التشكيلي السوري “عامر أيوب” .. المفهوم المعاصر للأيقونة الدينية
فن الأيقونة والتصوير الجداري وتأملات الرمزية الدينية وتناولها الفني في تجربة التشكيلي السوري عامر أيوب، تضع المتلقي أمام عدة تساؤلات عن الوجود والمنشود عن القيامة والتضحية عن الإيمان والعطاء عن المحبة والسلام، كل تلك التفاصيل الدقيقة التي تجادل الفناء بالبقاء في أعماله وتستثير التعبير الفني إلى مفاهيم وتصورات تحوّل التحليل الجمالي في العمل الفني إلى رمزيات لها دقّتها التجريبية العالية؛
فتتخطى مُجرّد الانتماء للأيقونة إلى التعبير بها أبعد في الانتماء للواقع والرغبة في التحوّل الإيجابي إلى عالم أكثر جمالية وأمانا وسلاما، وبالتالي تحيل الأعمال الفنية في تجربة عامر أيوب إلى الوقوف أمام دهشة نورانية متفاوتة الدرجات البصرية والتبصرية.
فهو يجيد تفكيك اللون وتطويعه وتركيب الأشكال بأحجامها وتوظيف الأيقونة الدينية عبر تماثلاتها الرمزية من خلال الاتصال الكنسي المسيحي الذي انبثقت منه ثقافته الأولى وهو يحاور اللغة الروحية في تكاملات البحث الوثيق عن الإنسانية وعن ذلك القبس المضيء الذي تُشرق منه كل تلك الأديان، فهو يحمل فلسفة بصرية مكّنته من أن يُحوّل قراءة رؤاه التشكيلية التعبيرية نحو العمق الإنساني من خلال الأثر التجريبي التشكيلي بدرجاته المعاصرة وفقا للمفهوم المقصود النابع منه والمُنطلق نحو العالم باختلاف هويّة الانتماء لديه.
وتفسير الفن الأيقوني يرتبط في مستوياته التعبيرية الجمالية بين علاقته المفتوحة بصريا مع التوظيف الكامل للأبعاد سيميائيا كونه فنا ساطعا بالعلامة أو فن الرمز وهو ما يحيل إلى كيفية اعتماده وتصنيفه بين الفن الأيقوني أو فن الأيقونة، وهو ما يحيل على التفسير الذي قدّمه مؤرّخ الفن الألماني إرفين بانوفسكي Erwin Panofsky.
حيث كان يعالج فكرة الفرق بين الأيقونة والأيقوني من خلال البحث عن الفرق الجمالي في توظيفها الشكلي أولا كصورة واضحة وقراءة مباشرة وثانيا كتعامل موضوعي بدلالة ومقد رمزي، وبالتالي يعتبر أن توظيفها رمزيا أيقونيا يحيلها إلى العلامة وإلى قراءتها السيميائية التي توافق في حضورها رمزيا مقاصد العمق الذي يعكس مجاراة المفهوم الفني فيها.
بما يعني أن تكون قائمة في التفسير ومتداخلة مع عرض الفكرة حسب الواقع فتتحوّل من مجرّد لوغو تعبيري له إطاره الديني العقائدي إلى دلالة فنية قادرة على التمازج مع العمق التعبيري للوحة و العمل الفني.
وفي تجربة عامر أيوب يتجلى الرمز الأيقوني في عدّة مراحل وتكوينات ما يحيل بالضرورة على الكينونة الإنسانية وعلى السلام الداخلي والمحبة التي تتجلى في سكون الكون وبهدوء معلن وصخب مفهوم من خلال القراءة العميقة التي تصارع التناقضات لتصل إلى تلك السكينة اللامعة والمشرقة.
وبالتالي فقد تمكّن من توظيف الأيقونة كعلامة بصرية ورمزية تعبيرية، فقد كان لتوظيفه الرموز المسيحية دلالاته وتعابيره ورؤاه البصرية العميقة التي تخلّصت من جوانب الفكرة الدينية المحدودة والسطحية والمباشرة التي تحصر فنه في نمط معيّن إلى تعميم كامل وحضور شامل يمسّ الإنسانية خاصة وأن الأعمال تحيل إلى توسعات المقاصد الإنسانية التي تجتمع على المحبة والتعايش،
وبالتالي دفع ذلك التوظيف بالمتلقي إلى أن يتكامل مع الرمزية نحو البحث في دلالاتها التعبيرية وتفسيراتها.
تشدّ تراكيب الأعمال الفنية التي يقدّمها عامر أيوب المتلقي بشكل ملحّ نحو اللون في مساحاته الأولى التي تحتل حيّز الرؤية الأولى للعمق فهي تستدرج الرؤية نحو التفاصيل الداخلية، فقد استطاع أن يغوص في التفاصيل فتمكن من بلورة الفكرة من خلال التعبير بتجليات صوفية ملونة تحاكي فكرة السلام بتناغم روحي يتراتل مع الأيقونات التي يوظّف فيها خاماته الأساسية من قماش وألوان تمبرا لتبدو شفافة ومتلألئة وثابتة
وكأنها تنبثق من سرمديات تحاول بدورها الالتحام مع النور والإشراق بالأمل حيث يستنطق المعنى من الرمز الديني ويبلور فيه المشاعر بالقرب والألفة والإنسانية والمحبة والتعايش والاندماج بتجليات تجسيد التشخيص الديني في حضور المسيح وتجليات العذراء وفي التوافقات المتكاملة مع الكون بصفاء ينشر بريقه الإيماني على الفضاء الرحب،
وهو ما ساعده بصريا وجماليا على أن ينتصر للذات الإنسانية وهي تصارع من أجل الثبات على انسانيتها والبقاء على عهدها في ضمان جمالية وهدوء الاستمرار.
الأعمال المرفقة: متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية – Farhat Art Museum Collections.