الذكرى الـ95 لميلاد ماركيز.. أعماله لا تزال الأكثر مبيعًا
في ذكرى ميلاده الخامسة والتسعين، ثمة تأكيد على أنه كاتب لا يموت، فأعماله لا تزال الأعلى مبيعًا، والدراسات الأكاديمية حول أعماله لا تتوقف، وثمة بحث عن كل ما كتبه لجمعه في كتاب يعطي صورة ما، ويضيف ملمحًا آخر، عن كيف كان، وماذا قال.
في هذا السياق، صدر مؤخرًا كتابان بهدف الاقتراب منه.
- “ماكينة الذاكرة”
الكتاب الذي صدر هذه الأيام كان بعنوان “ماكينة الذاكرة”، وهو يضم مقالات وحوارات حول حياة الكاتب الكولومبي وأعماله وإرثه. وهو كتاب إلكتروني من 219 صفحة مقسّم إلى قسمين: الأول بعنوان “نحكي لغابو”، والثاني “نتحدث حول غابو”. أما عنوان الكتاب نفسه فمستلهم من الماكينة التي ابتكرها خوسيه أركاديو بوينديا، إحدى شخصيات “مائة عام من العزلة”، ليواجه بها النسيان الناتج عن وباء الأرق الذي أصاب سكان ماكوندو.
القسم الأول من الكتاب يضم 11 ريبورتاجًا ومقالًا تحكي أبعادًا شبه مجهولة عن الراوي الكولومبي. هذه الحكايات لا تتأمل فحسب مهنة غارثيا ماركيز الأدبية، وإنما أيضًا دوره كصحافي وسينمائي ومدافع عن حقوق الإنسان، وكمواطن ناقد وعاشق للموسيقى.
في القسم الثاني مجموعة مختارة من 12 مقابلة مع كتاب وشعراء ومؤرخين وصحافيين وباحثين مشهورين حول صورة غارثيا ماركيز وأثر أعماله في الوقت الراهن.
- وداعًا غابو ومرثيدس
الكتاب الثاني الذي صدر منذ شهور مضت، كتبه السينمائي رودريغو غارثيا، وهو ابن غارثيا ماركيز ومرثيدس بارتشا، وعنونه “غابو ومرثيدس: وداعًا”، وفيه يرسم صورة صادقة وعاطفية حول الأيام الأخيرة لأبويه. المذكرات الصادرة بالإسبانية عن دار بينغوين راندوم دفعة عاطفية تتناول أيامًا لم يكن القراء ينتظرونها، لكنهم يحتاجون إليها. فموت الأب دائمًا صعب، لكن موت كاتب نوبلي في الأدب يحمل كثيرًا من الذكريات والأشخاص، استطاع الابن أن يرصدها.
يكتب رودريغو في المذكرات: “أقرأ نسخًا كثيرة بقدر استطاعتي، وكل جريدة تؤكد مظاهر مختلفة من حياته أو من إنجازاته. ومرة أخرى، أبذل كل جهدي لمصالحة هذا الشخص الذي يظهر في الصحافة مع الشخص الذي قضيت معه الأسابيع الأخيرة، الشخص المريض المحتضر، وفي نهاية المطاف الشخص الذي غدا رمادًا في علبة. أصالح بين الشخصين وبين أبي طفولتي، هذا الذي بات فجأة ابني وأخي”.
شعر رودريغو في لحظة ما بالذنب، لم يكن يريد الكتابة عن شيء قد يجرح حياته العائلية. في البداية لم يكن متأكدًا من أنه سينشر ما يكتبه أو كيف ستكون النتيجة النهائية. لكنه كان يعرف أنه لن يستطيع نشره ما دام بوسع أمه أن تقرأه؛ “ليس لأن هناك شيئًا مخزيًا، وإنما لأنها حياة خاصة في النهاية”، يقول.
حين ماتت أمه العام الماضي، انتبه إلى الموضوع الذي يريد حكيه: وداع كليهما، إذ كانت عائلته، بالإضافة لأخيه غونثالو، “نادي الأربعة”. بقية الأقرباء كانوا يعيشون في كولومبيا. يقول رودريغو: “هي حكاية عن كيف مات مؤسسا نادي الأربعة. لم تكن نيتي كتابة كتاب عن موت أبي الشهير، وإنما كتابة شيء عن وداع الأبوين”.
تزوج ماركيز السيدة بارتشا عام 1958، وعلى عكس مؤلفين آخرين من جيله، مثل أوكتافيو باث، كارلوس فوينتس أو ماريو بارغس يوسا، ظل الكاتب الكولومبي مع زوجته الأولى لآخر حياته. يقول رودريغو إن أمه كانت تحتاج إلى شخصية قوية لتغيّر حياتها، إذ من قلب فتاة كولومبية ريفية مولودة في عقد الثلاثينات كان يجب أن تولد سيدة تجلس مع الرؤساء والشخصيات الدولية العامة بكل طبيعية.
كما حدث في جنازة غابو. “كان عالمها معقدًا: النجاح، الشهرة والسفريات والمسؤوليات. ومرثيدس كانت المسؤولة عن كل شيء بنسبة كبيرة. لقد سافرت بعيدًا، قامت بجولات مذهلة، حتى صارت مرثيدس التي تتعامل مع أناس عالميين بكل أريحية”.
في حكايته، يتناول رودريغو قصة ضياع ذاكرة غابو قبل سنوات من رحيله في 17 نيسان/ أبريل 2014، وكيف آلمه ذلك، لأنه كان يدرك أن ضياع الذاكرة يعني خسارة المادة الخام لحكاياته. يقول في كتابه: “كان أبي مدركًا تمامًا لتبخر ذاكرته. وثمن رؤية شخص في حالة قلق والتسامح مع تكراراته اللانهائية مرة وراء أخرى، كان فادحًا”. يقول: “كنا قد أخذنا استعدادنا للوداع مع فقدان الذاكرة. ولحسن الطالع لم يعان في النهاية من إدراك هذا الفقدان”.
لو ثمة شيء كان واضحًا لماركيز فهو أنه يريد قضاء أيامه الأخيرة في المكسيك، البلد الذي هاجر إليه في الستينيات وكتب هناك عمله العظيم “مائة عام من العزلة”. فـ”دائمًا ما راق له المكسيك، وكان سعيدًا هناك. المكسيك أكثر هدوءًا من كولومبيا. وفي النهاية كان يشعر أنه في بيته، بيت المكسيك، حيث قضى أغلب وقته”.
يضم الكتاب مجموعة من الصور العائلية: صورة زفاف أبويه، صور الجنازة، وصورة جميلة لقربان يوم الموتى مقدمًا لابنيه.
الآن، بانتهائه من كتابة الكتاب ونشره، تخلص ردوريغو من عبء كبير على كاهله؛ عبء أن يحكي حكايته الخاصة، بعد أن ظل يقرأ لسنوات عن حياة أبيه، كما يؤكد. غير أن التخلص من هذا العبء، مثل كلّ ما يخص ماركيز، كان بمثابة هدية ثمينة للقراء.