الهرمنيوطيقا

مفهوم الهرمنيوطيقا

أخذ مفهوم الهرمنيوطيقا مساحة وازنة من الدراسات والبحوث في تعريف ماهيته اللفظية والاصطلاحية واستعمالاته، ومع أن هذا المفهوم نال نصيبه الأوفى في المدوّنات المعجمية قديماً وحديثاً، إلا أنه لا يزال حاضراً بقوة في كل نصٍّ يتاخم العلوم والمعارف الإنسانية ولا سيما النصوص الدينية.

والمفارقة أن المفهوم نفسه صار موضوعاً للتأويل بسبب النتائج المترتبة على الموضوعات التي يجري تطبيقها عليها.

في هذه الدراسة إعادة تأصيل للمفهوم والمصطلح تبعاً للمعالجات البحثية التي تناولته في الحضارات الإنسانية المختلفة.

الهرمنيوطيقا علمٌ مرتبطٌ بعددٍ من العلوم الأخرى، ويتميّز بأنّه أساسٌ لسائر العلوم. فأيُّ تغيّرٍ فكريٍّ يحصل في هذا العلم، فإنّه سوف يؤدّي إلى تغيّراتٍ وتحوّلاتٍ في المجالات الفكريّة الأخرى، ولا سيّما في العلوم الإنسانيّة التي تحتاج إلى نظامٍ معرفيٍّ متناسقٍ يشتمل على مِلاكٍ محدَّدٍ في الفهم والتفسير.

وتحتاج العلوم الإنسانية إلى نظرياتٍ متناسقةٍ ومنظِّمةٍ للفهم والتأويل والتفسير، بسبب علاقة هذه العلوم بالنصوص المرجعية (كالنصوص الدينيّة)، وعلاقتها بالقضايا والنصوص المرتبطة بهذه العلوم نفسها.

وتؤدّي النظريات المختلفة في الهرمنيوطيقا إلى تغيّر مفهومها أيضاً. فكلُّ عالمٍ ومفكّرٍ خاض هذا العالم، تراه يُعرّف الهرمنيوطيقا على أساس اتجاهه فيها؛ وبعبارةٍ أخرى: اتخاذ مناهجَ واتجاهاتٍ مختلفةٍ في الهرمنيوطيقا يؤدّي إلى اختلافٍ في ماهيّتها وموضوعها وغرضها.

وصحيحٌ أنّ هذا الأمر يساهم في فهم الاتجاهات المختلفة، إلا أنّه يوجب نحوَ اضطرابٍ في فهم أصل معنى الهرمنيوطيقا وعلى هذا الأساس، يرجع عدم إمكان تعريفٍ واحدٍ ومتناسقٍ الهرمنيوطيقا إلى التغيّر الأساسي في موضوعها وغرضها والذي يعكس اختلاف الاتجاهات والمناهج فيها.

وبناءً عليه، لا بد لنا أن نشير إلى التعريفات المهمّة والمرتبطة بالاتجاهات المختلفة؛ لأجل أن نصل إلى تعريفٍ للهرمنيوطيقا. وبما أنّ هذه التعريفاتِ كلَّها متمحورةٌ حول لفظ الهرمنيوطيقا، فإنّه لا بد من البدء بتحليل هذا اللفظ.

معنى  الهرمنيوطيقا:

يرجع أصل لفظ (Hermeneutics)[2] إلى الفعل اليوناني (hermeneuein) الذي يُترجم بالتأويل والتفسير. كما أن اسم (hermeneia) يعني التأويل أو التفسير[3]. لذا، نجد أنّ علم الهرمنيوطيقا مرتبطٌ مباشرةً بمباحث التفسير والتأويل. وسوف ترى أنّ كل التعاريف التي سنبيّنها في هذا الدرس، لها نوعُ ارتباطٍ بالتفسير والتأويل.

ولقد استخدمت النصوص القديمة المختلفة لفظتَيْ (hermeneuein) و(hermeneia). فعلى سبيل المثال، اهتمّ أرسطو بموضوع التأويل وصنّف رسالةً كبيرةً في كتابه أرغنون[4] حملت اسم «پری أرمينياس»[5] (عن التأويل)[6]. كما نجد لهذه الكلمة حضوراً في مواردَ مختلفةٍ في كتب أفلاطون[7].

وعلى هذا الأساس، يكون استعمال هذه اللفظة في النصوص القديمة ناظراً أيضاً إلى مقولة التفسير والتأويل.

وتوجد علاقةٌ واضحةٌ بين لفظ هرمنيوطيقا ولفظ هرمس (Hermes). فهرمس إلهٌ عند اليونانيين، يُعنى بنقل الرسالة من الآلهة إلى الناس[8]. وبناءً على هذا الوجه من التسمية، فإنّ حقيقة هرمس تنطوي على نقل الرسالة. والهرمنيوطيقا من هذه الجهة مرتبطةٌ بهرمس، إذ هي علمٌ آليٌّ لتحليل وبيان طرق انتقال المعاني والمقاصد.

وكما أنّ الدور الأساس لهرمس هو نقل الرسالة إلى الإنسان، فإنّ الهدف الأساس من علم الهرمنيوطيقا هو بيان كيفية انتقال الرسائل إلى البشر وبيان اعتبارها.

ويرى البعض أنّ ثمّة ارتباطاً جذريّاً بين هرمس والهرمنيوطيقا؛ بسبب العناصر الثلاثة المهمّة في عملية التفسير، وهي: العنصر الأوّل: العلامة أو الرسالة أو النص الذي يجب تفسيره؛ العنصر الثاني: الواسطة أو المفسِّر الذي يوصل الرسالة؛ والعنصر الثالث: انتقال الرسالة إلى المخاطَبين. وكان هرمس يقوم بالعنصر الثاني، وهو دور الواسطة والمفسِّر[9].  ويشير اللفظ اليوناني هرمايوس (hermeios) إلى الكاهن المتنبّئ في معبد دلفي، كما أنّه ناظرٌ أيضاً إلى هرمس، الإله الرسول[10].

وانطلاقاً من هذه المعاني، نُسبت إلى هرمس وظيفة تبديل المفاهيم التي هي وراء فهم البشر إلى مفاهيمَ قابلة للفهم والإدراك.

وهكذا، تشتمل الأشكال المختلفة لهذه الكلمة على تبديل الأمور غير المفهومة إلى مفهومة؛ كما أنّ اليونانيين ينسبون إلى هرمس وضع اللغة والخط كأداتين مهمّتين لأجل إدراك المعنى وانتقاله إلى الآخرين.

ومارتن هايدغر[11] ـ وهو الفيلسوف الذي يرى الفلسفة تأويلاً ـ يصرّح بأنّ الفلسفة هي بمنزلة علم الهرمنيوطيقا وهي مرتبطةٌ بهرمس أيضًا. وعلى هذا الأساس، فإنّ مصطلح «علم الهرمنيوطيقا » ـ الذي يرجع إلى اليونان ـ يتضمّن معنى «التبديل إلى الفهم»[12].

تحليل مفهوم الهرمنيوطيقا:

من خلال الالتفات إلى ما تقدّم في أوائل هذا الدرس، يتّضح أنّ بيان تعريفٍ جامعٍ ودقيقٍ للهرمنيوطيقا أمرٌ صعبٌ وغيرُ ناظرٍ للواقع. ونشير مرة أخرى إلى أنّ التعاريف في هذا المجال قد تنوّعت بسبب اختلاف الاتجاهات فيه على مرّ تاريخ هذا العلم. وكلّ من سعى لذكر تعريفٍ ما، فقد كان يعرّف بناء على الاتجاه الذي يذهب إليه.

وسوف نبيّن معنى الهرمنيوطيقا ملاحظين في ذلك التعاريف المختلفة التي ذكروها وغير غافلين عنها. وعلى هذا الأساس، سوف نشير باختصارٍ إلى أهم معاني الهرمنيوطيقا التي ذكرتها تلك الاتجاهات المختلفة[13].

1. نظرية تفسير الكتاب المقدّس:

يمكن عدّ هذا التعريف من أقدم تعاريف الهرمنيوطيقا وأكثرها شيوعاً؛ لأنّ بداية الاستعمال الجدّي لعلم الهرمنيوطيقا كانت في عصرٍ احتاجوا فيه إلى تدوين كتبٍ مبيِّنة لقواعد التفسير الصحيح للكتاب المقدّس. وهذا ما يدلّ عليه أيضًا عنوان كتاب دان هاور «الهرمنيوطيقا المقدّسة أو منهج تأويل النصوص المقدّسة» (1654م)[14].

وعلى أساس هذا التعريف الذي كان متزامناً مع تشكّل علم الهرمنيوطيقا، يحتاج جميع الناس في فهم الفقرات المبهمة من النصوص المقدّسة إلى قواعدَ ناظرةٍ إلى شروط الفهم الصحيح وممهِّدةٍ له. طبعاً، كان هذا التعريف في البداية محدوداً بالكتاب المقدّس، لكنّه توسّع على مرّ التاريخ ليشمل النصوص غير المقدّسة أيضاً.

والسرّ في تعميم لفظ الهرمنيوطيقا في اللغة الإنكليزية إلى النصوص غير المقدّسة هو أنّها -كالنصوص المقدّسة- مبهمةٌ وتحتاج في فهم معانيها إلى نظريةِ تفسيرٍ أيضاً[15].

وقد ظهر هذا التعريف في أحضان الهرمنيوطيقا الكلاسيكية[16]. ويرى جان مارتن كلادينيوس[17] (1710 – 1759م) ـ وهو من أبرز الباحثين في علم الهرمنيوطيقا في ذالك العصر ـ أنّ الهرمنيوطيقا هي فن التفسير[18].

ويعتقد أنّه يصعب أن نفهم العبارات المقولة والمكتوبة بشكلٍ كاملٍ؛ بسبب وجود إبهاماتٍ فيها. الهرمنيوطيقا هي فن الوصول إلى الفهم الكامل والتام لهذه العبارات. ويمكن إزالة هذه الإبهامات اعتماداً على القواعد المحرّرة في هذا العلم[19].

ويرى كلادينيوس أيضاً أنّه يمكن من خلال التأويل أن نصل إلى المعنى القطعي والنهائي الذي يريده المؤلّف، ويهدف التأويل إلى الكشف عن هذا المعنى المراد[20].

وعلى ضوء هذا التعريف الأول، يمكن أن نقول بأنّ علم الهرمنيوطيقا هو بمنزلة علمَيِ التفسير وأصول الفقه السائدَين في أواسط العلماء المسلمين. ومن أهم أهداف هذين العلمين الإسلاميين هو تحليل وبيان قواعد الوصول إلى الفهم الصحيح للنصوص الدينية (الآيات والروايات). ويتجلّى هذا الأمر بوضوحٍ في مباحث الألفاظ من علم أصول الفقه السائد بين الأصوليين المسلمين، حيث بيحثون فيها عن القواعد التي نحتاج إليها للكشف عن مراد المتكلّم.

2. نظرية الفهم:

يرى شلايرماخر[21] أنّ الهرمنيوطيقا هي فنّ الفهم؛ أي الفن الذي لا يمكن الوصول إلى الفهم إلا من خلاله. وانطلاقاً من أن تفسير الفهم معرَّضٌ دائما لخطر الابتلاء بسوء الفهم، عدّ شلايرماخر الهرمنيوطيقا مجموعةَ قواعدَ منهجيةٍ تُستخدم لرفع هذا الخطر[22].

وقد بدّل هذا الفهمُ الهرمنيوطيقا من مجموعةِ قواعدَ إلى علمٍ منظَّمٍ ومتناسقٍ. وبعبارةٍ أخرى: الهدف الأساس من هذا الفهم للهرمنيوطيقا هو بيان شروط الفهم في كلِّ محاورة، بحيث يمكن عدّ أصولها أساساً لأيِّ نوعٍ من الفهم والتأويل. والجديد في هذه النظرة إلى الهرمنيوطيقا، أنّه عُرِّف هذا العلم لأوّل مرةٍ بأنّه الباحث عن نفس الفهم[23]. وعلى هذا الأساس، كان شلايرماخر في صدد بيان أن الهرمنيوطيقا نوعٌ من الفنون ـ أي هي شرحٌ منهجيٌّ للقواعد الحاكمة على النصوص ـ يُعنى ببيان كيفية التأويل بحيث لا نقع في التفسير بالرأي[24].

3. المنهج العام للعلوم الإنسانية:

يرى فيلهلم دلتاي[25] أنّ الهرمنيوطيقا منهجٌ عامٌّ وعلمٌ أساسٌ تُبنى عليه كل العلوم الإنسانية[26]. لذا، سعى أن ينظّم علم الهرمنيوطيقا  كمنهجٍ جامعٍ للفهم والتأويل في هذه العلوم.

وكان يريد أن ينقل نهضة كانط في العلوم الطبيعية إلى العلوم الإنسانية، لكن بمنهجٍ يتناسب معها. فكما أنّ كانط استفاد من نقد العقل المحض لفهم العلوم الطبيعية وبيانها، فإنّ دلتاي رأى أنّه يجب أن نبدأ من «نقد العقل التاريخي»[27] في العلوم الإنسانيّة. ويعتقد دلتاي أنّ الهرمنيوطيقا هي أفضل منهجٍ يمهّد للفهم الصحيح في العلوم الإنسانيّة[28].

ويؤكّد دلتاي على أنّ حصول الاطمئنان في العلوم الطبيعية مرهونٌ للمنهج الصحيح الحاكم فيها. ومن جهةٍ أخرى، خلص إلى أنّ الفراغ الأساس في العلوم الإنسانية هو عدم الاستفادة من منهجٍ جامعٍ. لذا، صبّ كل جهده لتقعيد علم الهرمنيوطيقا الذي يمهِّد المباني المنهجية للعلوم الإنسانية.

4. النظرية الوجودية للفهم:

التعاريف الثلاثة السابقة متقاربةٌ جداً، وتدور حول تهيئة الأرضية لتحقّق الفهم الصحيح لمراد المتكلّم   أو ـ الكاتب، والحذر من الوقوع في سوء فهمه. وفي الحقيقة، لا نشاهد بين هذه التعاريف اختلافاً أساسيّاً ولا غيرَ أساسيٍّ.

وهذا ما أكّد عليه جان غروندن في كتابه مدخلٌ إلى علم الهرمنيوطيقا الفلسفية (درآمدى به علم هرمنوتيك فلسفى). وهو يعتقد أنّه منذ ظهور الهرمنيوطيقا في القرن السابع عشر وإلى أواخر القرن التاسع عشر، كان المقصود من هذا العلم هو فنّ التأويل، أي تنظيم القواعد الحاكمة على التأويل. ويرى أنّ الهرمنيوطيقا في هذه القرون الثلاثة كانت علماً معياريّاً يعتمد على منهجٍ معرفيٍّ لأجل عدم الوقوع في سوء الفهم والتفسير بالرأي.

ومن هنا، تجد أنّهم في عصر النهضة قد استفادوا من الهرمنيوطيقا كـ «علمٍ مساعدٍ»، فدوّنوا الهرمنيوطيقا الكلامية والفلسفية والحقوقية، لأجل تأويل النصوص وتفسيرها[29].

وقد أدّت نشأة الهرمنيوطيقا الفلسفية إلى تحوّلٍ مهمٍّ في الاتجاهات الهرمنيوطيقا، وإلى تغيّرٍ جوهريٍّ لمفهوم الهرمنيوطيقا. فلم تكن الهرمنيوطيقا الفلسفية تبحث عن قواعد التأويل، ولا تريد بيان منهجٍ لكل العلوم الإنسانيّة؛ بل كانت بصدد تحليل ماهية الفهم نفسه، وتعدّه الهدف المحوري للهرمنيوطيقا.

وانطلاقاً من أنّ الفهم والتأويل جهات أساسية في وجود الإنسان، يرى هايدغر أنّ الهرمنيوطيقا تحليلٌ لظاهر الفهم الموجودة عند الإنسان، وبحسب عبارته: الهرمنيوطيقا هي «دازاين»[30].

وقد تابع غادامير رسالة هايدغر، ورأى أنّ الهرمنيوطيقا نوعٌ من النظرية الوجودية للفهم، بناءً على اعتباره وجود الفهم لغةً من اللغات[31]. ويعتقد هايدغر في مجال السؤال عن الوجود، أنّ أول وظيفةٍ هي تحليل الوجود الإنساني أو الدازاين.

طبعًا، يعدّ  هذا التحليل للوهلة الأولى تحليلاً تمهيديّاً يفسح المجال أمام تحليل الوجود نفسه[32]. ومن الواضح من تعاريف هايدغر وغادامير أنّ الهرمنيوطيقا الفلسفية أدّت إلى تحوّلٍ عميقٍ في أصل النظرة إلى الهرمنيوطيقا والمراد منها.

ففي هذه النظرة الجديدة، لا يمكن أن نقول بأنّ الهرمنيوطيقا أداةٌ وقواعدُ لأجل الوصول إلى المراد الجدّي للمؤلّف أو المتكلّم، بل صار محور هذا العلم هو تحليل وجود الفهم نفسه؛ وبعبارةٍ أخرى: صارت الهرمنيوطيقا تبحث عن شروئط تحقّق الفهم وخصائصها الوجودية.

فقد سحب هايدغر الهرمنيوطيقا من مجال المعرفة والمنهجية إلى مجال الوجود، وسعى إلى أن يؤسّس الهرمنيوطيقا على النظرية الوجودية. لكنّه لم يستطع أن يرجع إلى المباحث المعرفية وأن يجيب عن الأسئلة المرتبطة بها. أما غادامير، فقد سعى أن يُرجع الهرمنيوطيقا إلى الساحة المعرفية، وأن يحلّ مشكلة الهرمنيوطيقا [33]. ومن خلال التفاته إلى دخالة اللغة في الفهم، حاول أن يذكر تحليلاً لماهية المعرفة يكون صالحاً في كل المجالات المعرفية.

ويقول هايدغر عن مراده من الهرمنيوطيقا: «ليست الهرمنيوطيقا مرتبطةً بفن التأويل، كما أنّها ليست نفس التأويل، بل هي سعيٌ لأجل فهم «ما هو التأويل؟»[34].

5. نظام التأويل:

بعد عصر الهرمنيوطيقا الفلسفية، ذهب بول ريكور[35] إلى أنّ الهرمنيوطيقا شبيهةٌ بنظام تأويلٍ وتفسيرٍ. فعرّفها على النحو التالي: «هي نظريةٌ للقواعد الحاكمة على التفسير؛ أو بعبارةٍ أخرى: هي تأويلٌ لنصٍّ خاصٍّ أو لمجموعةٍ من العلامات التي تُعتبَر بمثابة النص»[36].

وهذا هو مراد ريكور عندما يقول: «الهرمنيوطيقا هي نظريةُ عمل الفهم عندما يتعامل مع تأويل النصوص»[37]. ويعتقد بول ريكون أنّ الهرمنيوطيقا عمليةٌ لفكّ الرموز، بحيث تنطلق من المعنى الظاهر للوصول إلى المعنى الباطن والمكنون[38].

ولا يحصر موضوع التأويل بالنصوص الاصطلاحية، بل يرى أنّ نظامه التأويلي يشمل الرموز الموجودة في الرؤيا وفي الأساطير ورموز المجتمع واللغة[39].

لمحة تاريخية عن الهرمنيوطيقا

بعد أن بيّنا مفهوم الهرمنيوطيقا بحسب النظريات المختلفة، نشير في ما يلي إلى السير التاريخي لتطوّر هذا العلم على مرّ القرون. فعلى الرغم من وضوح هذا التطوّر وتأثيراته العملية في هذا العصر، إلا أنه يجب ألّا نغفل عن تاريخ هذا العلم.

تُعدّ الهرمنيوطيقا الفلسفية المعاصرة محرِّكاً أساساً في هذا المجال، لكن لا بد من الالتفات أيضا إلى الهيرمينوطيقا الكلاسيكية والمعاصرة، لأنّه: أولاً: لا ينحصر علم الهرمنيوطيقا بحسب المصطلح الغربي بالاتجاه الفلسفي المعاصر، بل يشمل سائر الاتجاهات الهرمنيوطيقية أيضاً، وثانياً: يوجد الآن أتباعٌ للاتجاهات الهرمنيوطيقية غير الفلسفية، وهم ينتقدون الاتجاهات الهرمنيوطيقية الفلسفيّة والوجودية،

بل حتى أنّه في أواخر القرن العشرين نرى البعض لا يتبنّى الهرمنيوطيقا الفلسفية، وثالثاً: ليست الهرمنيوطيقا الفلسفيّة غيرَ مرتبطةٍ بالاتجاهات السابقة، بل وُجدت بسبب بعض الاتجاهات الحديثة كأفكار دلتاي.

ويُعاني تاريخ الهرمنيوطيقا من مشكلاتٍ ونقائصَ. فلأجل ذلك، لا يمكننا الوصول إلى تاريخٍ واضحٍ وجامعٍ وكاملٍ لهذا العلم. وهذا النقص معلولٌ لعدة عوامل، نشير إليها قبل أن نشرع في بيان اللمحة التاريخية عن الهرمنيوطيقا. وتجدر الإشارة إلى أنّنا نكتفي ببيانٍ إجماليٍّ لسير التحوّلات الهرمنيوطيقية؛ لأن تاريخها كبيرٌ…

مشكلات النظرة التاريخية إلى الهرمنيوطيقا بحسب المصطلح الغربي:
يصعب تحديد تاريخٍ معيّنٍ للهرمنيوطيقا بحسب المصطلح الغربي، بل يمكن القول بعدم إمكانه. وكلُّ من بادر إلى تحديد تاريخٍ لهذا العلم، فإنّك ترى في كلامه الكثير من الاضطراب.

فهل يمكن أن نتّهم مؤرّخي الهرمنيوطيقا بالضعف والتقصير في نظرتهم التاريخية إلى الهرمنيوطيقا بحسب المصطلح الغربي؟ هل واقعاً لا يستطيع الباحثون في الهرمنيوطيقا الوصول إلى تاريخها؟ كيف يمكننا أن نتجاوز هذا الفراغ المهم جدّاً في مجال علم الهرمنيوطيقا؟

يبدو لنا أنّ عدم وجود لمحةٍ تاريخيةٍ متناسبةٍ مع الهرمنيوطيقا الغربية، ليس معلولاً بالضرورة لضعف الكتّاب في المجال التاريخي، ولا لغفلتهم عن تاريخ الهرمنيوطيقا، بل ثمة عاملان رئيسان دخيلان في هذه المشكلة، هما:

1. اتّساع رقعة أبحاث الهرمنيوطيقا:

يصعب العثور على نقطةٍ محدّدةٍ لبداية تكوّن هذا العلم كما يصعب بيان تاريخٍ منظّمٍ له؛ بسبب اتّساع رقعة الأبحاث الهرمنيوطيقية وشمولها للكثير من الشؤون الإنسانية. وحيث إن علم الهرمنيوطيقا أساسٌ لعلومٍ إنسانيةٍ متعدّدةٍ[40]، مثل: الفن واللغة والحقوق والسياسة والكلام و…،

فقد أدّى ذلك إلى أن يُلتفت في تاريخ الهرمنيوطيقا إلى كل هذه المجالات الفكرية. فعلى سبيل المثال، إن كانت الهرمنيوطيقا أساساً لعلوم اللغة، فإنّه لا يمكننا أن نغفل في سير تطوّر علم الهرمنيوطيقا عن هذه العلوم اللغوية.

وهذا التوسّع في مجال استخدام الهرمنيوطيقا، قد أدّى إلى عدم الثبات في النظرة التاريخية إليها أو عدم تنظيمها. وعلى هذا الأساس، لا يمكننا الوصول إلى تاريخ جامع في هذا المجال.

2. عدم تقسيم أنواع النظرة التاريخية إلى الهرمنيوطيقا:

من الأمور المهمّة التي لا بد من الالتفات إليها هو وجود أنواعٍ مختلفةٍ في بيان تاريخ الهرمنيوطيقا؛ إذ يوجد ثلاث جهاتٍ يمكن من خلالها النظر إلى تاريخها:

1. تاريخ الأبحاث الهرمنيوطيقية.

2. تاريخ استخدام كلمة الهرمنيوطيقا.

3. تاريخ علم الهرمنيوطيقا من حيث كونه علماً منظّماً وممنهجاً.

أما الجهة الأولى، وهي تاريخ الأبحاث الهرمنيوطيقية، فلا ترتبط بالضرورة بلفظ الهرمنيوطيقا أو بمصطلحها؛ لأنّه لا علاقة لنا في هذه الجهة إلا بمضمون الهرمنيوطيقا.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون هذا المضمون مذكوراً في علم الهرمنيوطيقا أو تحت مصطلحه أو تحت أيِّ عنوانٍ آخرَ.

بل يجب أن نبحث عن مسائل الهرمنيوطيقا حتى لو لم يُتعرّض لها في ذيل مفهوم الهرمنيوطيقا ومرادفاته.

وأما الجهة الثانية، وهي تاريخ استخدام لفظ الهرمنيوطيقا ومشتقاته، فترتبط بمعرفة هذا اللفظ والأبحاث المرتبطة به. ونبحث في هذا القسم عن الأبعاد اللغوية لهذا اللفظ، وتاريخ استخدامه في كلمات المؤلّفين والمفكّرين. وهذه الجهة أيضاً أعمّ من أن يكون لفظ الهرمنيوطيقا قد استُخدم بشكله العلمي أو حاكياً فقط عن معناه اللغوي.

وأما الجهة الثالثة، وهي تاريخ علم الهرمنيوطيقا، فيُعنى فيها بنشأة هذا العلم وتشكّله وصيرورته علماً ممنهجاً. وفي هذا النوع من النظرة التاريخية، يكون المضمون والشكل مرتبطاً بالهرمنيوطيقا.

ومن خلال الالتفات إلى هذا التقسيم، يمكن القول بأنّ أحد أسباب الاضطراب في بيان تاريخ الهرمنيوطيقا هو عدم التفكيك بين أنواع النظرة التاريخية إلى هذا العلم. وانطلاقاً من اتّساع تاريخ الهرمنيوطيقا، ولا سيما في الجهتين الأولى والثالثة،

نرى أنّه من الضروري النظر إلى تاريخ هذا العلم بدقةٍ من هذه الجهات الثلاث. ويُلاحظ أنّ تاريخ الأبحاث الهرمنيوطيقية أطول بكثير من تاريخ علم الهرمنيوطيقا. كما أنّه يوجد مسافةٌ واسعةٌ بين تاريخ تشكّل هذا العلم وبين استخدام هذا المصطلح.

والمحور الأساس في هذا البحث هو بيان الهرمنيوطيقا من الجهة الثالثة، أي تاريخ علم الهرمنيوطيقا والتغيّرات التي طرأت عليه. وسوف نبيّن هذه الجهة بشكلٍ مفصّلٍ بعد أن نتعرّض إجمالاً لتاريخ الهرمنيوطيقا من الجهتين الأوليين.

تاريخ أبحاث الهرمنيوطيقا:

انطلاقاً من اتّساع الهرمنيوطيقا لجميع مجالات المعرفة الإنسانية، لا يمكننا أن نحدّد زماناً خاصّاً لتاريخ أبحاثها. فكلُّ سعيٍ للفهم أو التفسير أو التأويل الصحيح للكلام أو الظواهر، يكون في الحقيقة ضمن مجال أبحاث الهرمنيوطيقا.

وبهذا اللحاظ، يكون تاريخ الهرمنيوطيقا مساوياً لتاريخ خلقة الإنسان؛ لأنّه منذ وجوده يستفيد من قواه الإدراكية ويسعى دائماً للوصول إلى الفهم الصحيح للظواهر ولما يحيط به. وقد كان الإنسان دائم البحث عن الحقائق، ويحاول لأجل ذلك أن يستخدم أسهل أدوات الفهم والتفسير وأكثرها شيوعاً.

وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأنّ جذور تاريخ الهرمنيوطيقا -بهذا المعنى العام- ترجع إلى الفطرة الإنسانيّة. وقد كان الإنسان متعطّشاً دوماً للكشف عن الحقيقة وتفسيرها، وباذلاً قصارى جهده للوصول إلى هذا الهدف.

ولا يمكننا أن نعثر على حقبةٍ زمنيةٍ، يكون الإنسان قد تخلّى فيها عن هذا الأمر واقتنع بالظروف الموجودة. ولا يعني هذا التحليل أنّ الإنسان كان يسعى دائماً لتأمين الأدوات والقواعد اللازمة لأجل الوصول إلى ذلك الهدف المذكور، بل كثيراً ما كانت ترواده هواجس كشف الحقائق، ومع ذلك، لم يهيّئ علماً لازماً لتفسيرها وتأويلها.

طبعاً، لا ينحصر تاريخ الأبحاث الهرمنيوطيقية في هذه الموارد، بل يشمل النظريات المختلفة والمتنوّعة المرتبطة بالتفسير والفهم والتي لم تكن تحت علم الهرمنيوطيقا.

وعلى الرغم من أنّ لفظة الهرمنيوطيقا[41] بدأت بالرواج من القرن السابع عشر وما بعد، إلا أنّ تفسير النصوص ونظريات التأويل (الدينيّة والأدبيّة والحقوقيّة) ترجع إلى الزمن القديم.

وهكذا، عندما نقبل دلالة هذه الكلمة على نظريات التفسير، فإنّ الميدان الذي يشملها يرجع إلى زمن تفسير الكتاب المقدّس في العهد القديم، أي عندما كانت هناك قوانينُ لأجل تأويل التوراة بشكلٍ صحيحٍ[42].

ويُعدّ أغسطين فيلسوفاً ومتكلّماً ذا أثرٍ كبيرٍ على الهرمنيوطيقا الحديثة. فقد كتب مقالةً بعنوان «On Christian Doctrine»، كانت بحسب تعبير إبلينغ، أكثر الكتابات الهرمنيوطيقية تأثيراً باللحاظ التاريخي[43]. ومن المُلفت أن أغسطين لم يأتِ على ذكر لفظ الهرمنيوطيقا ضمن أبحاثه في هذا المجال.

كما يُعدّ سعي مفسّري الأديان المختلفة لبيان طريقةٍ مناسبةٍ لفهم الآيات الإلهية وتأويلها، وبالتالي ردّ الاتجاهات التفسيرية أو إثباتها، خطوةً كبيرةً في طريق الوصول إلى أدوات الفهم الصحيحة. كما لا يمكننا غضّ النظر عن جهود الأصوليين المسلمين على مرّ تاريخ أصول الفقه، حيث مهّدوا المباني اللازمة لاستنباط الأحكام الشرعية.

وقد ورد الأصوليون والمفسّرون إلى عمق الأبحاث الهرمنيوطيقية، دون أن يأتوا على ذكر لفظ الهرمنيوطيقا. وبغضّ النظر عن النصوص المقدّسة، فإنّنا نجد نماذج من تفسير النصوص وتأويلها في الأدبيات العرفانية.

كما أنّه يمكننا أن نُدرج النصوص الفلسفية التي بحثت عن مسألة التأويل ونظرياتها، ضمن أبحاث الهرمنيوطيقا، على الرغم من أنّها لم تدوَّن ضمن هذا العلم. ولعل أقدم نموذجٍ لهذه النصوص هو محاورة أيون التي كتبها أفلاطون. إذ يحاور فيها سقراطُ أيون ـ الذي هو أحد رواة وشارحي شعر هومر.

ويبيّن نظريةً مرتبطةً بالتأويل، خلاصتها: أنّ الشعراء يتّصلون بمصدر إلهامٍ شعريٍّ. فهم يمثّلون أول حلقةٍ في سلسلةٍ متصلةٍ بمصدرٍ مغناطيسيٍّ، حيث يتأثّرون بهذا المصدر بشكلٍ تلقائيٍّ. أما الشرّاح والرواة، فهم بمثابة الحلقة الثانية المتصلة بالشعراء، فيتأثّرون بقوى الشعر الإلهية التي يأخذونها من الشعراء، ويطرحون الأفكار والمسائل بين عموم الناس.

وبالتالي، ينتقل مغناطيس الشعر إلى الشعراء ثم إلى الرواة أو الشرّاح، ومنهم إلى جميع الناس[44].
وفي نهاية هذا الحوار، يشير أفلاطون إلى أنّ اطّلاع الراوي على الموضوع المذكور في الشعر، يساعده على تأويل الشعر بشكلٍ دقيقٍ. ويمكن عدّ النص الجميل لأفلاطون مشيراً إلى ما يرتبط بالابتعاد عن قصد المؤلِّف. وهذا مالم يكن ملتفِتاً إليه أفلاطون نفسه في ذلك الزمن، لكنّه ينفعنا في الأبحاث الجديدة[45].

تاريخ استخدام لفظ الهرمنيوطيقا:

المراد من لفظ الهرمنيوطيقا ومشتقاته، ما يعمّ الاستخدام اللغوي والاصطلاحي. وقد استخدم أرسطو هذا اللفظ في كتابه أرغنون في رسالة «پری أرمينياس» (المرتبطة بالتأويل)[46]. كما أنّ أفلاطون قد استخدم هذا اللفظ في عدة موارد، منها: عندما عدّ الشعراء مفسّرين[47] إلهيين[48].

كما يمكن العثور على لفظتَيْ هرمنيويين وهرمينيا في بعض آثار المفكّرين والكتّاب التابعين للعصر القديم. فنجد هذه الكلمات في تراجيديا أديبوس وفي كتابات: غزنفون، وبلوتارك، وأبيقوروس، ولوكرسيوس، ولونغينوس[49].

وفي القرن السابع عشر (1654م)، استفاد دان هاور[50] من لفظة هرمنيوطيقا في عنوان كتابه Hermeneutica sacra sive methodus exponendarum sacrarum litterarum؛ أي الهرمنيوطيقا المقدّسة أو منهج تأويل النصوص المقدّسة[51].

وفي الواقع، يُعدّ هذا القرن بدايةً للاستعمال الرسمي والهادف للفظة هرمنيوطيقا؛ لأنّه من هذا القرن فصاعداً، صار هذا اللفظ اسماً لعلمٍ رسميٍّ، وبدأ العلماء يبحثون عن النظريات المرتبطة به ويبيّنونها.

وقد تقدّم سابقاً أنّ القرن السابع عشر يُعدّ بداية التشكّل الرسمي للهرمنيوطيقا كعلمٍ خاصٍّ. وفي الواقع، صار هذا التحوّل بدايةً لاستخدام لفظ الهرمنيوطيقا في عناوين الكتب والمقالات والمحاضرات العلمية؛ ثم بعد ذلك، أضحى المفكّرون الكبار يستفيدون من هذه الكلمة في كتاباتهم وأبحاثهم.

وممّن استفاد كثيراً منها في كتاباته، نذكر: جان مارتن كلادينيوس في أواسط القرن الثامن عشر، وأوغست وُولف في أواخر القرن الثامن عشر، وشلايرماخر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وفيلهلم دلتاي في أواخر القرن التاسع عشر، وهايدغر وغادامير في القرن العشرين، وهابرماس وريكور وبِتّي وهِرش و… في النصف الثاني من القرن العشرين.

تاريخ علم الهرمنيوطيقا:

يشتمل بيان تاريخ علم الهرمنيوطيقا على لمحةٍ تاريخيّةٍ لصيرورتها علماً مستقلّاً وممنهجاً، بدأ من فترةٍ محدّدةٍ ثم دخل في مرحلة التطوّر أو الأفول. وعلى هذا الأساس، فإنّنا لن نُعنى في هذه الجهة من النظرة التاريخية ببيان تاريخ التفسير والتأويل، ولا لجذور استخدام لفظ الهرمنيوطيقا، وإن كانا مرتبطين بعلم الهرمنيوطيقا.

وقد كان تشكّل هذا العلم مسبوقاً بعواملَ خاصةٍ، جعلت تكوّنه وتوسّعه ضروريّاً. لذا، سوف نتحدّث عنها كأرضيةٍ لظهور هذا العلم، ثم نشرح تاريخ التكوّن والتوسّع.

1. أرضية نشأة علم الهرمنيوطيقا:

لقد تأثّر علم الهرمنيوطيقا بنهضة الإصلاح الديني كما تأثّرت بها الكثير من التحوّلات الأساسيّة في اللغة وفي الثقافة والفكر المسيحيين. فقد بدأت هذه النهضة في أحضان عصر النهضة[52]، متأثرةً بأسبابه وحوادثه.

وهذا ما هيّأ الأرضية لظهور وتطوّر الاتجاهات الحديثة المرتبطة بالعالم والإنسان والله والدين والفكر البشري. وفي الواقع، تُعدّ نهضة الإصلاح الديني ردّة فعلٍ طبيعيةٍ على الحاكمية المطلقة للكنيسة وآبائها في أواخر القرون الوسطى.

فقد نجح أرباب الكنيسة وآباؤها إلى أواخر القرون الوسطى بالحصول على المرجعية التامة في دين الناس ودنياهم. فكانت الكنيسة الواسطة الوحيدة في إيمان الناس، حتى وصل الأمر إلى أن صارت الطريقَ الوحيد للتديّن.

وكانت إدارة الكنيسة محتاجةً إلى أموال الناس، لذا، لم يكن أمامها إلا جلب أموال الناس الطائلة من خلال الأساليب الدينية (كبيع صكوك الغفران). وهذا ما أدّى إلى إبعاد الناس عن الأدبيات السائدة في الكنيسة.

وكان الآباء محتاجين إلى المصادر المالية وإلى الأتباع الأوفياء، حتى يحقّقوا أهدافهم الدنيوية أثناء زعامتهم. ولم تكن الحاجة إلى المال أمراً جديداً، لكن الطرق غير المشروعة لكسبه أدّت إلى ظهور تفاسيرَ كثيرةٍ.

يقول بعض الشهود: كلّما دخلت إلى غرفة القضاء في كنيسة البابا رأيت التجار والكهنة يتساومون ويعدّون الأموال المتراكمة أمامهم[53]. وقد أدّى هذا الغِنى المترَف إلى أن يُعرِّف آباء الكنيسة عن أنفسهم بأنّهم المرجع الوحيد في تفسير الكتاب المقدّس وفهمه.

وقد أكّدوا في الفكر الكاثوليكي أنّه كلّما تحدّث الأب في ظروفٍ خاصةٍ عن مواضيعَ مرتبطةٍ بالإيمان والأخلاق، فإنّ حديثه مصونٌ من الخطأ؛ أي إنّ الأحكام والأصول التي يذكرها، لا تكون قابلةً للنفي، كما لا مجال لتطرّق الخطأ إليها…

وليست الكنيسة فقط غيرَ محتاجةٍ إلى الإصلاح، بل لا يمكن إصلاحها؛ لأنها في أعلى المراتب حيث لا قابلية للإصلاح[54].

وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية بمرجعيّة الكتاب المقدّس، وترى أنّ بيدها تحديد مفهوم المرجعية. فأيُّ نوعٍ من المرجعية أو الصلاحية الصادر عن رأس الكنيسة، أو أيُّ كلامٍ مرتبطٍ بالإيمان والأخلاق يصدر عن هذا الرأس أيضاً، لا بد أن يكون مصوناً من الخطأ وغيرَ قابلٍ للتغيير والإصلاح، ولا يوجد فيه احتمالُ للخطأ[55]. ويقول جان باير ناس بصراحةٍ:

«كان للكنيسة في ذلك الزمان مقرّراتٌ وتأسيساتٌ خاصةٌ لجمع المال؛ فعلى سبيل المثال: كانوا يأخذون المال بإزاء: صكوك الغفران والأمن من العذاب الأخروي، والاعتراف، والتعميد، وتكاليف الزواج والعزاء، وغير ذلك من وظائف الكنيسة»[56].

وقد ساهمت هذه العوامل في تهيئة الأرضية لنهضةٍ أساسيةٍ، فلم يكن بإمكان الناس تحمّل سلوك الكنيسة وعقائد أربابها المربحة. وكان الفساد الأخلاقي والسياسي والمالي لأرباب الكنيسة مُظهرًا لتناقض أفعالهم وأقوالهم.

وكان الكهنة غارقين في تصرّفاتهم النفعية، حتى أنّه لم يكن يخطر في بالهم احتمال زوال مرجعيّة الكنيسة وحجيّتها.

إلا أنّ نهضة الإصلاح الديني البروتستانتي، قد ظهرت بنحوٍ لا يُصدّق. ويجب ألّا ننسى في هذا المجال السعي الحثيث لمارتن لوثر قائد هذه النهضة. فقد قال بشكلٍ متناسبٍ مع حال الناس المتوسّطين وحاجاتهم:

أنا أقول لكم إنّه لا يحق للآباء ولا للأساقفة ولا لأيِّ شخصٍ آخرَ أن يأمر المسيحيين حتى بكلمةٍ واحدةٍ، إلا أن يقبل المسيحي ذلك بطيب خاطرٍ.

ولو قبِله، فإنّه يكون قد رضخ لروح الاستبداد. وأنا أقول لكم باسم الحرية والوجدان: إنّه يجب ألّا يُفرض أيُّ قانونٍ على المسيحيين، بل هم يتبعون القانون الذي يريدونه ويرضونه، لأنّنا محرّرون ومخلَّصون من كل هذه القيود[57].

وصار فساد الكنيسة واضحاً جدّاً وغيرَ مرغوبٍ. وفي الحقيقة، لم تكن الكنيسة في نظر أناس ذلك الزمن إلا جهازاً طويلاً عريضاً يهدف إلى جمع النقود والأموال[58].

ويرى لوثر أنّ صكوك الغفران والمعاملات والتوبة هي أمورٌ مخالفةٌ تماماً لحقائق تعاليم عيسى المطلقة. وادّعى أنّ كل الكهنة، من الأسقف إلى البابا، معرّضون للخطأ.

ويعتقد بأنّه يجب على كلِّ إنسانٍ أن يربط قلبه بإلهه الرحيم بشكلٍ مباشرٍ ودون واسطة أحدٍ. ثم خلص إلى أنّه لا يُراد من الكنيسة الحقيقية أيُّ نوعٍ من التشكيلات الخاصة،

بل هي هذا الاتصال الحاصل بين المؤمنين بقيادة عيسى. وذهب إلى أنّ القوة الوحيدة الحاكمة بين العيسويين هي الكتاب المقدّس[59].

وعلى إثر جهود لوثر، تغيّرت مرجعيّة الدين من الكنيسة إلى الكتاب المقدّس وشخص عيسى. وعلى هذا الأساس، يمكن لأي مسيحيٍّ أن يفهم الكتاب المقدّس؛ إذ لم يعد فهمه منحصراً بالكهنة. فكل من يستطيع القراءة والكتابة، فإنّ بإمكانه أن يفهم الكتاب المقدّس بمساعدة عيسى وفيضه.

ويُعدّ هذا التخلّي عن وساطة الكنيسة في التفسير، تحوّلاً جديداً تشكّل في أحضان البروتستانتينية. وهو على ما يبدو قد جلب نوعاً جديداً من الحرية للمسيحيين.

لكن أوّل مشكلة هدّدت هذا الاتجاه هي كيفية تفسير النصوص وتأويلها؛ لأنّه من الآن فصاعداً، يجب أن يكون كلُّ شخصٍ مفسّراً للكتاب المقدّس.

وقد شعرت المحافل البروتستانتية الألمانية بحاجةٍ شديدةٍ إلى كتابٍ دليلٍ في مجال التأويل. وهذا لأجل مساعدة الكهنة البروتستانت؛ لأنّهم صاروا في معرض السؤال عن التأويل، بعد أن كانوا يُسألون فقط عن حجية الكنيسة[60].

وشدّدت نهضة الإصلاح الديني وشيوع الفكر البروتستانتي على الحاجة إلى قواعدَ وأصولٍ لتفسير الكتاب المقدّس. وبعد أن انقطعت العلاقة بين البروتستانت الألمان وبين الكنيسة الرومانية، وتبعهم على ذلك سائر البروتستانتيين، رفعوا أيديهم عن تفسير الكنيسة الرسمي للكتاب المقدّس.

وشاعت الرسائل والكتابات المستقلة المرتبطة بتنقيح قواعد تفسير الكتاب المقدّس، ولم يطلقوا على ذلك اسم الهرمنيوطيقا إلى حوالي القرن السابع عشر[61]. وعلى هذا الأساس، يمكن عدّ نهضة الإصلاح الديني من أهم العوامل التي مهّدت الأرضية لنشوء علم الهرمنيوطيقا.

2. علم الهرمنيوطيقا: ظهوره وتطوّره وتحوّلاته

يمكن تقسيم علم الهرمنيوطيقا (كعلمٍ يبحث عن الفهم الصحيح ومنطق التفسير) إلى أربعِ مراحلَ متتاليةٍ: مرحلة ما قبل الحداثة، مرحلة الحداثة، المرحلة الفلسفيّة، ومرحلة ما بعد الفلسفة. وسوف نبيّن في ما يلي سير التحوّلات التاريخية الهرمنيوطيقية على ضوء هذه المراحل الأربع.

أ.  هرمنيوطيقا ما قبل الحداثة أو الهرمنيوطيقا الكلاسيكيّة:

تقدّم سابقاً أنّه يمكن أن نعتبر أوّل ظهورٍ لعلم الهرمنيوطيقا هو في القرن السابع عشر، وأنّه مرهونٌ لدان هاور الذي انتشر كتابه (الهرمنيوطيقا المقدّسة أو منهج تأويل النصوص المقدّسة) سنة 1654م.

وقد سعى في هذا الكتاب إلى التمييز بين التفسير وبين علم الهرمنيوطيقا. فذهب إلى أنّ التفسير هو شرحٌ بالفعل للنصوص، بينما الهرمنيوطيقا هي علمٌ لتدوين القواعد والمناهج الحاكمة على التفسير.

ومن هنا، صار أساساً لتحوّلات الهرمنيوطيقا في ما بعد. وفي الواقع، يمكن عدّه أول شخصٍ استفاد من لفظ الهرمنيوطيقا في عنوان كتابه[62].

وثمّة شخصيةٌ مميّزةٌ أخرى تركت أثراً على تاريخ الهرمنيوطيقا هي شخصية الفيلسوف واللاهوتي في القرن الثامن عشر مارتن كلادينيوس.

فقد كتب كتاباً لأجل بيان أسس نظريةٍ كاملةٍ مرتبطةٍ بالتأويل والتفسير (انتشر سنة 1742هـ)، وسمّاه: مدخلٌ إلى التأويل الصحيح للكلام العقلي والكتب العقلية[63].

وأراد كلادينيوس من علم الهرمنيوطيقا أن يشرح أصول علم التأويل. ويعتقد أنّه بإمكاننا من خلال أدوات التأويل أن نصل إلى المعنى القطعي والنهائي الذي يريده المؤلف؛ لأنه يرى أن معنى كل مؤلَفٍ هو أنّه حاصل سعي  المؤلِّف لبيان  المعنى الذي في ذهنه[64].

ب. الهيرمينوطيقا الحديثة:

دخلت الهرمنيوطيقا إلى ساحةٍ جديدةٍ من خلال محاولات شلايرماخر. لذا، يُعدّ هو مؤسسَ الهرمنيوطيقا الحديثة[65]. وعلى الرغم من وجود شخصياتٍ كثيرةٍ قد أثّرت في سير ظهور الهرمنيوطيقا وتحولّها، إلا أنّ شلايرماخر ودلتاي هما العالمان المهمّان اللّذان كان لهما عظيم الأثر في تشكّل الهرمنيوطيقا في هذه المرحلة. لذا، سوف نتعرّض في هذا القسم للحديث عنهما فقط.

فلشلايرماخر ابتكاران خاصان: الأوّل: في تعريفه للهرمنيوطيقا حيث عرّفها بأنّها نظرية الفهم. وبدأ بالسؤال التالي: «كيف يمكننا أن نفهم عبارةً من كلامٍ مَقولٍ أو مكتوبٍ؟»؛ والثاني: في تفسيره للفهم.

وقبل شلايرماخر، كان الفهم الصحيح أمراً طبيعيّاً ورائجاً، إلا في بعض الموارد التي يكتنفها الإبهام والغموض. أما هو، فيعتقد أنّ سوء الفهم هو الأصل، ويبدأ عمل الهرمنيوطيقا مع بداية كل فهمٍ؛ لأنّنا دائماً في معرض سوء الفهم[66].

والشخصية الثانية المؤثّرة في هذا المجال هي شخصية فيلهلم دلتاي (1833 – 1911م). وأهم ما قام به هو توسعة دائرة الهرمنيوطيقا لتشمل كل العلوم الإنسانية والاجتماعية؛ أي كان يسعى للعثور على مبنًى لكلِّ فروع العلوم الإنسانيّة، بحيث يكون مؤوِّلاً لكل الأمور المرتبطة بالإنسان، أعم من أن تكون سلوكاً أو أفعالاً تاريخيةً أو قوانينَ أساسيةً أو آثاراً  فنيةً أو لغويةً[67].

ويرى دلتاي أنّ عمله، هو في الواقع تكملةٌ لما قام به شلايرماخر. وكان يحترمه كثيراً، حتى أنّه كتب كتاباً كبيراً بعنوان: حياة شلايرماخر. وأهم كتاب لدلتاي في مجال الهرمنيوطيقا هو رسالةٌ صغيرةٌ بعنوان: مصدر الهرمنيوطيقا وتكاملها، حيث كتبها سنة 1900م[68].

ج) الهرمنيوطيقا الفلسفية:

يمكن أن نعدّ القرن العشرين أعظم تحوّلٍ للهرمنيوطيقا. فقد أدّى البحث الهرمنيوطيقي في هذه المرحلة إلى ظهور اتجاهاتٍ متعدّدة في شتّى المجالات المعرفية.

وإلى قبيل هذه المرحلة، كنا نعدّ الهرمنيوطيقا علمَ منهج التفسير أو نظرية الفهم؛ لكن منها فصاعداً، لن تهتم الهرمنيوطيقا الفلسفية بهذه الهيكلية العلمية، بل سوف تخطو أبعد من ذلك، حيث صار يُدّعى أنّ الهدف الأساس للهرمنيوطيقا هو التحليل الوجودي للفهم نفسه.

وقد استطاع مؤسّس الهرمنيوطيقا الفلسفية مارتن هايدغر (1889 – 1976م) أن يفتح بواسطة تأمّلاته العميقة آفاقاً جديدةً نحو الهرمنيوطيقا المعاصرة. وصارت كتبه (الصعبة والمغلقة)، ولا سيما كتابه المشهور الوجود والزمان[69]، أساساً فكريّاً لأنصاره في الهرمنيوطيقا الفلسفية.

وقد كان يعتقد أنّ الهرمنيوطيقا ليست مرتبطةً بفن التأويل، كما أنّها ليست نفس التأويل، بل هي سعيٌ للوصول إلى معرفة ما هو التأويل[70]؛ أي إنّ رسالة الهرمنيوطيقا متمحورةٌ حول نفس الفهم والتأويل.

والشخصية الثانية المميّزة في الهرمنيوطيقا الفلسفية هي غادامير، حيث استطاع من خلال اتّباع هايدغر ومنهجه أن يُحدث تغيّراتٍ عظيمةً في الهرمنيوطيقا.

وعلى الرغم من وجود نقاطِ اشتراكٍ أساسيةٍ بين هرمنيوطيقا هايدغر وهرمنيوطيقا غادامير، إلا أنّ غادامير أبدى اتجاهاتٍ جديدةً ومختلفةً، انعكست في كتابه المهم الحقيقة والمنهج[71].

ومن الخصائص المهمة لغادامير أنّ نظرياته قد أثّرت عمليّاً على المجالات المعرفية المختلفة كالبحث الديني ونظرية المعرفة الدينية. ثم صارت الاتجاهات الهرمنيوطيقية لغادامير مبانيَ معرفيةً موجِّهةً للكثير من المفكّرين الغرب.

وقد نتج عن الهرمنيوطيقا الفلسفية عدّةُ أمورٍ، من قبيل: النسبية المعرفية، التعدّدية الدينية، تعدّد القراءات عن الدين و…[72].

د) مرحلة نقد الهرمنيوطيقا الفلسفية:

لقد أثّرت الهرمنيوطيقا الفلسفية بشكلٍ كبيرٍ على الاتجاهات الهرمنيوطيقية في القرن العشرين. وبعد غادامير، ظهرت اتجاهاتٌ مخالفةُ لهايدغر وغادامير، على الرغم من المحافظة على بعض النقاط التي طرحاها.

وطرح كلُّ عالِمٍ بعد غادامير جهة من الهرمنيوطيقا الفلسفية الغالبة كتحدٍّ علميٍّ يجب معالجته (وكان لهذه الطروحات مراتبُ مختلفةٌ). فبعضهم، مثل هابرماس[73] وريكور، قبِل بعض ادّعاءات الهرمنيوطيقا الفلسفية، وخالف بعض جهاتها. والبعض الآخر، مثل إميليو بِتِّي[74] وهِرش[75]، هاجم الهرمنيوطيقا النسبية من خلال طرح الهرمنيوطيقا الموضوعية.

ولعل أهم نقدٍ لهابرماس على غادامير هو نفي عمومية الهرمنيوطيقا الفلسفية؛ لأنّه يرى أنّه يمكن قبول تحليل غادامير لماهية الفهم في مجال فهم الفن والتاريخ، ولا يمكن قبوله في مجال التفسير وفهم العمل الاجتماعي[76].

ويُعدّ بول ريكور أحد العلماء الذين استفادوا من النظريات السابقة عليهم ليكون لهم تبعيةٌ خاصةٌ بالهرمنيوطيقا الفلسفية. وترى في كتاباته أبحاثاً مختلفةً من قبيل: فلسفة الإرادة، البحث النفسي، التفسير الرمزي، البنيوية، الظاهراتية، نقد هرمنيوطيقا غادامير والدفاع عنه، إبداء نظرياتٍ في اللغة وتفسير النص.

ويمكن أن نعدّها أبحاثاً في «الفلسفة التأمّلية». وهو يعتقد أنّ الهرمنيوطيقا طريقٌ نحو فلسفة التأمّل[77].

أما إميلو بِتّي، فهو حقوقيٌّ إيطاليٌّ معروفٌ. لم تكن وظيفته الأصلية مرتبطةً بالهرمنيوطيقا، بل كانت أغلب كتاباته في مجال الحقوق. نعم، كان له مطالعاتٌ وتحقيقاتٌ في مجال الهرمنيوطيقا.

ولم يكن فيلسوفاً محترفاً، وهدفه الأساس من دراسة الهرمنيوطيقا هو تقديم منهجٍ وهيكليةٍ أساسيةٍ للعلوم الإنسانية[78].

أظهر بِتّي ردّة فعلٍ نحو الاتجاه الذهني والنسبي للهرمنيوطيقا الفلسفية لهايدغر وغادامير. وبخلافهما، فقد دافع عن الهرمنيوطيقا التي تشتمل على معاييرَ علميةٍ لعينية التفسير والفهم في العلوم الإنسانية.

وكانت الهرمنيوطيقا التي بحثها جدلية أو ردّة فعلٍ. وقد طرح بِتّي، خلال الهرمنيوطيقا الفلسفية، نظريةً عامةً في التفسير، يمكن على أساسها أن ندرك مقصود المؤلّف[79].

وأما إيريك هِرش، فهو من ناقدي الهرمنيوطيقا النسبية، ومن أنصار الهرمنيوطيقا العينية
ـ أو الموضوعية. كتبه المشهورة في مجال الهرمنيوطيقا، هي: الاعتبار في التفسير[80]، وأهداف التفسير[81].

وقد اتّضحت في كتابات هِرش الهرمنيوطيقية الأبحاثُ التي طرحها بِتّي في  نظريته العامة في التفسير[82].

وقد وجّه هِرش الاعتبار والعينية في التفسير في مستويين:

أولاً: دافع عن قصد المؤلّف واعتباره بمنزلة المرجع النهائي في تفسير النصوص الأدبية.
وثانياً: انتقد الاتجاه الذهني في الهرمنيوطيقا وعدّه معياراً معرفيّاً مضِلًّا[83].

———————————————–
[1]*ـ باحث في الفلسفة والإلهيات ـ إيران.
ـ تعريب: حسنين الجمال.
[2]- اختلفوا في إضافة حرف s في أواخر كلمة Hermeneutics. فذكر بعضهم أنّ هذا الحرف لا يُحدث أيَّ تغييرٍ على هذه اللفظة؛ بينما ذهب بعضٌ آخرُ إلى أنّه يلزم إضافته إن أردنا بلفظ الهرمنيوطيقا علماً خاصّاً ومجموعةَ مسائلَ نظريةٍ وفكريةٍ (انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص  2- 3). ومرادنا هنا من استعمال هذا المصطلح مع حرف s هو الإشارة إلى الهيرمينوطيقا كعلمٍ خاصٍّ ومستقلٍّ.
[3]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 19.
[4]- بحث أرسطو في هذه الرسالة عن منطق الجمل، أي قوانين كلام الإنسان.
[5]- Peri Hermeneias.
[6]- See: kurt Mueller- Vollmer, The Hermeneutics Reader, p. 1.
[7]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 19.
[8]- See: kurt Mueller- Vollmer, The Hermeneutics Reader, p. 1.
[9]- See: Van A. Harvey, “Hermeneutics”, in: Encyclopedia of religion, edited by Mircea Eliade, v. 6, p. 279.
[10]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 20.
[11]- Martin Heidegger.
[12]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 20.
[13]- وقد ظهرت هذه التعاريف الاصطلاحية خلال مراحل تاريخية خاصة. وهذا ما سوف نبيّننه في الدرس الثاني إن شاء الله.
[14]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 42.
[15]- انظر: المصدر نفسه، ص: 43.
[16]- الهيرمينوطيقا الكلاسيكية هي في الواقع أقدم شكلٍ لعلم الهرمنيوطيقا، وتعتمد منهجاً معرفياً لأجل الوصول إلى أهم أهدافها الذي هو بيان القواعد الصحيحة لتفسير النصوص المقدسة.
[17]- Martin Cladenuis.
[18]- Art of interpretation.
[19]- See: kurt Mueller- Vollmer, The Hermeneutics Reader, p. 5.
[20]- انظر: بابك أحمدي، ساختار و تأويل متن، ج 2، ص: 523.
[21]- Friedrich D. E. Schleiermacher.
[22]- انظر: أحمد واعظى، درآمدى بر هرمنوتيك، ص: 27.
[23]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 49 – 50.
[24]- انظر: جان غروندن، درآمدى به علم هرمنوتيك فلسفى، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 38.
[25]- Wilhelm Dilthey.
[26]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 50.
[27]- سوف يوافيك مراده من نقد العقل التاريخي في الدروس القادمة إن شاء الله.
[28]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 50.
[29]- انظر: جان غروندن، درآمدى به علم هرمنوتيك فلسفى، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 13.
[30]- Dasein، وهي كلمة ألمانية مركبة من “da” بمعنى “هناك”، و“sein” بمعنى “الوجود”، فصبح معنى هذه الكلمة “الوجود هناك”.
[31]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 51 – 52.
[32]- انظر: مارتين هايدغر، هستى و زمان، ترجمة: سياوش جمادى، ص 96.
[33]- انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن، ج 2، ص: 570؛ مهدوى تهرانى، مبانى كلامى اجتهاد در برداشت از قرآن كريم، ص: 201.
[34]- بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن، ج 2، ص: 562.
[35]- Paul Ricoeur.
[36]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 52.
[37]- بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن، ج 2، ص: 570.
[38]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 53.
[39]- انظر: المصدر نفسه.
[40]- طبعاً، هذا الاتّساع معقولٌ؛ لأن وجود الإنسان له دورٌ أساسٌ في كل العلوم الإنسانية. وحيثما يتدخّل الإنسان، فإنّه لا بد من حضور مسألة الفهم والتفسير أو التأويل. فالإنسان بطبيعته يسعى نحو فهم كل موضوعٍ يواجهه وتفسيره وتأويله.
[41]- Hermeneutics.
[42]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 44.
[43]- See: Jean Grondin, Introduction to Philosophical Hermeneutics, p. 33.
[44]- انظر: بابك أحمدي، ساختار وهرمنوتيك، ص: 72.
[45]- انظر: المصدر نفسه.
[46]- See: kurt Mueller- Vollmer, The Hermeneutics Reader, p. 1.
[47]- Hermenes.
[48]- See: Hermenes/ Michael Inwood, Routledge Encyclopedia of Philosophy, v. 4, p.385.
[49]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة محمد سعيد حنائي كاشاني، ص 19؛ عبد الله نصرى، راز متن: هرمنوتيك، قرائت پذیری متن ومنطق فهم دين، ص: 81.
[50]- Dann Huer.
[51]- See: Hermenes/ Michael Inwood, Routledge Encyclopedia of Philosophy, v. 4, p.385.
[52]- Renaissance.
[53]- انظر: جاكسن اشبيل فوغل، تمدن مغرب زمين، ترجمة: محمد حسين آريا، ص: 568.
[54]- انظر: روربرت ماك آفي براون، روح آيين پروتستان، ترجمة: فريبرز مجيدى، ص: 315 – 316.
[55]- انظر: المصدر نفسه، ص: 328.
[56]- جان باير ناس، تاريخ جامع أديان، ترجمة: علي أصغر حكمت، ص: 665.
[57]- المصدر نفسه، ص: 667.
[58]- انظر: المصدر نفسه.
[59]- انظر: المصدر نفسه، ص: 670.
[60]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 42.
[61]- انظر: أحمد واعظي، درآمدى بر هرمنوتيك، ص: 75.
[62]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 42.
[63]- Introduction to the Correct Interpretation of Reasonable Discourse And Books.
[64]- انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن، ج 2، ص: 523.
kurt Mueller- Vollmer, The Hermeneutics Reader, p.5.
[65]- Encyclopedia of Philosophy, v. 5. See: Routledge.
[66]- انظر: أحمد واعظي، درآمدى بر هرمنوتيك، ص: 83.
[67]- انظر: ريتشارد بالمر، علم هرمنوتيك، ترجمة: محمد سعيد حنائي كاشاني، ص: 109.
[68]- انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن، ج 2، ص: 530.
[69]- Exisence And Being.
[70]- انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن، ج 2، ص: 562.
[71]- Truth And Method.
[72]- من الواضح أن هذه الأمور ليست نتيجةً فقط للهيرمنيوطيقا الفلسفية، بل تجد بعضاً منها، مثل النسبية، في نظرياتٍ شخصياتٍ يونانيةٍ قديمة كبروتاغوراس. لكنه طرح بناءً على مبانٍ أخرى، وليس بناءً على الهرمنيوطيقا الفلسفية.
[73]- لا بد من الالتفات إلى أن هابرماس لم يكن باحثاً في الهرمنيوطيقا، بل كان عالَم اجتماعٍ مهتمّاً بنقد الهرمنيوطيقا الفلسفية.
[74]- Emilio Betti.
[75]- E. D. Hirsch.
[76]- انظر: أحمد واعظي، درآمدى بر هرمنوتيك، ص: 332.
[77]- انظر: المصدر نفسه، ص: 351.
[78]- See: Maurizio Ferraris, History of Hermeneutics, p. 234.
[79]- See: Jean Grondin, Introduction to Philosophical Hermeneutics, p. 126.
[80]- Validity In Interpretation.
[81]- Aims of Interpretation.
[82]- See: Jean Grondin, Introduction to Philosophical Hermeneutics, p. 239.
[83]- See: Ibid.
البحث: مفهوم الهرمنيوطيقا
الباحث : صفدر إلهي راد
اسم المجلة : الاستغراب
العدد : 19
السنة : السنة الرابعة -ربيع 2020 م / 1441 هـ
تاريخ إضافة البحث : July / 14 / 2020
 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى