ليس العبقريُّ معيارًا للحقيقة
قال أبو عبدالرحمن: لا أعلم في إمَّعيَّة العقلِ العربي المعاصر أدلَّ من عِبارةٍ لـ (كتاب: “عِلم اللغة العام” لمؤلِّفِه؛ “فردينان دي سوسير”- بصيغة PDF) يَزعُمُ فيها أنَّ العالِـم العبقريَّ يكون معيارًا للحقيقة؛ وإنما ذلك للمعصوم عبدالله ورسوله محمدٍّ صلى الله عليه وسلم في تبليغ الشرع وتـبيينه.. إذن المعيارُ هو توثيقُ النص تاريخيًّا، وتحقيقُه دلالةً، ومحاكمتُه عِلميًّا مِن حقْله الـمَعْرِفِـي والحقول المعرفية المساعدة؛ والوسيطُ في ذلك الفكرُ بضروراته.. وليس في جزئيات كتاب (سوسير) ما هو راجح؛ فكيف يكون كلُّه أشْبه بقانونٍ مُلْزم ؟
والعالِـم العبقريُّ قد يجمح به الخيال، وقد يكون غيرَ شريفِ الغاية.. وترجم كتابَ سوسير (واد باسكين) من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية؛ وعنه كانت ترجمةُ (أحمد نعيم الكراعين) إلى العربية، وقد عرَّف (واد باسكين) بالمُؤلف (سوسير)؛ فقال: «أشخاصٌ قليلون هم الذين حظوا بالاحترام الواسع والانتشار في تاريخ علم اللغة على إنجازاتهم المختلفة مثل (فردينان دي سوسير)، ولقد استعار (ليونارد بلومفيلد) تفوُّقَ الأستاذ السويسريِّ بإضافة [الأبلغُ: في إضافة] الأساسِ النظري للاتجاه الجديد في الدراسة اللغوية..
وإنَّ الباحثين الأوربيين نادرًا ما فشلوا في الأخذ بالاعتبار آراءَه (وِجْهاتِ نظره) كلما تعرضوا لأيِّ مشكلة نظرية.. ولكن كل ما تضمنتْه تعليماتُه -بالنسبة لجانِبَي الدراسات الثابتة (الوصفية) والتطورية-: لا تزال صحيحة..
لقد نجح (سوسير) في فرض طابَعِه الشخصيِّ على كل شيءٍ من خلال مسيرته؛ ففي سنِّ العشرين [الأفصح: (عشرينَ)؛ لأنه لا معهودَ لها] عندما كان طالبًا في (ليبزج): نشر بحثه الهامَّ [الهامُّ صحيحةٌ؛ لأنَّه دافِعٌ إلى الاهتمام والْـمُهِمُّ أبْلِغُ] (النظام الصوتي للغة الهندوأوربية الأصلية (البدائية).. وقـد قـام هـذا البحثُ على نظريـاتٍ وحقائقَ كانتْ مُلْكِيَّةً عامةً (مشاعًا) في زمانه، ولا يزال يُعْتبر أوسعَ وأشمل معالجةٍ لصوتيَّات الهندوأوربية الأصلية.. ولقد تتلمذ على النحويين الجدد (أوستوف)، و(لسكين)؛ ولكنه رفض منهجهم التجزيئي لعلم اللغة في محاولته لتشكيل علمٍ مترابط لعلم اللغة..
وبالرغم من [الأفصح: وعلى الرغم مِن أنَّ] قلَّة منشوراتِه (أبحاثه) [وهي] ست مئة صفحة خلال حياته: فقد وصل تأثير (دي سوسير) حدًّا بعيدَ المدى؛ ففي باريس (حيث تعلَّم السنسكريتية لِـمُدَّةِ عشر سنوات، سنة [ 1881- 1891م]، وعمل سكرتيرًا للجمعية اللغوية الباريسية: فإن أثره في تطوُّرِ علمِ اللغة كان حاسمًا وفعالًا [الأفصح: (فَعَّالًا ) بدون واوٍ قَبْلها].. إن دراساتِه الأولى للمخطوطات الأفرنجيَّةِ واللهجات اللتوانية: ربما تكون مسؤولةً إلى حدٍّ ما من بعض الجوانب فيما يُعبِّر عن حُبِّ طلابه له في جامعة جنيف سنة 1906-1911م..
إن نظرته الْـمُوحَّدة (التكاملية) لظاهرةِ اللغة أثمرتْ أو حقَّقَت أفضلَ تفكيرٍ عصريٍّ، بالإضافة إلى الصبر على البحث لسنوات طويلة، والفكرِ النافذ.. إنَّ سيطرة النظام الفلسفي لكل عصر يضع بصماتِه على كل خطوة من خطوات تطور علم اللغة [و] إنَّ الْـمَنهج التجزيـئِيَّ في البحث عن الحقيقة الذي ساد القرن الثامن عشر: هو الذي منع الباحثين من الاقتراب من الحقائق الموجودة في مادة الكلام؛ فقد كانت اللغة تعني بالنسبة لأولئك الباحثين بكل بساطة: الْـمَخزونَ، أو الكَمَّ الآليَّ من الوحدات [التي] تُسْتعمل في الكلام.. لقد حالت الدراسات الْـمُتفرقة (التدرجيَّة) دون التطور في مفهوم الطريقة الكلية التي كانت تلائمها الحقائقُ التجزيئيَّةُ..
- المفهوم التجزيئي للكلام
إنَّ المفهوم التجزيئي (الجِذرِي) للكلام: انعكس على الدراسات التاريخية لعلماء فقه اللغة الْـمُقارن، وفتحت المجال للمفهوم الوظيفي والبنائي للغة.. وقد كان (سوسير) يرى في البداية أنَّ اللغة تحوي نظامًا خاصًّا تتوافق وظيفةُ أجزائِه، وتكتسب قيمةً من خلالِ علاقاتها مع الكل [الْـكُلّ بأداة التعريف صحيحة لُغَةً؛ لأنها ترفع كثيرًا من الإبهام، وقد حقق ذلك الزبِيدي في كتابه (تاج العروس)]..
وبتركيز الانتباه على الجانب الإنسانيِّ الواضح في الكلام (أعني نظام اللغة): فقد أعطى (سوسير) لعلمه الوحدة والمباشرة حتى نشر بحثه (وقد تُرجِم أخيرًا إلى الألمانية والأسبانية).. فقط أولئك الذين سعدوا بعلاقات وثيقة مع (سوسير) هم الذين توصلوا (عرفوا نظريَّاته) إلى نظرياته.. وبقيامنا بترجمة محاضراته هذه إلى الإنجليزية آمل أن أسهم في تحقيق هدفه، وهو دراسة اللغة في ذاتها [في نفسها]، ومن أجلها» [فصول في علم اللغة العام ص7-9].
قال أبو عبدالرحمن: في كتاب (سوسير) ميتافيزيقيات وعمومات ومماحكات بتحليلات فيزيولوجية وفيزيائية (لا يهم دارس اللغة العربية صحتُها أو بطلانُـها؛ لأنه لا أثر لها في علم الدلالة)، وفيه اصطلاحاتٌ مُشَوِّشَة على اصطلاح قائم دون أن تفيد جديدًا، وفيه تحصيلُ حاصلٍ ولكن بزيادة تعقيد، وليس الكتاب بعد ذلك بذلك المستوى من الأَلَق بإضافاته، وأنا قائم إن شاء الله بدراسته دراسةً تحليلية بعد ترتيب واختصار؛ لأن الطبعتين العربيتين سَيِّئَتا الطباعة مع كثرة المحْوِ، وسوءِ استخدام علامات الترقيم -؛ مما يزيد الموضوع تعقيدًا-، وانتفاءِ الأسلوبِ الفني عن الترجمتين، وإغفالِ ما يجب إيضاحُه وبسطه، وكونِ المترجمين حاويين غير محاكمين.. و(سوسير) بعد ذلك تلميذ أمين لـ (دور كايم).. وكفى بذلك فخرًا !!.. [انظر علم اللغة/ مقدمة للقارئ العربي للدكتور محمود السعران/ دار النهضة العربية ببيروت].. ومن مصطلحاته التي طاروا بها فرحًا (السميولوجيا): أي علم العلامات..
وعن تأثير سوسير قال الدكتور محمود السَّعران: «وأخذ اللغويون يُنمُّون أفكار (دي سوسير) الخاصة بـ (الفونيم).. عُني بذلك الأمير الروسي المهاجر (ن. تروبتسكوي /1890- 1938م)، وتلميذه ومساعده الروسي (رومان جاكوبسون/ ولد سنة 1896م).. هذان وأشياعُهما ظهروا بتصوُّرٍ جديد هو (الفونولوجيا)؛ وقد ميز (تروبتسكوي) و(جاكوبسون) ومساعدوهما بين (الفونولوجيا) وبين (الفونيتيك): أي علم الأصوات اللغوية في المؤتمر اللغوي الأول الذي عقد في لاهاي سنة 1928م؛ وكان مركز هؤلاء مدينة (براغ)» [علم اللغة ص344 ].. وقال (ر. ه. روبنز) عن تأثيره: «وكانت الشخصية الرئيسة في تغيير مواقف القرن التاسع عشر لمواقف القرن العشرين على نحو مهم: هي [شخصيةُ] اللغوي السويسري (فردينان دي سوسير) الذي عُرِف أولًا في المجتمع العـلمي من خـلال مسـاهمةٍ مهمة في عـلم اللغة الهندوأوربي المقارن، بعد دراسته في (ليبزج) مع أعضاء مدرسة القواعديين الجدد..
ومع أن (دي سوسير) قد نشر القليل [الصواب: قليلًا؛ لأنه لا معهود لأداة التعريف] بنفسه: فإن محاضراتِه في علم اللغة في أوائل القرن العشرين قد أثَّرت كثيرًا في بعض تلاميذه في باريس وجنيف؛ حتى إنهم نشروها في عام 1616م تحت عنوان (محاضرات في علم اللغة العام)؛ وهذا بقدر ما أمكنهم إعادةُ بنائها [الصواب: بناؤه] نقلًا عن كراسات محاضراتهم ومحاضرات آخرين، وموادَّ معينةٍ كانت باقيةً بخط (دي سوسير).. وفي تاريخ علم اللغة فإن (دي سوسير) يُعْرَفُ ويدرس إلى حد كبير من خلال ما ذكره عنه تلاميذه».. [موجز تاريخ علم اللغة في الغرب ص287 / ترجمة الدكتور أحمد عوض/ سلسلة عالم المعرفة الكويتية/ رجب عام 1418هـ].. وقال (واد باسكين): «لطالما سمعنا نَعْيَ (دي سوسير) قلةَ الأسسِ والمناهج التي تُـميِّز علمَ اللغة خلال فترته التطورية، ولقد استمر طيلة حياته يبحث عن القوانين التي تُعبِّر مباشرةً عن أفكاره وسط هذه الْـهُيُولى [الهيولـى أو الهيولا كلمة يونانية تعني الأصْلَ أو المادَّةَ؛ وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد، والنبات، والحيوان؛ وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط؛ فالهيولى في نفسها لا صورة لها ولا صفة؛ لذلك تحتاج إلى الصورة لكي تجعله يوصف وتظهر وتتحدد معالمه؛ فالصورة هي المبدأ الذي يعيِّن الهيولى ويعطيها ماهيةً خاصة؛ فالهيولى والصورة لا ينفصلان؛ إذ كل موجود يتكوَّن من كليهما.. وتسمى الهيولَـى الْـجَوْهَر الماديَّ، وفي فلسفة أرسطو.. والشَّيءُ بما له من هيولى وصورة: أطلق عليه (أرسطو) كلمة (الجوهر)، ومن الجواهر المختلفة تتكون الحقيقة (انظر: ويكيبيديا/ الموسوعة الحرة)]..
ولـم يكن في مقدوره حتى سـنة 1906م عندما حـل محلَّ (يوسف ويرثيمر) في جامعة جنيف أنْ يعرِّف بأفكاره التي تبنَّاها ورعاها خلال سنين عديدة؛ كما أنه درس ثلاث مسافات في علم اللغة العام خلال السنوات: سنة 1906م، سنة 1907م، سنة 1909م.. وما بين سنتي 1910-1911م: فرض عليه جَدْوَلُه أنْ يكرِّس نصف وقت فصوله لتدريس تاريخ اللغات الهندوأوربية ووصفها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ القسم الأساسيَّ في موضوعه استُقبل باهتمام أقـل مما يسـتحق.. كـل الذين كـان لهم شرف الاشتراك في معرفة موهبته الفذة: أسِفُوا؛ لأنه لم يترك مؤلفًا من إنتاجه، وبعد وفاته نأمل أنْ نجد في مخطوطاته [كلمة (في) ههنا فضول] (مُسَوَّدَاتِه)؛ فقد تكرمت بإتاحتها لنا (مدام دي سوسير) [؛ وهي] ملاحظاتٍ [الأصحُّ ملاحظاتٌ] صحيحة أو على الأقل ملائمة من محاضراته الحية المهمة..
وكان علينا في البداية أن نقارن بين ملاحظات (دي سوسير) الخاصة ومدونات تلاميذه.. لقد أخفقا بشكل كبير، لم نجد شيئًا، أو دائمًا.. لا شيءَ يشابه مذكرات تلاميذه.. وعلى كل حال فقد أدَّت غَرَضَها؛ فقد أتلف (دي سوسير) مسوداتِ ملاحظاتِه التي استخدمها في محاضراته.. وفي أدراجِ سكرتيرتِه وجدنا ملاحظاتٍ قديمةً له ليست تافهةً أو عديمة القيمة، ولكن لا يمكن دَمْـجُها مع مادة الفصول الثلاثة، واكتشافُنا كانت تَعْتَرِضُه [الأبلغ (كان يعترضه) بالياء ذات الثنتين من تحت قبل العين المهملة؛ لأنَّ الضميرَ عائد إلى الاكتشاف] صعوباتٌ؛ لأنَّ واجباتِ الأستاذية (العملَ الجامعيَّ) قد جعلت من المستحيل بالنسبة لنا متابعة محاضراته الأخيرة، وهذه تبدو خطوة مضيئة في سيرة حياته؛ لأنها الشاهد الأوَّلُ على ظهور بحثه عن النظام الصوتي في الهندوأوربية الأصلية (البدائية).. علينا أن نعود إلى الملاحظات والمذكرات التي دُوِّنَتْ وجمعت بواسطة تلاميذه في محاضراته في الدورات الثلاث..
ويوجد تحت تصرفنا ثلاث مذكرات كاملة: بالنسبة للفصلين الأولين كُتبا بواسطة (مسز لويس كايلي)، و(وليبوبولد جوتير)، و(باول رجارد)، و(ألبرت ريدلينجر).. أما بالنسبة للثالث -أكثرها أهمية- [فقد] كُتِبَ بواسطة (ألبرت سيخهاي)، والسيدة (جورج ديجالير)، و(فرنسيس يوسف).. ونحن مدينون لـ (م. لويس بروتش) بملاحظات خاصة.. بنقطة معينة كل أولئك المساهمين يستحقون منا جزيل الشكر» [فصول في علم اللغة العام ص11- 12].
تبعثر كتاب سوسير واضطرابه
قال أبو عبدالرحمن: أسلفت في إحدى المناسبات كلامًا مماثلًا لمقدِّمِي طبعة جنيف عام 1915م، وهما (جارلس بالي)، و(ألبرت سيكاهي) عن تبعثر كتاب (سوسير) واضطرابه.. ثم قال (واد باسكين) عن منهجه ومعاناته: «علينا أن نقارن كل الاختلافات، ونعيد بناء أفكار (دي سوسير)؛ لنزيل عنها التردد والبهوت والتضارب في بعض الأحيان والتلميحات.. وبالنسبة للفصلين الأولين نستطيع أن نعدد الخدمات التي قدمها (م. رايدلينجر) أحدُ الطلاب الذين تابعوا فكرة الأستاذ باهتمام بالغ؛ فعمله ذو قيمة كبيرة.. أما بالنسبة للفصل الثالث فإن واحدًا منا وهو (أ. سيخهاي) قام بإنجاز تفصيلات العمل نفسه من فحص ومقارنة وتركيب للمادة.. ولكن بعد ذلك فإن الكلام الشفوي الذي يتناقض غالبًا مع الشكل الكتابي يشكل أكثر الصعوبات، وبجانب هذا فلم يكن (ف. دي سوسير) من أولئك الرجال الذين يقفون في مكانهم؛ فأفكاره تتطور في كل الاتجاهات دون أن تتناقض ذاتيًّا [في نَفْسِها] نتيجةً لذلك.. إنَّ نشْر كل شيء في شكله الأصلي يُعَدُّ مستحيلًا؛ فالتكرار -الذي لا يمكن تجنبه أثناء الكلام الشفوي الحر- على الشفاه، والتداخلات، والأشكال المختلفة: ستظهر هذا النشر، وتعطيه مظهرًا متنافرًا..
وتحديد الكتاب في فصل واحد -أي الفصلين الآخرين والفصل الثالث لوحده، وهو أهم الفصول الثلاثة- لا يمكنه أن يقدم لنا إحصاءً كاملًا لنظريات ومناهج (ف. دي سوسير).. أحد الاقتراحات كانت تنشرُ بعض الفقرات أو المقاطع الأصلية الواضحة من غير تغيير.. هذه الفكرة طرأت في البداية، ولكن عندما اتضح أننا سنشوِّه أو نحرف أفكار أستاذنا إذا قدمناها على هذه الصورة من التجزيء التي لا تظهر قيمتها إلا من خلال الصورة الجمعية أو الكلية.. ووصلنا إلى الجرأة ولكن كما نعتقد إلى حلٍّ أكثر معقولية أن نحاول إعادة التركيب والتأليف باستخدام الفصل الثالث كنقطة بداية، والاستفادة من كل المواد الأخرى الموضوعة تحت تصرفنا، بالإضافة إلى مذكرات (ف. دي) الخاصة كمصادر مكملة.. إن مشكلة إعادة تمثل وإبداع فكر (ف. دي سوسير)، كانت الأكثر صعوبة؛ لأن إعادة الخلق والإبداع، يجب أن تكون موضوعية..
وعند كل نقطة كما نعمل على الوصول إلى النقطة الأساسية أو الحيوية لكل فكرة خاصة، وذلك بمحاولة معرفة الشكل المحدد في ضوء النظام الكلي.. وكان علينا في البداية أن نزيل الاختلافات والخصائص الشاذة أو الغريبة للكلام الشفوي، وأن نضع الفكرة في مكانها الطبيعي من العمل، ووضع كل جزء منها تبعًا للنظام الذي قصده المؤلف؛ حتى ولو كان قصده غير واضح دائمًا يحتاج إلى حـدس.. من هـذا العمل من المماثلة، وإعـادة التركيب: ولَّدَ أو خَرَّج هذا الكتاب الذي نقدمه.. ليس من غير حذر إلى الجمهور المثقف وإلى كل الأصدقاء من اللغويين.. لقد كان هدفنا أن نعمل معًا كلًّا عضويًّا (وحدة عضوية) وذلك بعدم حذف شيء يؤثر على الانطباع أو الصورة الكلية، ولكن بالنسبة للسبب الرئيسي فمن المحتمل أنْ يوجَّه لنا النقدُ من جهتين الأولى: سيقول النقاد: إنَّ هذا الكلَّ غيرُ كامل..
إن الأستاذ في تدريسه لم يَدَّعِ أو يُطَالِب باختبار كل أقسام علم اللغة، أو يُكرِّس نفس الجهد لكل واحد من هذه الاختبارات؛ فإنه لا يستطيع ذلك ماديًّا.. بجانب هذا لم يكن ذلك همه الرئيسي.. وبالانسياق مع بعض العناصر الأساسية والشخصية أينما وجدت في ثنايا البحث – والتي [قال أبو عبدالرحمن: الصواب: وهي التي] شكلت لحمة أو نسيج هذا العمل (فبْركته) الذي يعتبر صعبًا بقدر ما هو متنوع – الذي حاول النفاذ إليها، فقط عندما تتطلب هذه الأسس تطبيقات خاصة، أو عندما تتضارب بوضوح مع جانب من جوانب النظرية التي يحاول أن ينجزها.. هذا هو السبب في أن بعض المجالات مثل علم الدلالة لا تلمح بسهولة، ونحن لا نشعر بأن هذه الثغرات تقلل من شأن البناء الكلي.. إن عدم وجود علم لغة للكلام يعتبر أمرًا مؤسفًا..
هذه الدراسة التي قررت على طلاب الفصل الثالث تحتل بدون شك مكانًا مرموقًا، وعدم الاحتفاظ بهذا المقرر أمر معروف جيدًا.. كل ما كان في استطاعتنا عمله هو جمع الانطباعات السريعة من الملاحظات المضطربة لهذا المشروع ووضعها في مكانها الطبيعي.. وبالمقابل فمن الممكن أن يقول النقاد: إننا أعدنا استخلاص الحقائق محمولة على نقاط تطورت بواسطة (ف. دي سوسير) والسابقين له.. ليس كل شيء على امتداد هذا البحث يعد جديدًا، ولكن إذا كانت الأسس المعروفة ضرورية لفهم الكل [قال أبو عبدالرحمن: بينت كثيرًا جواز دخول (ال) على كل وبعض وغير]: فهل نُدَانُ لأننا لم نحذفها؟.. فَفَضْل التغيرات الصوتية على سبيل المثال يتضمَّن أشياء قيلت من قبل، ومن الممكن أن تكون قيلت بصورة أوضح.. ولكنَّ أحدَ جوانب الحقيقة هو أن هذا الجزء يحتوي على تفصيلات أساسية وقيِّمة؛ وحتى [قال أبو عبدالرحمن: الواو ههنا فضول] أن القاري السطحي (البسيط) سوف يرى إلى أيِّ مدى سيقلل حذفها من فهم الأسس التي بنى عليها (ف. دي سوسير) نظامه لعلم اللغة الوصفي.. نحن حذرون من مسؤوليتنا أمام النقاد، كما أننا حذرون من مسؤوليتنا بالنسبة للمؤلف الذي من الممكن أن لا يسمح لنا بنشر هذه الصفحات.. لقد تقبلنا حمل المسؤولية كاملة، ونرغب في تحملها منفردين؛ فهل يستطيع النقاد التمييز بين الأستاذ وشراحه؟.. وسوف نكون شاكرين لهم إذا توجهوا إلى مهاجمتنا مباشرة؛ لأنه ليس من العدل أن تنصب اللعنات على رجل ذكراه عزيزة علينا.. جنيف يوليو 1915م» [فصول في علم اللغة العام ص11 – 12].
قال أبو عبدالرحمن: وَنُقِلَ أخيرًا إلى اللغة العربية كتابُ (البحث عن فردينان دو سوسير) لـ (ميشال أَرِّيفْيه) بترجمة الأستاذ الدكتور (محمد خير البقاعي) مِن اللغةِ الفرنسية، وبمراجعة الدكتور (نادر سراج)، وصدر عن دار الكتاب الجديد المتحدة ببيروت طبعتهم الأولى عام 2009م، وتكرَّم حفظه الله في إهدائه ص5 بقوله: «إلى شيخي الفاضل الشيخ أبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري؛ بحرُ العلم المتدفق، ودوحةُ اللغة النضرة، رمز الكرم الأصيل، ومعدنُ الخُلق الطيب؛ لعلَّ فيه بعض الوفاء بحقه عليَّ..
محمد خير محمود البقاعي»، وما أنا إلا أَحَد أصْغَرِ تلاميذه فيما هو مِن تَخَصُّصِه، ويهمني ههنا استعراضُ ما ذكره الدكتور البقاعي في مقدمته.. قال حفظه الله: «لقد كان اللغوي السويسري (فردينان دو سوسير) الشخصية الرئيسة التي غيَّرت مواقفَ القرن التاسع عشر في مجال اللغة، وانتقلت بها إلى القرن العشرين.. ولا يستطيعُ أحدٌ أنْ ينكر تأثيره في علم اللغة في القرن العشرين، وهو الذي دشَّنه، وقد شُبِّه نشْرُ كتابه (دروس) بالثورة الكوبرنيكية.. وإذا أردنا أن نقرِّبَ شخصية (فردينان دو سوسير) إلى القارئ العربي المهتم قلنا: إنه سيبَوَيْه اللسانيات في أوروبا؛ لم ينشر كتابه بنفسه، وإنما كان أماليَ دوَّنها تلامذته الذين حضروا دروسه، وبادر اثنان منهم إلى نشرها بعد موته بين طيَّتَي كتاب سمَّوْه (دروس في اللسانيات العامة)..
ونشأت حول الكتاب حركة لغوية نقرِّبها إلى القارئ العربي؛ فنقول: إنها كالحركة النقدية التي نشأت حول أبي تمام والمتنبي؛ فتعددت الشروح والتفسيرات والطبعات المحققة، والمقارنة بالمخطوطات، وإثبات الفروق، واكتشاف أسس العلوم اللاحقة من بنيوية وسيميائية، وغير ذلك من المعارف.. إلا أن أكثر ما أثَّر في الدراسات اللغوية من فكر (سوسير) الذي تضمَّنتْه الدروس هو انتقاله في دراسة اللغة من المنهج التاريخي التطوري إلى المنهج الوصفي الذي اعتمدته العلوم الحديثة مُنهيةً النظرة التاريخية التي سيطرت على دراسات العلوم الإنسانية رَدَحًا غير قليل من الزمن.. تُرْجِم كتاب (سوسير) إلى لغات كثيرة، وأُقيمت حوله دراسات متنوعة في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا وأستراليا..
أشار إلى بعضها ميشال أرِّيفيه في هذا الكتاب، وكان نصيب الكتاب في العربية حتى ساعة كتابة هذه السطور خمس ترجمات، وليس من مهمة هذه المقدمة تقويم هذه الترجمات، وإنما الإشارة إليها في سياق اهتمام العرب بـ (فردينان دو سوسير).. [م.س ص125. المترجم].. وقد اختلفت الترجمات الخمس في كتابة اسم مؤلف الدروس؛ أما هنا فقد اخترتُ أن أكتب اسمه حسب الأعمّ الأشيع في الكتابات العربية مشيرًا إلى أن النون الأخيرة من فردينان خيشومية فيها غُنَّةٌ تُشْعِر بالحرف الأخير من الاسم؛ وهو (الدالُ)، كما أن الأداة (de) ينبغي أن تقابل بـ (دو) حسب النطق الفرنسي الذي يقتضي أن نكتب أيضًا (سوسور)؛ لأن الواو أقرب إلى نطق (u) الفرنسية من الياء؛ فتكون صحة الاسم الفرنسي بالحروف العربية (فردينان دو سوسير)..
انظر في تفسير هذه التسمية كتاب (أرِّيفيه) الذي نترجمه في أول الفصل الأول، ولم يعلل أحد من العرب الذين ترجموا كتاب (دروس في اللسانيات العامة) سبب اختياره كتابةً معينةً.. وانظر أيضًا تقديم صالح القرمادي لترجمة الطيب البكوش كتاب جورج مونان (مفاتيح الألسنية)، منشورات الجديد، تونس، 1981م، ص7 (تعاليم فردينان دو سوسير)، ولو أتيح لـ (أَرِّيفيه) وغيره من الغربيين الذين اختصوا بسوسير قراءة ترجمات كتاب (سوسير) إلى العربية لأقاموا عليها دراسات عظيمة، لا في تقريعها، وإنما في كونها قراءات تُخطئُ في بعض الأحيان وتُصيب [المترجم].. أما عن أهمية ترجمة كتاب (سوسير) إلى العربية بعد زمن طويل من صدوره، فيقول الدكتور حمزة المزيني: «وعلى رغم تأخر ترجمة كتاب (دو سوسير)، وسبق اللسانيات له سبقًا عظيمًا الآن، إلَّا أن ترجمته إلى اللغة العربية ضرورية لقيمته التاريخية، ويجب أن يُقرأ هذا الكتاب لهذا الغرض وحده»..
ويقول الدكتور عز الدين المجذوب [م.ص43. المترجم]: «حظي كتاب فردينان دو سوسير في الفترة الأخيرة بعناية كبيرة من قِبل الباحثين العرب، فظهرت له خلال سنتي 1984 و1985م ثلاث ترجمات، وقد تظهر له ترجمة رابعة؛ ولَكَأَنَّ العرب يحاولون تدارك ما فاتهم من أمر هذا الكتاب الفذ، وقد مضى اليوم عام 1987م على نشره سبعون سنة تداوله فيها الناس، وتناهبه الباحثون فكان له من الأثر ما هو معلوم في علم اللسانيات والثقافة العالمية بوجه عام.. وقد يبدو تأخر العرب عن ترجمة هذا الكتاب أمرًا غريبًا بالنظر إلى قيمة الكتاب وخطره».
وفي عام 1985م يقول الدكتور مالك يوسف المطلبي في مقدمته لترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز: «إنَّ المحاضرات في علم اللغة لفردينان دو سوسير، تُرجمت على نحو أو آخر من خلال مؤلفات المعنيين بالدراسات البنيوية واللغوية وبحوثهم منذ منتصف هذا القرن».
- صميم النظرية السوسيرية
قال أبو عبدالرحمن: في صميم النَّظريَّةِ السوسيريَّةِ أَبْدَأُ باستعراضِ ومناقَشَةِ ما تَيَسَّرَ في هذه الحلقة.. قال (ميشال أَرِّيفيه): «إنَّ اللغة نظام العلامات النوعية –أهم نظام بين الأنظمة–: هو موضوع اللسانيات التي هي نفسُها مُدْرَجة في السيميولوجيا، ويبقى أن نخصص ذلك الموضوع، وأن نميزه على وجه الخصوص من اللسان، وأول النقاط التي ينبغي الإشارة إليها هو أن اللغة مُدرجة في اللسان: لكن ما اللغة؟..
إنها في رأينا لا تتداخل مع اللسان.. إنها ليست إلا جزءًا محددًا منه؛ لكنه جزء جوهري بلا شك.. إنها في الوقت نفسِه نَتاجٌ اجتماعيٌّ لملكة اللسان ومجموعة من المواضعات الضرورية التي يتبناها الكيان الاجتماعي ليمكِّن الأفرادَ من ممارسة تلك الملكة، وإذا أخذنا اللسان في كُليَّته: بدا لنا مُتَعَدِّدَ الأشكال، متباينَ المقوِّمات؛ موزعًا في الآن نفسه بين ميادين متعددة؛ بعضها فيزيائي، وبعضها فيزيولوجيٌّ، وبعضها نفسيٌّ منتميًا في الآن نفسه إلى ما هو فَرْدِيٌّ، وإلى ما هو اجتماعي.. ولا يتسنَّى لنا تصنيفه في أيِّ قسم من أقسام الوقائع الإنسانية؛ لأننا لا نستطيع أن نستخلص وحدته..
أما اللغة؛ فهي على عكس ذلك: كلٌّ قائمٌ بذاته [بنفسِه]، ومبدأٌ يخضع للتصنيف.. وما إنْ نجعلها في المقام الأول بين وقائع اللسان: حتى نَدخُلَ نظامًا طبيعيًّا في مجموعةٍ لا تخضع لأيِّ نوع آخر من التصنيف [دروس، 25/ التونسية، 29، العراقية، 27 – 28، اللبنانية، 21، المصرية، 31 – 32، المغربية، 18 / المترجم]؛ وبذلك، وضمن إطار هذه المَلَكة التي هي اللسان؛ وهي ملكة حَرِيَّة بأنْ تتخذ مظاهرَ (متعددة الأشكال وغير متجانسة): لا تسمح لها بأنْ تتحدَّد بدقة (تكونُ اللغةُ كُلًّا).. ويبقى بالطبع تحديدُ هُوِيَّة الموضوع الذي إذا أضيف إلى كلية اللغة، فإنه سيكوِّن الكلَّ الأقلَّ pastout ( فلْنمتنِعْ مرة أخرى عن هذا التعبير اللاكاني) للسان في مفهوم سوسير.. يتَّخِذ ذلك الموضوعُ في الدروس اسمَ الكلامِ parole؛ والعلاقات بين اللغة والكلام في رحاب اللسان تُلَخّصُ بطريقةٍ واضحة كلَّ الوضوح في الفقرة التالية:
تجنبًا لتعريف الكلمات تعريفات عقيمة: ميَّزنا في المقام الأول في نطاق [التونسية ص23، والعراقية ص123، واللبنانية ص199، والمصرية ص140، والمغربية ص 99. المترجم ].. نطق: خطأ.. الظاهرة الكلية التي يُمثلها اللسان بين عاملين اثنين: اللغة والكلام.. واللغة بالنسبة إلينا هي اللسان إذا طُرح منه الكلام.. إنها مجموع العادات اللغوية التي تمكِّن المتكلم من الفهم والإفهام (دروس ص112).. [التونسية ص 123، والعراقية ص95، واللبنانية ص99، والمصرية ص 140، والمغربية ص 99. المترجم].. وبشكل مسبق؛ فالنص ينبثق من التضاد بين اللغة والكلام.. عندما نفصل اللغة عن الكلام: فإنَّنا نفصل في الوقت نفسه [بين]: 1- ما هو اجتماعي عما هو فردي [و] 2- ما هو جوهري عما هو ثانوي ونوعًا ما عَرَضي (دروس ص30 ) [التونسية ص34، والعراقية ص32، واللبنانية ص25، والمصرية ص37، والمغربية ص23. المترجم]..
لن أنازع هنا الأصول المخطوطة، مع أنها في هذا الموضع مختلفة كل الاختلاف عن نص الطبعة المعتمدة: إنَّ الأصول المخطوطة لا تدرج –وسأعود إلى هذا الموضوع بالتفصيل في الفصل الرابع– اللغة والكلام فقط، لكن اللغة، و(ملكة اللسان) أيضًا (إنكلر، 1968- 1989م، 41، كوماتسو، 189).. والكلام يتدخل بعد حين بوصفه كما يبدو عاملًا يسمح بممارسة تلك الملكة: إنَّ ملكة اللسان حدث مُـمَيَّز من اللغة، لكنه لا يحدث بدونها، ونعني بالكلام عمل الفرد الذي يمارس مَلكتَه بوساطة المواضعات الاجتماعية؛ التي هي اللغة..
ليس من المتنازع فيه أنَّ نص (الدروس) يقيم تَراتِبيَّةً بين اللغة والكلام: الأولى (جوهرية)، والثاني [بل: والثانيةُ] (ثانوي) [سنرى في الفصل الرابع أن الصفة (ثانوي) هي من زيادة الناشرين: لم يسمعها من (سوسير) أي من مستمعيه.. (المترجم)].. ويوجد هنا على أي حال خطأ ينبغي تلافيه: إنه الخطأُ المتمثِّلُ في القول: إنَّ (سوسير) يستبعد من حقل اللسانيات كل ما يستخدمه (المتكلم) من راموز اللغة.. إنه خطأ يتكرَّر غالبًا، وسأكتفي الآن بمثال واحد: وكان رد (سوسير) […].. [قال أبو عبدالرحمن: ؟] هو أن اللسانيات ينبغي أن تقتصر على دراسة اللغة لذاتها [لنفسِها] ومن أجل ذاتها (سيرفوني، 1987، 9.. ونجد مثالًا آخر على الموقف نفسه في الفصل الرابع (وهناك العشرات من النمط نفسه)..
إنَّ ما في (الدروس) يعارض هذا الموقف تمامًا: فنصه لا يعدل عن التراتبيَّة التي جرت الإشارة إليها بين اللغة والكلام؛ بل إنه يؤكِّدها تأكيدًا قويًّا، وهي قوة مبالغ فيها بلا شك إذا قيست بالآراء التي كان (سوسير) [مع ذلك فإنه قد يحدث لـ (سوسير) أنْ يقيم تراتبية بين اللغة والكلام] يقول [عنها]: «إن ما ينجزه الكلام مما هو مُعبِّر عنه في اللغة يمكن أن يبدو غير جوهري» (كوماتسو،283).. ويقول أيضًا: «إن الظواهر الأخرى [ظواهر الكلام، م. أ] تحتل بنفسها تقريبًا مرتبة تابعة[المترجم] يطرحها غالبًا.. لكن وجود الفصل الذي خُصص (للسانيات اللغة ولسانيات الكلام) في الدروس يُظهر بوضوح أنَّ اللسانيات عليها أن تهتمَّ باللغة بالتأكيد؛ لكنها تهتم بالكلام أيضًا».
ومن هنا جاء التدقيق المصطلحي النهائي والحاسم [الأفصح بلا واوٍ قبلها]: وقد يمكن مع شيء من التجوُّز أن نطلق اسم اللسانيات على كل من هذين الفرعين، وأن نستعمل عبارة لسانيات الكلام، لكن ينبغي ألا نخلط بين العبارة الأولى واللسانيات بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ أي تلك التي موضوعها الوحيد هو اللغة (دروس، 38- 39) [التونسية 42، العراقية 38، اللبنانية 33، المصرية 45، المغربية 30 / المترجم].. (انظر البحث عن فردينان دو سوسير/ ترجمة محمد خير محمود البقاعي/ ص71-73).
- الكلام والرمز واللغة
قال أبو عبدالرحمن: أكتفي ههنا بتعليقة واحدةٍ واعدًا إنْ شاء الله تعالى بالتَّقَصِّي في حلقةٍ قادمة؛ وتلك التعليقةُ: أنَّ بين الكلام والرمز واللغةِ فرقًا عظيمًا؛ فالرمز السيميائي: ثمرةٌ لما اسْتُحْدِث مِن اللِّسَانِيَّاتِ؛ وغاية ما في الأمر: أنه لا يُفَسَّرُ بالرمز كلامٌ قديمٌ قبل الاصطلاح السيميائي الحديث.. وأما (فَراغُ النَّصِّ) فشيءٌ آخر غير الرَّمْز، وله حديث يأتي إن شاء الله تعالى.. وأما الكلامُ: فإنَّ منه ما ليس له معنى في اللغة؛ وهو ما يوصَف بالمُهْمل.. ومنه ما يكون له معنى حادثٌ بعد الاصطلاح السيميائي، أو من المصطلحين أنفسِهم؛ فحكم الأول الإهمالُ، وحكمُ الثاني الرمز؛ وإذن فالاصطلاحُ اللساني لا يَسَعُه إلا بناءُ تقْعِيدِه على قوانين الدلالةِ اللغوية.
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري – أديب سعودي