اقتباساتطرائف ونوادر العرب

جحا وإدارة الأزمات

تحمل القصص الشعبية في طياتها دلالات أبعد من الترفيه، إذ يمكن النظر إليها كمرآة تعكس آليات التفكير الاجتماعي والسياسي. ومن أبرز هذه الحكايات، قصة الرجل الذي لجأ إلى جحا يشكو ضيق العيش في غرفة واحدة مع زوجته وأطفاله وأمه وحماته.

اقترح جحا أن يزيد الرجل من ازدحام الغرفة عبر إدخال حمار، ثم خروف، ثم دجاجة، الأمر الذي جعل الوضع أكثر سوءا. لكنه ما إن باع هذه الحيوانات وعاد إلى وضعه الأول حتى شعر بالارتياح وشكر جحا بحرارة.

هذه القصة، على بساطتها، تكشف عن آلية إدارة الأزمات: حيث تُفتعل مشكلات جديدة أشد قسوة من المشكلة الأصلية، حتى يبدو الوضع الأولي وكأنه أفضل بكثير. هكذا يتعلم الإنسان – أو المجتمع – قبول الواقع والتكيف معه، بل والشعور بالامتنان تجاه من تسبب أصلا في خلق الأزمة أو تعقيدها.

وعند إسقاط هذه الحيلة الرمزية على السياسة، نجد أنها تعكس طريقة تعامل بعض الأنظمة والحكومات مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية: يتم تضخيم الأزمات أو خلق بدائل أشد قسوة، حتى يغدو المواطن راضيا بالحد الأدنى من الحقوق أو الخدمات، ظانا أنه تحسّن نسبي، بينما المشكلة الجذرية لا تزال قائمة.

إن قراءة هذه القصة من منظور الفكر السياسي وإدارة الأزمات يكشف عن جوهر مهم: ليست الأزمات دائما قدرا محتوما، بل قد تكون أحيانا أدوات لإعادة تشكيل وعي الجماهير وتوجيههم نحو القبول بما هو قائم.

  • الخلاصة:

قصة جحا والرجل الذي أثقل عليه ازدحام الغرفة ليست مجرد طرفة، بل درس عميق في فهم آليات التحكم في الوعي وإدارة الأزمات. فهي تكشف أن المشكلات لا تُحل دائما بالمعالجة المباشرة، بل أحيانا بالالتفاف وصناعة أزمات بديلة تجعل الناس يقبلون بالواقع المرهون، وهو ما يضعنا أمام ضرورة وعي نقدي يحمي المجتمع من تكرار السيناريوهات السياسية المماثلة.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى