هل تذوقتِ طَعْمَه؟ قالت سمكةٌ لأخرى.
قد لا يروقُكِ في البداية، ولكن؛ بعد ذلك ستُصابينَ بالإدمان، ستَقْضِينَ ثُلُثا حياتِك في الانتظار، في انتظار موجةِ الجَزْرِ وهي تَحمِلُ معها مائدتَنا العجيبة.
…
لا أُخفيكِ سرّاً، إن لحمَهُ مرٌّ جدا، مرارةً تختلِفُ عن مَرارةِ الطحالب، إنها كمَرارةِ الحسرة والظلم المَغموسِ باليأس.
ولكن فيه كذلك طَعمَ الحُلْم،
….
أولئك الذين لم يُسمح لهم حتى بِمُجردِ الحُلْم، حتى الحُلْمُ خذَلهُم، كان يَحمل عُقولَهم وأفكارَهم نحو الشمال، كفنٍّ من فُنون النِّسيان، ولما أدمنُوهُ؛ وَرَجَوْهُ أن يُخلِّصهم؛ خذلَهم وجعلَهُم مَأدُبةً لأمة البَحر..
…
صدقيني؛ إن عائلتَنا الكبيرة من الأسماك التي تَستوْطِنُ هذا الحِزَامَ الأبيض، قد تَعفَّفَتْ عن أكلِ الطَّحالبِ والعَوالقِ والقِشْرياتِ والأسماكِ الصغيرةِ والبَلَم، وأدمنوا جميعُهُم تلك القرابين التي تَسُوقُها أمواجُ الجَزْر مع شُعيْعاتِ الصباح الأولـــى.
…
أُصيبتِ السّمكةُ بالتُّخمة، نسيت عاداتِها الفطرية في التغذية.
تلوَّثَ البحرُ بالقشريات، دُفنتِ الطحالب بالعظامِ والجماجم …
…
كلُّ الأسماكِ أَدْمَنَتْ أكلَ القرابين، شاعَ الخبرُ في المحيطات، وحجَّتِ الأسماكُ في أسرابٍ كالجَراد لِحضورِ المأدُبة.
…
تَجشَّأتِ السَّمكةُ ما بأحشائِها، أصابَها الخَدَر، وطَفَتْ على الماء.
تلاحقتْ نحوَها الأسماكُ لتقديم المُساعدة.
…
قالت السَّمكة في ضُعفٍ وَوَهَنٍ شديد: سوف نُصابُ بِجُنونِ السَّمك !
قد نَضطرُّ إلى الانتحار !!
نَرْبِطُ أحزمتَنا بحبالٍ مشدودةٍ إلى بالوناتٍ مَملوءَةٍ بالهواء الساخن؛ لتَحْمِلَنا خارج المــاء.
..
رُبما يتوجَّبُ علينا في مُقبِل الأيامِ أن نَتناوَب… !!
أن نَحزِمَ زعانِفَنا، ونستوطنَ اليابســــــــة.
من مجموعة : ظـل فـي الـعـتـمــة – تـأليف : الكاتب؛ الحـسـيــن بـشـــوظ.