يُعدّ التدخل الشهير الذي قام به ميشيل فوكو أمام مجموعة من الطلبة الماويين عام 1969 من أبرز المحطات التي تكشف بوضوح موقفه الحاد من المؤسسة الأكاديمية، ودوره كـ”مثقف مُحرَج” من موقعه داخل النظام. ففي خضمّ الاحتجاجات الطلابية التي اجتاحت أوروبا أواخر الستينيات، أطلق فوكو خطابا صادما، استعمل فيه لغة لاذعة وصف فيها الأساتذة بـ”القاذورات” والطلاب بـ”القردة المتعالمين”.
السياق التاريخي والفكري:
جاء هذا التدخل في مرحلة اتسمت بارتفاع صوت الحركات الطلابية اليسارية، خاصة تلك المتأثرة بالماوية، والتي طالبت بتغيير جذري في البنى الاجتماعية والاقتصادية. بالنسبة لفوكو، كان هذا الحراك فرصة لفضح الدور “الوظيفي” الذي يلعبه الأستاذ الجامعي في تكريس سلطة الدولة وإعادة إنتاج الكذب الأكاديمي.
نقد المثقف المرتبط بالدولة:
اعتبر فوكو أن الأساتذة ينتجون “بضاعة معرفية كاذبة”، وأن أجورهم هي المقابل الذي تدفعه الدولة مقابل هذا التواطؤ. وبذلك، فإن دورهم لا يتجاوز المحافظة على النظام القائم وإخفاء التاريخ الحقيقي للنضالات العمالية، مثل:
- تمرد كرونشتادت (1921).
- إضرابات تورينو 1920.
- كومونة سبارتاكوس في ألمانيا.
- انتفاضة برشلونة 1936–1937.
هذا التذكير بالنضالات العمالية الكبرى يعكس رؤية فوكو بأن مهمة المثقف في الغرب الحديث انحرفت من مواجهة السلطة إلى خدمة أجهزتها الأيديولوجية.
خجل لا يصنع ثورة:
رغم اعترافه بالخجل من هذا الوضع، أقرّ فوكو أن الخجل وحده لا يُنتج ثورة. هنا تتجلى نزعته النقدية التي ترى أن الوعي وحده لا يكفي، بل إن تجاوز البُنى القائمة يتطلب فعلا جماعيا قادرا على تغيير الشروط المادية والسياسية.
الأهمية الفلسفية للتدخل:
يمثل هذا الخطاب لحظة فارقة في مسار فوكو، حيث يضع المثقف وجها لوجه أمام تناقضه الجوهري: فهو من جهة فاعل ضمن جهاز الدولة، ومن جهة أخرى مطالب بأن يكون قوة نقدية ثورية. هذا التوتر هو ما سيتبلور لاحقا في أعمال فوكو حول السلطة والمعرفة، حيث كشف عن الترابط العميق بين إنتاج المعرفة وممارسات الضبط الاجتماعي.











