الكنائس والذهب والفقراء: مفارقة تُعيد النظر في القيم الإنسانية
يُعَدُّ الكاتب الروسي مكسيم غوركي من أبرز الأدباء الذين سلطوا الضوء على التناقضات الاجتماعية الصارخة، ومن بين اقتباساته الشهيرة قوله:
“إن الكنائس في المدن الكبيرة؛ مليئة بالفضة والذهب اللذيْن لا حاجة لله بهما، في حين يرتجف على أبواب الكنائس عددٌ لا يُحصى من الفقراء؛ ينتظرون بفارغ الصبر؛ هباتٍ نحيلةٍ تُلقى في أيديهم المفتوحة”.
هذا الاقتباس لا يعكس مجرد رؤية نقدية للمؤسسات الدينية، بل يُجسِّد صورة مؤلمة عن الهوة العميقة بين الغنى والفقر، بين السلطة الروحية والمُعاناة الاجتماعية.
- بين القيم الروحية والمظاهر الدنيوية
لطالما وُجِدَت المؤسسات الدينية كملاذٍ للروح، وكمصدرٍ للطمأنينة والإرشاد. غير أن تراكم الثروات داخل بعض هذه المؤسسات يثير تساؤلات جوهرية حول دورها الحقيقي في تحقيق العدالة الاجتماعية، إذ كيف يُعقل أن تزخر الكنائس والمعابد بالكنوز، بينما يموت الفقراء جوعًا على أعتابها؟
- النقد الأدبي والاجتماعي عند غوركي
تميّز مكسيم غوركي بطرحه الأدبي الناقد، حيث تناول قضايا الفقر، الظلم، والاستغلال في المجتمع الروسي، ما جعله رمزًا للأدب الواقعي.
في رواياته وقصصه، يُسلِّط الضوء على الأوضاع المزرية للطبقات الكادحة، ويُدين الفجوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء، الأمر الذي ينعكس جليًا في هذا الاقتباس.
- رسالة غوركي في السياق المعاصر
حتى في عصرنا الحالي، لا يزال هذا المشهد قائمًا بأشكال مختلفة. فبينما تتضخم ثروات المؤسسات الدينية، وتُبنى المعابد والكنائس الفخمة، يبقى الملايين حول العالم يعانون من الجوع والتشرد، مما يدفع للتساؤل: هل فقدت المؤسسات الروحية رسالتها الأصلية في خدمة الإنسان؟
تحمل كلمات مكسيم غوركي صدى عميقًا يتجاوز الزمن، وتدعونا للتأمل في طبيعة التناقضات الاجتماعية، والبحث عن حلول أكثر عدلاً، حيث لا يكون الإيمان مجرد مظهر، بل قوة دافعة لتخفيف معاناة المحتاجين.