ازدحام الفصول .. أزمة نقص المباني المدرسية في مصر
أزمة سنوية متكررة في مصر، ففي حين يزداد عدد التلاميذ سنوياً، لا تبنى مدارس جديدة بالوتيرة اللازمة، ما يجعل الفصول في حالة ازدحام كبير جداً
نقص المباني المدرسية أزمة كبيرة تواجه قطاع التعليم ما قبل الجامعي في محافظات مصر كافة، وتشهد على عجز الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم عن الحلّ، بذريعة عدم توفر أراضٍ صالحة للبناء.
لكنّ بعضهم يرى أنّ التدابير المالية الكبيرة والكلفة العالية وراء الإحجام عن بناء مدارس إضافية تدخل إلى الخدمة سنوياً لتستوعب زيادة أعداد التلاميذ، فما يجري الآن يقتصر على عمليات تجديد المدارس القديمة، وقد أدت تلك الأزمة إلى زيادة اكتظاظ التلاميذ في الفصول، ليصل عددهم في الفصل الواحد إلى بين 70 و100، وتمديد الدوام الدراسي إلى فترتين، وربما إلى ثلاث فترات في بعض المدارس، وهو ما يمثل أزمة كبيرة في ظل قلة عدد المدرسين، ليصل الأمر إلى حدّ تسريح بعض التلاميذ، وعدم لحظ هذا التسريح في دفتر الغياب، بعلم من الجهات التعليمية المسؤولة.
المتابع للعملية التعليمية في مصر يجد أنّ هناك تزايداً بأعداد تلاميذ ما قبل التعليم الجامعي، تقابله قلة في أعداد المدارس. وتشير تقارير تابعة للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة (حكومي) إلى أنّ وزارة التربية والتعليم تعاني من ارتفاعٍ في كثافة التلاميذ في الفصول، نتيجة النقص الحاد في المباني التعليمية مع الزيادة غير العادية في أعداد التلاميذ سنوياً، إذ بلغ عدد التلاميذ في بعض الفصول 100.
وهي مشكلة ممتدة في مختلف المحافظات، خصوصاً محافظات القاهرة الكبرى؛ القاهرة، والجيزة، والقليوبية، وكذلك محافظات الإسكندرية والدقهلية والشرقية والفيوم وكفر الشيخ، وعدد من محافظات الوجه القبلي. وأكدت التقارير أنّه ليس هناك أيّ انخفاض في كثافة التلاميذ ولا حلّ للمشكلة بعد، كما لا تتوفر الأراضي الخالية لبناء مدارس جديدة في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة لا سيما العشوائيات التي تعتبر الأكثر احتياجاً إلى المدارس.
وهو ما يعني أنّ الحكومة ما زالت في حاجة ماسّة إلى زيادة عدد الفصول المدرسية التي يجري إنشاؤها سنوياً. ويمثل ازدحام الفصول الدراسية في المدارس المصرية، عائقاً أمام تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة، خصوصاً في مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي (السنوات التسع اللاحقة على رياض الأطفال، والسابقة للمرحلة الثانوية).
أما المدارس المؤجرة فهي أزمة إضافية، لا سيما في القاهرة الكبرى، كونها متهالكة، وتتنتشر فيها الحشرات الضارة، إذ إنّها مبانٍ قديمة مقامة في المجمل. وفي هذا الإطار، يؤكد مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم، أنّ تخلّي الوزارة عن تلك المدارس المؤجرة يمثل أزمة كبيرة بالنسبة لها، كونها ستضغط على مدارس أخرى في زيادة عدد التلاميذ، فيما التجديد الذي يجري سنوياً في تلك الأبنية القديمة هو من جيوب أولياء الأمور من تبرعات يتم فرضها عليهم، مؤكداً أنّ أولياء الأمور يطالبون بإغلاق تلك الأبنية التعليمية لخطورتها.
لكن هناك تعليمات حكومية بعدم تسليم تلك المواقع لأصحابها، حتى في حال صدور أمر قضائي، لعدم توفر البديل، موضحاً أنّ اللجوء إلى بناء فصول جديدة لاستيعاب الزيادات مكلف جداً، سواء في ما يتعلق بكلفة توفير الأراضي وبناء الفصول وتجهيزها، أو تعيين معلمين جدد للوفاء باحتياجات هذه الفصول الجديدة.
من جهتهم، يعتبر عدد من مديري المدارس أنّ هناك أزمة كبيرة تواجه المدارس الحكومية هذا العام في المحافظات المصرية، وهي تنامي الانتقال من المدارس الخاصة إلى الحكومية، برغبة كبيرة من أولياء الأمور، وذلك لسببين؛ الأول هو الزيادة الكبيرة في النفقات الدراسية بالمدارس الخاصة، والثاني اتجاه الوزارة إلى تقليل فترات الدراسة إلى يومين فقط في ظل أزمة فيروس كورونا، وهو ما فضّل معه بعض أولياء الأمور المدارس الحكومية على الخاصة، وهو الأمر الذي يؤكده مدير إحدى المدارس ويدعى “حسن م.”، مشيراً إلى أنّ مشاكل كثيرة تلحق بالجميع في العام الدراسي الجديد، سواء المدرسين أو التلاميذ أو أولياء الأمور.
كذلك، فإنّ من بين المشاكل عدم توفر مستلزمات التعليم الحديث وتأهيل المعلمين، ويقول “م.” إنّ التعليم الحديث عبر التكنولوجيا الذي تنادي به وزارة التربية والتعليم يحتاج إلى عدد قليل من التلاميذ في الفصل، كما زيادة أعداد الفصول لاستيعاب الأعداد المتزايدة من التلاميذ، وهو ما لا يتوفر في معظم المدارس، خصوصاً بعد انتقال أعداد كبيرة من التلاميذ من التعليم الخاص إلى الحكومي في السنوات الأخيرة.
يقول مدير مدرسة آخر رمز لاسمه بـ”أحمد الشاذلي” إنّ تكدس الفصول بالتلاميذ خصوصاً في المرحلة الابتدائية الذي وصل إلى أكثر من 70 تلميذاً في الفصل الواحد، هو عنوان العام الدراسي الجديد، وهو من عوائق العملية التعليمية، مشيراً إلى أنّ بعض المدارس سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية بالإدارات التعليمية بالمحافظات، أقامت مبانيَ مدرسية جديدة داخل أفنية المدرسة، وهو ما يعد اعتداء على ممارسة الأنشطة الرياضية للتلاميذ داخل المدارس، موضحاً أنّ وزارة التربية والتعليم تزعم عدم توفر أراضٍ لبناء المدارس، وهو أمر مرفوض، إذ إنّ أراضي الدولة متوفرة في كلّ منطقة بالمحافظات، والوزارة خلال السنوات الأخيرة بدأت تعتمد على رجال الأعمال والتبرعات فقط في شراء الأراضي وبناء المدارس.
يضيف أنّ مشاكل الالتحاق بالمدارس، خصوصاً في المرحلة التمهيدية والصفوف الأولى، تمثل صداعاً مستمراً للمدارس، في ظلّ التعليمات بقبول كلّ من تنطبق عليه شروط السن، وهو أن يكون عمر التلميذ 6 سنوات في الصف الأول الابتدائي، واصفاً العملية التعليمية في الوقت الحالي بأنّها أصبحت “مجرد شكل وليس فيها أيّ مضمون”.
من جانبه، يؤكد الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث أنّ هناك خللاً كبيراً في منظومة التعليم في مصر، قوامه ازدحام الفصول، بما لذلك من أثر سلبي من الناحيتين العلمية والصحية، إذ لا يتمكن التلميذ من الحصول على المعلومات نتيجة الأعداد الكبيرة، وهو ما يمثل ظلماً لعدم قدرة البعض على سرعة الاستيعاب، مطالباً بسرعة تخصيص أراضٍ لإنشاء مدارس جديدة، وفقاً لاحتياجات كلّ محافظة لتخفيف كثافة التلاميذ وحلّ الأزمة التي تؤثر في المنظومة التعليمية، خصوصاً خلال الفترة المقبلة في ظل أزمة فيروس كورونا وضرورة التباعد الاجتماعي.
- 24 مليوناً و200 ألف تلميذ
تشير بيانات وزارة التربية والتعليم في مصر، إلى أنّ عدد تلاميذ المدارس خلال العام الدراسي 2015 – 2016 كان نحو 19 مليوناً و900 ألف، ليصل العدد خلال العام الدراسي 2019 – 2020 إلى 24 مليوناً و200 ألف، بينما وصل عدد المدارس عام 2018 إلى 53.587 ليرتفع إلى 55.214 عام 2019، وليبلغ 56.569 مدرسة خلال العام الدراسي الجديد 2020- 2021.