أحضر رجل ولده الى القاضي، فقال: يامولانا إن ولدي هذا يشرب الخَمر ولايُصلي، فأنكر ولده ذلك، فقال أبوه: ياسيدي، أفتكون صلاة بغير قراءة؟
فقال الولد: إني أقرأ القرآن، فقال له القاضي: اقرأ حتى أسمع، فقال:
علق القلب الربابا ** بعدما شابت وشابا
إن دين الله حق ** لا أرى فيه ارتيابا
فقال أبوه: إنه لم يتعلم هذا إلا البارحة، سرق مصحف الجيران، وحفظ هذا منه، فقال القاضي: وأنا الآخر أحفظ آية منها، وهي:
فارحمي مُضنى ً كئيبا ً ** قد رأى الهجر عذابا
ثم قال القاضي: قاتلكم الله، يتعلم أحدكم القرآن ولايعمل به.
* وقال رجل لولده وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: لا أقسم بهذا البلد، ووالدي بلا ولد.
فقال: لعمري من كنتَ أنتَ ولدَهُ، فهو بلا ولد.
* وكان لرجل من الأعراب ولد اسمه حمزة، فبينما هو يوما ً يمشي مع أبيه إذ برجل يصيح بشاب: يا عبدالله، فلم يجبه ذلك الشاب، فقال: ألا تسمع؟ فقال: ياعم، كلنا عبيد الله، فأي عبد تعني؟ فالتفت أبو حمزة إليه وقال: ياحمزة، الا تنظر الى بلاغة هذا الشاب؟
فلما كان من الغد إذا برجل ينادي شابا ً: يا حمزة، فقال حمزة بن الأعرابي: كلنا حماميز الله، فأي حمزة تعني، فقال له أبوه: ليس يعنيك، يا من أخمد الله به ذكر أبيه.
* سلم أعرابي ولده الى المعلم، فغاب عنه مدة ثم قال له: في أي سورة أنت؟ فقال: في يا أيها الكافرون، فقال: بئس العصابة أنت فيهم، ثم تركه مدة، وقال: في أي سورة أنت؟ فقال: في إذا جاءك المنافقون، فقال: والله ما تتقلب إلا على أوتاد الكفر، عليك بغنمك فارعها.
* وجاء نحوي يعود مريضا ً، فطرق بابه، فخرج إليه ولده، فقال: كيف وجدت أباك؟ قال: ياعم ورمت رجليه قال: لاتلحن، قل: رجلاه، ثم ماذا؟ قال: وصل الورم الى ركبتاه، قال: لاتلحن، قل: الى ركبتيه، ثم ماذا؟ قال: مات، وأدخله الله في بظر عيالك وعيال سيبويه ونفطويه وجحشويه.
* قال الجاحظ: مررت على خربة، فاذا بها معلم وهو ينبح نبيح الكلاب، فوقفت أنظر إليه، وإذا بصبي قد خرج من دار، فقبض عليه المعلم، وجعل يلطمه ويسبه، فقلت: عرفني خبره، فقال: هذا صبي لئيم، يكره التعليم، ويهرب ويدخل الدار، ولا يخرج، وله كلب يلعب به، فإذا سمع صوتي ظن أنه صوت الكلب، فيخرج فأمسكه.
* وقال بعضهم: رأيت معلما ً وقد جاء صغيران يتماسكان، فقال أحدهما: هذا عض أذني، فقال الآخر: لا والله يا سيدنا،هو الذي عض أذن نفسه، فقال المعلم: يا ابن الزانية، هو جملا ً يعض أذن نفسه.
* وجاءت امرأة الى المعلم بولدها تشكوه، فقال له: إما تنتهي، وإلا فعلت بأمك، فقالت: يامعلم، هذا صبي ما ينفع فيه الكلام، فافعل ماشئت لعله ينظر بعينه ويتوب، فقام وفعل بها أمام ولدها.
* قال عثمان بن دراج الطفيلي: مرت بنا جنازة يوما ً، ومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكي، وتقول: الآن يذهبون بك الى بيت لا فراش فيه، ولاغطاء، ولا وطاء، ولا خبز، ولا ماء، فقال: يا أبت الى بيتنا والله يذهبون.
* وقال الجاحظ: مررت بمعلم صبيان، وعنده عصا طويلة وعصا قصيرة وصولجان وكرة وطبل وبوق، فقلت: ماهذه؟ فقال: عندي صغار أوباش، فأقول لأحدهم: اقرأ لوحك، فيصفر لي بضرطة، فأضربه بالعصا القصيرة، فيتأخر، فأضربه بالعصا الطويلة.
فيفر من بين يدي، فأضع الكرة في الصولجان وأضربه فأشجه، فتقوم إلي الصغار كلهم بالألواح، فأجعل الطبل في عنقي، والبوق في فمي، وأضرب الطبل وأنفخ في البوق، فيسمع أهل الدرب ذلك، فيسارعون إلي ويخلصوني منهم.
* اجتمع نصراني ومحدث في سفينة، فصب النصراني خمرا ًمن زق كان معه في شربة وشرب، ثم صب فيها وعرض على المحدث، فتناولها من غير فكر ولا مبالاة، فقال النصراني:جعلت فداك، إنما هي خمرة، قال: من أين علمت أنها خمرة؟ قال: اشتراها غلامي من يهودي، وحلف أنها خمرة.
فشربها المحدث على عجل، وقال للنصراني: يا أحمق، نحن أصحاب الحديث نضعفُ مثل سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، أفنصدق نصرانيا ً عن غلامه عن يهودي ! والله ما شربتها إلا لضعف الاسناد !.
* وكان رجل يسمى تاج الوعظ،يعظ الناس ويقص عليهم حتى يبكيهم، ثم لم يقم حتى يضحكهم ويبسط آمالهم. فمن لطائفه: أنه حكى يوما ً بعدما فرغ من ميعاده، قال: سمعت الناس يتكلمون في التصحيف، وكنت لا أعرفه، فوقع في قلبي أن أتعلمه، فدخلت في سوق الكتبيين.
واشتريت كتابا ً في التصحيف، فأول ما تصفحته وجدت فيه: سكباج، تصحيفه نيك تاج، فرميت الكتاب من يدي، وحلفت أني لاأشتغل به أبدا ً، فضحك الناس حتى غُشيَ عليهم.
* ورفعت امرأة زوجها الى القاضي تبغي الفرقة، وزعمت أنه يبول في الفراش كل ليلة، فقال الرجل للقاضي: ياسيدي، لاتعجل علي حتى أقص عليك قصتي، إني أرى في منامي كأني في جزيرة في البحر، وفيها قصر عال ٍ، وفوق القصر قبة عالية، وفوق القبة جمل، وأنا على ظهر الجمل، وإن الجمل يطأطئ برأسه ليشرب من البحر،
فإذا رأيت ُ ذلك بُلتُ من شدة الخوف، فلما سمع القاضي ذلك بال في فراشه وثيابه،وقال: ياهذه أنا قد أخذني البول من هول حديثه، فكيف بمن يرى الأمرعيانا ً.
*وحكى الأصمعي أن عجوزا ً من الأعراب،جلست في طريق مكة إلى فتيان يشربون نبيذا ً، فسقوها قدحا، فطابت نفسها، فتبسمت، فسقوها قدحا ً آخر، فاحمروجهها وضحكت، فسقوها ثالثا ً، فقالت: خبروني عن نسائكم بالعراق، أيشربن النبيذ؟ قالوا: نعم، قالت: زَنيَنَ ورب الكعبة، والله ان صدقتم ما فيكم من يعرف أباه.
*ود خلت أعرابية على قوم يصلون، فقرأ الإمامُ ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) /النساء: 3/ وجعل يرددها، فجعلت الأعرابية تعدو وهي هاربة،حتى جاءت لأختها فقالت: يا أختاه، مازال الإمام ُ يأمرهم أن ينكحونا، حتى خشيت أن يقعوا علي َ.
* وقدم تاجر الى المدينة يحمل من خُمُر العراق، فباع الجميع إلا السود، فشكا الى الدارمي ذلك، وكان الدارمي قد نسك وتعبد، فعمل بيتين، وأمر من يغني بهما في المدينة، وهما هذان البيتان:
قل للمليحة في الخمار الأسود ** ماذا فعلت بزاهد متعبد
قد كان شمر للصلاة إزاره ** حتى قعدت له بباب المسجد
قال: فشاع الخبر في المدينة: إن الدارمي رجع عن زهده، وتعشق صاحبة الخِمار الأسود، فلم يبق في المدينة مليحة إلا اشترت خِمارا ً أسود، فلما أنفذ التاجرما كان معه رجع الدارمي الى تعبده، وعمد الى ثباب نسكه فلبسها.
* وجاء رجل الى بعض الفقهاء، فقال له: أنا أعبد الله على مذهب ابن حنبل، وإني توضأت وصليت، فبينما أنا في الصلاة، إذ أحسست ببلل في سروالي يتلزق، فشممته فإذا رائحته كريهة خبيثة، فقال الفقيه: عافاك الله، خريت بإجماع المذاهب.
*وأتى بعض المجان لبعض القضاة، فقال: ياسيدي، إن امرأتي قحبانا، فقال له القاضي: طلقهانا، فقال: عشقانا، فقال: قودانا.
*ووقف سائل على باب، فقالوا: يفتح الله عليك، فقال كسرة، فقالوا: مانقدر عليها، قال: فقليل من بُر(حب القمح) أو فول أو شعير، قالوا:لانقدر عليه، قال: فقطعة دهن،أو قليل زيت أولبن، قالوا: لانجده، قال: فشربة ماء، قالوا: وليس عندنا ماء، قال: فما جلوسكم ههنا؟ قوموا فاسألوا، فأنتم أحق مني بالسؤال.
* وسمع مؤذن حمص يقول في سحور رمضان: تسحروا فقد أمرتكم، وعجلوا في أكلكم، قبل أن أؤذن فيسخم الله وجوهكم.
*وشوهد مؤذن يؤذن من رقعة، فقيل له:ماتحفظ الأذان؟ فقال: سلوا القاضي، فأتوه، فقالوا:السلام عليكم، فأخرج دفترا ً وتصفحه، وقال: وعليكم السلام، فعذروا المؤذن.
*وتنبأ رجل في زمن المتوكل، فلما حضر بين يديه، قال له: أنت نبي؟ قال: نعم، قال: فما الدليل على صحة نبوتك؟ قال:القرآن العزيز يشهد بنبوتي،في قوله تعالى: (إذا جاء نصرالله والفتح) / النصر:1/ وأنا اسمي نصرالله، قال: فما معجزتك؟
قال: ائتوني بامرأة عاقر، أنكحها، تحمل بولد يتكلم في الساعة، ويؤمن بي، فقال المتوكل لوزيره الحسن بن عيسى: أعطه زوجتك حتى تبصر كرامته، فقال الوزير: أما أنا، فأشهد أنه نبي الله، وإنما يعطي زوجته من لايؤمن به، فضحك المتوكل وأطلقه.