“فلسفة الموت” – قصيدة شعرية
قصيدة؛ فلسفة الموت:
تلك القصيدة التي جاءت نتاجا لتلاقح الكلمات والخيال، بعد مرارة الفقد ومأساة الموت ومصيبته التي حلت بنا كأُسرة، وبي خاصة كصديق حميم للفقيد الغائب عن العين المشهود بالقلب.
هذا الفقد الذي عانيت من خلاله لفترة ذهبت نفسي عليه -ومعه- حسرات، حاولت البحث على سبل عديدة ووسائل متعددة يمكن معها تجاوز الأمر أو بالأحرى التعايش مع النازل، لكن كل السبل كانت تبوء بالفشل، فاخترت فسحة الكتابة بدلا، فكانت نتيجة ذلك الاختيار القصيدة التي بين أيدينا، وإنها وإن لم تكن أولى قصائدي إلا أنها تبقى أفضل تلك القصائد جميعها وكيف لا وهي التي وصفتها فقلت:
قصيدةٌ ما كَتَبْتُ مثلَها أبداً // بالدمعِ في القلبِ خُطتْ لا كما عُهِدَا
القصيدة:
أَمَاذا تراني حاكياً في المماتِ // أنا لَستُ إلا ساكِبَ العَبَراتِ
أنا لسْتُ إلا شاعراً متفلسِفاً // إذا قلتُ شعراً قلتُه عن حياةِ
أرى أن عيشَ النذلِ ليس بعيشة // وإن دَب في الأرض ذَبِيبَ المشاتِ
فما العيشُ إلا استقام وطاعةٌ // وما الموت إلا موت الشهواتِ
أرى أن موتَ المرء حتْم وقوعُهُ // وإن كان في بُرجٍ مَشِيد القناةِ
فإنْ كان موتُ المرء لا بد واقعاً // فما نفْعُ دمع سَالَ أو حَسَراتِ
وما نفعُ خوف أو تَوَارٍ وحِيطةٍ // وما نفعُ حِزب والتماسُ النجاةِ
ألا فليعش أهلُ الحياة حياتَهم // فكل الورى تنْجو إلا من فَواتِ
ومن يتعظْ فالموتُ أعظم واعظ // ولا فاز من لم يتعظْ بالمماتِ
سنَفْنى سواءٌ شئتَ أو لستَ شائِياً // أَفِقْ، إن فوزاً ليس في السباتِ
وعِشْ ما استطعتَ ناسِكاً أو متعبداً // ففي الله تلقَى ذاتَها كلُ ذاتِ
ولا تقُل: إني يافعٌ لستُ عاتياً // إذا جاء موتٌ بغتةً قال: هاتِ
ولا تنزعج فالعيشُ يومٌ وليلةٌ // ولا تنكسرْ فالموتُ داعِ الشتاتِ
فقانون هذا الموت جد معقدٍ // مريرٍ شديدٍ هادم اللذاتِ
أنا لست في الموتِ حكيما وعالماً // أنا شاعر أُملي معاني الوفاةِ
أنا شاعرٌ والشعرُ ليس مواعظاً // وما الشعرُ إلا فلسفةُ العظاتِ
فيارب ارحم كلَ نفس قَبضتَها // وأشفق على كل الأُلَى في الحياةِ