أحرقتْهُ شمسُ الزّوال، ومع ذلك يُصر أنها ليست شمسَ هذه اللحظة، إنها شمسُ الثَّماني دقائقَ الماضية!
ولكن كيف؟!؛ المفروضُ أن يعيشَ لحظتَه بكل تجلياتِها.
كان على هذا الشُّعاع أن يَحرِق أُناساً كانوا هنا قبل ثماني دقائق، لماذا توقف الزمن ثماني دقائق؟ لماذا تأخرَ ثماني دقائق؟
أدارَ المفتاح ودلف إلى الداخل، كتابٌ آخرُ يَفتحُه على علامةٍ مَوضوعةٍ سَلَفا بين صفحاتِ الكتاب.
سَيصيرُ اليومَ إنساناً آخر، شابا هذه المرة؛ ليُباشِرَ دوْرَهُ كشخصيةٍ أساسيةٍ في حُبكة جديدة،
طولُها بعدد الأوراق على يسار الكِتاب، كلُّها عوالِمُ مُفبركة، وَهْمٌ مرة أخرى، ولكنه:
يرتاح،
يَنشغِل،
يَنهمِك،
أمامَهُ دوْرٌ يجب أن يقوم به، ليس عليه أن يَحتاط أو يختار، فالأوراق هي من سيُرشِدُه، كلُّ شيءٍ مُعَدٌّ له سَلَفا.
…
فتحَ النافذة، لتتنسَّمَ الغرفَةُ نسيمَ الليل النظيف، وتَلْفُظَ زفير السيارات وسموم الناس التي لوثتْ المدينة طول اليوم، حتى الجُدران؛ ما زالت تَرْتَجُّ بِضوضائِهم،
سُكونٌ مُطْبِقٌ وجميـــل.
…
اختفى كل أولئك الذين يَضربون الأرض بأرجُلِهِم طوال النهار، كأنهم مُنشغلون بشيء ما، اتضحتْ الرؤيا ولا جديد،
البِناياتُ نفسُها ..، الطرقات نفسُها ..، و حاويات القُمامة نفسُها كذلك ..،
رفعَ رأسَه إلى السماء تُزينُها النجوم، تأمَّلَها طويلا، ما هذا الجَمال الساحر؟.. فجأةً أزاحَ بِبَصرِه، طأطأ رأسَه،
لمْ يشأ أن يَنظُر، أن يُتِمَّ تأمُّلَه، فمُعظمُ تلك النجومِ نورٌ وصلَ إلينا لِتَوِّه، نُورٌ كان من المفروض أن يَصل قَبْلَ زَمَنٍ بَعيد!
مُعظم تلك النجوم أشباحٌ تَستوْطِنُ السماء، لقد ماتت مُنذ أمدٍ بعيد، ولَم يَبْقَ منها سوى ذلك النور المُتوهّج الذي يَخدعُنا، ويُوهِمُنا بأنه مازال موجودا هناك، يَقطَعُ آلاف الأميال الضوئية، لِيُعلِمَنا أنه في يومٍ ما؛ كان نَجْماً هناك، يتلألأ في البَعيــــــد.
. . .
تمدَّدَ على أريكتِه، وأَسْدَلَ جَفْنَيْهِ على مُقلتيْه، فاسْوَدَّ العالَمُ مِن حولِه، لم يَعد مُمكنا للزيَّف والسَّرابِ والوَهم أن يَنفُذُوا إليه، فهو الآن مَنِيعٌ، مُوصدٌ على نفسِه.
…
تَحَسَّسَ مَرْتَبَتَهُ ليتأكد أنها ما زالت تَحمِلُه، أحسَّ بِجلدِهِ يَتَحَبَّبُ ويَقْشَعِرُّ من البرد،
انتفض من أريكتِه، وهَرَعَ نحو النافذة، واشْرَأَبَّ بِوجهِهِ إلى السّماء يَمْسَحُ بِعَيْنَيْهِ النّجوم.
تَنَفَّسَ بِعُمْق
ابتسمَ ابتسامةً صافية، تناولَ كِتاباً، وانكبَّ يَقْرَؤُهُ بِنَهَمٍ شديـــــــــــــــــد.