دلالة الصورة – برنار كوكولا / كلود بيروتي
1- تقرير/إيحاء، أحادية المعنى/تعدد المعاني في الإرسالية اللسانية
1-1 تقرير/إيحاء
إن العلامة اللسانية كما هو معلوم هي نتاج اتحاد دال بمدلول. وفي الواقع وفي غالب الأحيان أيضا يُستحسن الحديث عن اتحاد بين دال ومجموعة مدلولات. مثال ذلك : فأر، قبقاب، قيثارة، عربة، ترام. إذا طلبنا من عدة أشخاص أن يقدموا في جدول من ثلاثة أعمدة أولا : الدلالات الأكثر صرامة أي تلك التي يمكن أن يجدوها في المعجم، وثانيا الدلالات الثانوية التي تستدعيها هذه العلامة، فإننا سنحصل على النتائج التالية:
المعنى التقريري أو مدلول التقرير
إن الأمر يتعلق باصطلاحين نخص بهما المعنى الأكثر موضوعية والأكثر حيادا للعلامة. إن أفراد مجموعة لغوية يوافقون بسهولة على هذا المعنى الأول الذي يتطابق مع الجانب المرجعي للمدلول، إن هذا المعنى التقريري يبرز في العمود الثاني للجدول. ويطلق اصطلاح معنى إيحائي (معاني إيحائية) أو مدلول (مدلولات) الإيحاء على الدلالات الثانوية المستحضرة التي، كما نلاحظ ذلك في العمود الثالث للجدول، تعتبر متعددة وذاتية بما فيه الكفاية. إنها تتناظر والجوانب الوجدانية (المؤثرة أوالانفعالية) للمدلول.
وتختلف إيحاءات العلامات -التي نادرا ما تكون معزولة- حسب السياق. وهكذا نلاحظ في >المطر يهطل بلا توقف منذ ثلاثة أيام< أن الفعل يثير الملل، والكآبة والتقزز. في حين أن عبارة ف. كاركر >كم هو مدهش، إنها تمطر< تثير المفاجأة، الهزل أو السخرية. ولكن يكفي أن نقرأ بقية النص لنكتشف أن لـ “تمطر”، بفعل التواتر، معاني ايحائية مثل: السعادة، الحب، الأنس. ولقد كتب الشاعر :
كم هو مدهش إنها تمطر، أُنصت
للشتاء التي طقطقتها
تلطم الزجاج قطرة فقطرة
وتبتسمين لي برقة (“إنها تمطر”)
وسنكتشف أن:
-الإيحاءات تسفر عن نفسها عبر الانزياحات الأسلوبية: عبر الكتابة (علاقات عِلِّية بين المطر والملل أوالحب ، بين القيثارة وإسبانيا، بين القبقاب والبطء)، بواسطة المجاز المرسل (الجزء “ظفر” يستدعي الفرس كله) ، بالاستعارة (ميكي: فأر مشخص، القيثارة على هيأة امرأة) كما أنها تتوسل بالسخرية (المطر …مدهش).
-تتعلق بالسياق اللساني. ولمن تعود هل للكاتب؟ أم للقارئ؟ أم للنص نفسه؟
– تعود إلى التاريخ الخاص للذات: إن الذي استعمل عربة الترام في شبابه تحت الاحتلال النازي، على سبيل المثال، لن تكون له نفس الإيحاءات التي ستكون لابنته التي تعد عربة الترام عندها نهاية للتلوث، والازدحامات و(رمزا لحياة) أكثر إنسانية واقتصادا للطاقة .
– ولكن هذه الإيحاءات الخاصة (الشخصية) تفصح عن نفسها، في غالب الأحيان بواسطة السياق السوسيوثقافي. إن أغلب الإيحاءات المعبر عنها في الجدول تأتي من التاريخ وتقلباته (مثال عربة الترام، القبقاب، القيثارة) كما تأتي من المعلومات الجغرافية والثقافية (قيثارة، ميكي، لافونتين، فيلم الشجرة ذات القباقيب).
إن هذه الملاحظات تؤكد الحس المتزامن ودور الذاكرة واللاوعي و المتخيل وكذا بأنساق القيم التي بلورتها المجتمعات.
1-2- أحادية المعنى تعدد المعاني
نطلق على كل علامة بأنها أحادية المعنى ( monosémique) حينما لا يحيلنا دالها في، سياق معين، إلا على مدلول واحد. ونطلق تعددا المعاني على الحالة التي يحيلنا على مدلولات متعددة اثنين على الأقل.
وسنلاحظ في الجدول القادم أن ثنائية أحادية المعنى/تعدد المعاني لا يجب أن تختلط مع ثنائية تقرير/إيحاء:
1-2 تعدد معاني الصورة
1-2-1 توضيح تعدد المعانى
أ- شروط تجربة
لقد تم تقديم خمس رسائل أيقونية بدون عنوان ولا شرح تمهيدي لمجموعات، أجاب كل واحد منها على سؤالين: -ماذا ترون في هذه الصورة؟ بمعنى آخر صفوها بأكبر موضوعية ممكنة دون تأويلها.
– ماذا تستحضر هذه الصورة ؟ بعبارة أخرى كيف تؤولونها ؟
إن الذين سئلوا لم يتصلوا فيما بينهم. فكل منهم أجاب عن السؤالين كتابة، في جذاذة. وإليكم النتائج كما يوضحها الجدول التالي:
ب – نتائج التجربة
جدول
إن هذه التجارب تقود إلى الملاحظات التالية:
-إن السؤال الأول دفع المستجوبين إلى تقديم، إن جاز التعبير، مدلولات تقريرية للصور. وبما أن هذا التحليل يستخدم أسننا إدراكية، فإنه ثقافي إلى حد بعيد، أي إيحائي إلى حد ما، مما أسفر عن الأجوبة التالية: إنه حرفي، إنه رأس معدوم.
– أما السؤال الثاني فيقودنا نحو الإيحاء. إن الصورة، من خلال هذه الإيحاءات المتعددة، تصبح متعددة المعاني،. إنها درب يقود إلى المتخيل. فالمتخيل، كما لاحظ ذلك سارتر، في حاجة إلى مادة، مادة تسمح له بالاشتغال. وقد تكون هذه صورة يبدأ انطلاقا منها العمل الترميزي للمتخيل، أي عمل التأويل.
– إن الشحنة الإيحائية للصور هامة في غالب الأحيان. ذلك أن مختلف العناصر التي تكونها يشد بعضها البعض وفق قوانين الجشطالت (نظرية الأشكال). وتتم هذه الشحنة بسرعة فائقة لأن الصورة إرسالية تزامنية.
– حينما نطلب من هؤلاء الأفراد متى تشعرون، أثناء التجربة، بحرية ؟ يجيبون بأن ذلك يتم حين يجيبون عن السؤال الثاني. إنها حرية وهمية. لقد رأينا أن الإيحاءات مشتركة عند الجميع. هناك دائما نواة إيحائية وبعض التأويلات الهامشية، والأمر كذلك مع النصوص.
– حينما تقدم ترسيمة أو خطاطة لأشخاص لا يشار إلى أية (قيمة) إيحائية. إن الإرسالية الأيقونية ذات الطابع العلمي تكون تقريرية وأحادية المعنى وتلك مسألة بديهية.
– في حين أن عملا أدبيا لاتصويريا تهيمن عليه الأشكال الأكثر بيانية، يمكن أن ينظر إليه باعتباره شمولي المعنى: إنه يدل على كل شيء.
ج- توجيه الإيحاءات ؟ إن تقنية >المميز الدلالي< التي بلورها اوزگود ومولز تهدف إلى الحصول على رأي في صورة انطلاقا من تصنيف إيحائي. فكل ذات تنظر إلى الصورة انطلاقا من مقاييس تتوافق مع عدد معين من الإيحاءات الواقعة على نفس السلم. وسنعطي مثالا لـ”للميز الإيحائي” هذا الذي وضعه مولز >خدمة لأغلب صورالصحف والاشهار والتعليم<
جدا كفاية قليلا 0 قليلا كفاية جدا
تافه أصيل
دافئ بارد
منظم مضطرب
مذكر مؤنث
سار مكدِّر
دال غير دال
مرتاح متوتر
جميل قبيح
(الخ اللائحة تشتمل على 50 إيحاء)
وكما كتب ذلك مولز >فإن التوفيق بين جميع الذوات يؤدي الى الحصول على مظهر عام للتناقض الخاص بالصورة التي تُحَدَّدُ انحرافاتها الشحنة الايحائية التي تحتوي عليها انطلاقا من حيادها<
النص مأخوذ من :
1- COCULA (Bernard) et PEYROUTET (Claude)
-Sémantique de l’image. Pour une approche méthode des messages visuels, Librairie Delagrave, Paris, 1986, pp.36-40
- ترجمة
شرف م المصطفى
الوثيقة رقم (1)
الوثيقة رقم (2)