تربية وتعليم

الكتاب المدرسي التفاعلي

في حمأة السجالات التي أثارها الكتاب المدرسي المتضمن لألفاظ من الدارجة المغربية، ما تزال تتوارد السجالات والإبداعات النصية والصورية التي تتضمنها الوسائط الشعبية الجديدة. ومن بين ما استوقفني منها تداول فيديو قصير عن تجربة سعودية دشنت هذه السنة، حول كتاب مدرسي للسنة الثانية ابتدائي، تعتمد تقنية رمز الاستجابة السريعة، المعروف بالباركود (QR) في تعليم اللغة العربية، حيث يقوم المعلم بفتح صفحة من الكتاب المدرسي تتضمن صورة لمصفوفة الرموز الشريطية الثنائية الأبعاد، وبوضع هاتف ذكي على الصورة يقوم بمسحها وقراءتها تبدأ قراءة أناشيد، أو عرض صورة، أو نص.


أعجبت كثيرا بالتجربة التي يذكر الفيديو أنها من إنتاج مجموعة من المعلمات والمعلمين، وتساءلت مع نفسي لماذا يثار عندنا نقاش وسجال حول مضمون كتاب مدرسي في الوقت الذي نجد تجارب عربية مختلفة تستفيد من التقنية الجديدة للمعلومات والتواصل، في تيسير عملية التعلم والتعليم لمواد تدريس اللغة العربية والعلوم وغيرها من المواد؟

هل نحن ما نزال بعيدين عن تطوير البرمجيات المتداولة، والانتقال إلى التعليم الرقمي؟ أم أن التوجهات اللاوطنية ما تزال هي المهيمنة، والتي بدل أن تدفعنا إلى التوجه إلى المستقبل تفرض علينا الرجوع إلى الوراء لمناقشة قضايا تجاوزتها الأمم والشعوب، حول اللغة التي علينا أن نتلقى بها العلوم والمعارف؟

إن غياب الخيارات الاستراتيجية في تطوير الممارسة التربوية لا يمكنها إلا أن تسهم في الخوض في السجالات والنقاشات التي تحرف التعليم عن مساره الحقيقي لخلق الإنسان القادر على التفاعل مع العصر بالطريقة الملائمة.

لا يعني هذا أن المشتغلين في القطاع التربوي التعليمي في المغرب لا علاقة لهم بالتكنولوجيا، أو الرغبة في التطوير. لقد تعرفت على بعض المفتشين والمعلمين انخرطوا في الاهتمام بالتعليم الرقمي منذ بداية الألفية الجديدة، ولكن اجتهاداتهم ظلت على مستوى شخصي، أو استثمارها في الجوانب التقنية الخاصة بالتنظيم الإداري ولم تتحول إلى الاستفادة من المحتوى التفاعلي في التأليف المدرسي، باستخدام البرمجيات الجديدة.

إن ضوابط اعتماد التأليف المدرسي الذي تقدمه الوزارة الوصية لا غبار عليها لأنها ليست سوى صورة عما نجده في دفاتر الاعتماد الأجنبية أو العربية، لكن المشكل في التصريف والخلفيات السياسوية التي تؤولها التأويل المبيّت. فمبدأ الاتصال بالروح المغربية ينبغي أن ينسجم مع مبدأ تطوير الرصيد اللغوي للتلميذ، وليس تهجين لغته. ولعل هذا من العوامل التي حرفت السجال وجعلته يتركز على جوانب تبتعد بنا عن التجديد والتطوير.

أتذكر أننا عندما كنا في الستينيات في المدرسة الابتدائية، كانت الكتب المدرسية المتداولة من لبنان ومصر تقرر في المدارس الحرة. وكانت على مستوى عال من حيث المادة المقدمة لتدريس العربية، رغم كونها غير مثيرة على المستوى الجمالي. لكنها كونت أجيالا من المتعلمين ما يزالون يحنون إلى تلك الحقب. أما تجربة أحمد بوكماخ فقد تحولت إلى أسطورة بسبب تفاعلها مع تلك التجارب العربية.

إن الاستفادة من التقنيات الجديدة في التأليف المدرسي، مطلب مهم لتطوير المنظومة التعليمية. إنها إلى جانب ارتباطها بالعصر الذي تفتح الأجيال الجديدة أعينها على منجزاته، تقدم إمكانات هائلة في التحصيل اللغوي والمعرفي، عن طريق البعد التفاعلي، وتجربة الباركود دالة على ذلك.

كما أنها من جهة أخرى تسهم في التخفيف من العبء الثقيل الذي تتحمله محفظة التلميذ المثقلة بالكتب الثقيلة والباهظة الثمن. لقد صار الدخول المدرسي مكلفا للأسر وصار الكتاب المدرسي غاليا جدا، ما دمنا لا نتحدث عن مجانية هذه الكتب إسوة ببعض الدول العربية.

ولا يستفيد من استمرار هذا الوضع سوى المدارس الخاصة التي تتاجر في هذه الكتب، ولا سيما في المقررات الأجنبية، وتجار التعليم، هذا علاوة على دور النشر المحلية والمطابع الإسبانية. ويبدو لي أن من بين أسباب تردي التعليم ما يعود إلى أنه صار بقرة حلوبا لمن يبغي الثراء الفاحش، على حساب أدائه دوره في تكوين أجيال المستقبل.

في حين نجد تجارب دولية وعربية بدأت تعمل في اتجاه الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة، لما تقدمه من تقنيات في التعلم، وفي الحفاظ على البيئة أيضا، وعلى جيوب الآباء عند كل دخول مدرسي. لكن أنى لنا الاستفادة من هذه التقنيات الجديدة؟ وفي أي لغة؟

ها نحن نعود مجددا إلى لغة التدريس التي تفرض نفسها علينا. إن تدريس المعلومات بالفرنسية وعدم تقديمها بالعربية كي لا أقول تعريبها، جعل المشتغلين بها عندنا، وبتقديمها لنا لتوظيفها في الحياة العامة غير قادرين على الإنتاج بها عربيا، ولذلك ظلت لغة الإدارة والوثائق المتداولة عندنا فرنسية. فلماذا نجحت اليابان والصين والهند وبعض الدول العربية في إنتاج برمجيات بلغاتها، في حين بقيت لغة المعلومات عندنا لا علاقة لها بالروح المغربية ولا بأصالتنا.

لا يمكننا تطوير الكتاب المدرسي المغربي بدون صناعة برمجيات عربية. ولن يتاح لنا أبدا تطوير المعلومات بدون اعتماد اللغة العربية في تعلمها، وبدون التفاعل مع التجارب العربية، وإلا بقينا أسارى الفرنسية التي نستبقيها بالدفاع عن الدارجة؟

سعيد يقطين

كاتب وناقد مغربي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، متخصص في السرديات العربية، أستاذ زائر بعدد من الجامعات العربية والغربية، حاصل على جائزة الشيخ زايد في الفنون والدراسات الأدبية، وجائزة الكويت للتقدم العلمي؛ نسخة 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى