشاف حدوده النظرية وآثاره العملية على فعل الترجمة ذاته، وعلى وعي المترجم بوظيفته المعرفية في نقل المعنى بين الثقافات دون أن يُفقده عمقه المفهومي أو رمزيته الثقافية.

تخلص الورقة في نهايتها إلى أن إدراك المترجم لهذه الفجوات المفهومية هو ما يتيح له تجاوز حدود اللغة نحو أفق ترجمي خلاق، يعيد إنتاج المعنى دون إخلال بروحه أو تفريغ رمزيته الثقافية.

سعيد الحنصالي

سعيد الحنصالي: أستاذ اللسانيات والترجمة بمعهد الدراسات والأبحاث للتعريب، جامعة محمد الخامس – الرباط. يُعدّ الأستاذ سعيد الحنصالي أحد أبرز الأسماء الأكاديمية المغربية في حقل البلاغة واللسانيات التطبيقية والترجمة وتحليل الخطاب، حيث يجمع في مساره بين البحث النظري والانشغال العملي بقضايا الإعاقة والتعليم الدامج والاضطرابات العصبية اللغوية. ترأس لأكثر من عقدٍ فضاء المسار للتثلث الصبغي 21 بالرباط، كما اضطلع إلى غاية سنة 2022 بمهمة تنسيق المركز الوطني للرصد والدراسات والتوثيق في مجال الإعاقة. ويشغل عضوية المجلس الإداري واللجنة العلمية لمؤسسة تسيير المركز الوطني محمد السادس للمعاقين، فضلا عن كونه عضوا مؤسسا في كل من المجلة الإلكترونية "رباط الكتب" وبيت المترجمين الأدبيين الدولي في المغرب. تركّز أبحاثه الراهنة على التقاطعات بين اللغة والدماغ، وعلى تحليل الخطاب العلمي والتربوي من منظور دمجي وإنساني، مع اهتمام خاص بطرائق التدريس المراعية للفروق العصبية والمعرفية. صدر له عدد من الأعمال المترجمة والمؤلّفة، من أبرزها: *تراتيل متوسطية لبدراك ماتفيجيفيتش، دار توبقال، 1999. *كيف نفكر في الفن الإسلامي لأوليغ كرابار، دار توبقال، 1997. *مصادرة الكلمات والصور والأزمنة لماري جوزي مونزان، دار أبي رقراق، 2018. *مديح الترجمة لباربارا كاسان، دار توبقال، 2019. *الاستعارات والشعر العربي الحديث، دار توبقال، 2005. *نصوص من الثقافة المغربية الحديثة، دار أبي رقراق، 2017. *طرائق تدريس الأطفال التوحديين: من أجل دمج فعلي (بالفرنسية)، بالاشتراك مع أحمد أيت إبراهيم ومصطفى بوعلي، المنشورات الجامعية الأوروبية، 2022. *دليل الإعاقة والإعلام، منشورات المركز الوطني محمد السادس للمعاقين، 2025. *بين اللغة والدماغ: مسارات الإدراك في طيف التوحد ومتلازمة داون واضطراب التعلم، 2025. *خرائط المعنى: الترجمة بين اللغات والذكاءات، 2025. ينتمي الأستاذ سعيد الحنصالي إلى جيل من الباحثين الذين يجسّدون التفاعل الخلّاق بين العلوم الإنسانية والعلوم العصبية، ويعتمدون الترجمة والتعليم الدامج أدواتٍ لفهمٍ أعمق للإنسان ولغته ووعيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى