البحث العلمي

رأيٌ في مَنهَجِ التَّفكيرِ والبَحث

تدْبيرُ المعرِفة، ومنهجُ تَركيبِ المَعْلوماتِ في الذّهنِ، والتّفكيرُ في طَرائقِ إخراجِها إلى حيز الوُجود ليتلقّاها القارئُ ويُدرِكَها ويتقبَّلَها بِارتياحٍ.


الأصلُ في العبارةِ عن المَعلوماتِ تنظيمُها وترتيبُها قبلَ إخراجِها، فَلا يُتصوّرُ أن تندفِعَ المَعلوماتُ والمَعارِفُ من ذهنِ صاحبِها وتهجمَ على ذهنِ القارئِ طَفْرةً واحدةً؛ فلا بدّ من ترتيبِ المَعْلوماتِ لتيسيرِ إدْراكِها.


و مُنطَلَقُ إخراجِ المَعْلوماتِ البدْءُ بالفكرةِ العامّة، المُجمَلَةِ المُركّزَةِ، التي تُختصَرُ في ألفاظٍ وَجيزةٍ، ثمّ عرضُ أجزائها الكُبرى وأقْسامِها الرّئيسَةِ عَرضاً مُنظَّماً يُـيَسِّـرُ إدراكَ الفكرةِ ومؤلِّـفاتِها.


وبعْدَ عرضِ الأجزاءِ يُعمَدُ إلى التّفصيلِ في كلِّ جزءٍ، عندَ الحاجَة، والانتقالِ من العامِّ إلى الخاصّ ومن المُختصَر الأكبَر إلى التَّفاصيلِ.


ومن آلياتِ عرضِ المَعلوماتِ الحرصُ على الإيجازِ وتحرّي الدّقّةِ والتّركيزِ؛ فإنّ تَرتيبَ المَعْلوماتِ في أثناءِ عرضِها تابعٌ لترتيبِها في الذّهنِ، وتفسيرُ ذلِكَ أنّ العقلَ البشرِيَّ مُبرْمَجٌ بحسبِ خاناتٍ أو قَوالِبَ تُدعى بِنظامِ القالَبيّةِ أو القَوْلَبَة Modularity ؛ أي يَعملُ العَقلُ وفقاً لقواعدَ ومبادئَ متعدّدةٍ، مُستَقلّ بعضُها عَن بعضٍ، لأنّ العقلَ يعملُ وفقاً لأطرٍ كَثيرةٍ.


أمّا إذا قالَ القائلُ إننا لا ندْري كيفَ نعْرِضُ المعلوماتِ وإنّ الذّهنَ يكونُ في أغلبِ أحوالِه قلقاً مضطرِباً غيرَ مرتّبٍ؛ فالجوابُ أنّ هناكَ عوائقَ من خارجِ العقلِ تَحولُ دونَ حصولِ النّظامِ، عوائق وحَواجز اجتماعيّة ونفسيّة وخيْبَة أملٍ منَ الباحثينَ، خيْبَةٌ مصدرُها غَيْبَة، خيبَةُ أملٍ نَبَعَتْ، من غَيْبَةٍ عن القِراءةِ والاستذْكارِ، شَسعَتْ فطلَعَت على الذّهنِ ومنهجِ الكتابَةِ بكلِّ مُضطَرَبٍ،


من هذه العَوائقِ تعدّدُ اللّغاتِ وصِراعُ البنياتِ اللّغويّة في نفسِ المتكلِّم الواحدِ، والاضطراباتُ النّفسيّةُ التي تُفسِدُ على المُتكلّمِ أو الباحثِ تَرتيبَ أفكارِه، ومنها المُشكلاتُ الاجتماعيّةُ التي تشغلُه عن اتّخاذِ منهجٍ دَقيقٍ مناسبٍ، في التَّفكيرِ والتَّعبير.

عبد الرحمن بودرع

أ.د. عبد الرحمن بودرع : أكاديمي مغربي، متخصص في "اللغويات العربية" و"لسانيات النص وتحليل الخطاب"، أستاذ التعليم العالي جامعة عبد المالك السعدي- كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. نائب رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية بمكة. عضو مُحكَّم في لجان التحكيم لمجلات عربية، ولبعض مراكز البحث العلمي الجامعية العربية. عضو الهيئة العلمية لمجلة "مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية" بمكة. أصدر مجموعة من الكتب والمؤلفات المهمة في تخصُّصِه، نذكر منها " الأَسَاس المعرِفِيّ للغوِيّاتِ العَرَبِيَّةِ " 2000م. " جوامع الكلم في البيان النبوي " 2005م. " من ظواهر الأشباه والنظائر بين اللغويات العربية و الدرس اللساني المعاصر" 2005م. " من قَضايا النَّظَرِيّة اللغويّة العربيّة" 2007م. " المنتقى من فَصيح الألفاظ للمعاني المُتَداوَلَة" 2008م. " الأسُس المعرفية للغويات العربية" 2013م. " في اللسانيات واللغة العربية، قضايا ونماذج" 2016م. "في السياسة اللغوية والتخطيط، قضايا ونماذج" 2017م. "النص الذي نَحيا به، قضايا ونماذج في تَماسُك النص ووحدَة بنائه" 2018م. إضافة إلى طائفة من الكتب في التأليف الجماعي نذكر منها؛ "اللّغة وبِناءُ الذّات" 2004م. "التّداوليّات وتَحليل الخطاب، بٌحوث محكّمَة" 2014م. "المعجمية العربية، قضايا وآفاق" 2014م. "المعجم التاريخي للغة العربية، رؤى وملامح" 2016م. "مركزية سيبويه في الثقافة العربية" 2017م. "مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي" 2019م. حصل على جائزة الشرف المتميز، للبحث العلمي من جامعة عبد المالك السعدي : 2009 / 2010/ 2011 / 2015 / 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى