جائزة البوكر 2021 .. عام رائع للكتابة الأفريقية
بعد أن ترشح لجائزة البوكر مرتين من قبل، مرة في عام 2003 عن روايته “الطبيب الصالح”، والثانية في عام 2010 عن رائعته “في غرفة غريبة”، فاز بها دامون غالغوت (Damon Galgut) أخيرًا هذا العام، عن روايته “الوعد”، ليصبح الفائز الثالث بالجائزة المرموقة من جنوب أفريقيا بعد نادين جورديمر وجي إم كوتزي.
- القارة الغنية بكنوزها
غالغوت كاتب روائي ومسرحي، ولد في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 في بريتوريا، جنوب أفريقيا. يعد من الشخصيات المؤثرة في الأدب العالمي التي تؤرخ للإساءات التي طالت جنوب أفريقيا في ماضيها وحاضرها.
روايته الأولى “موسم بلا خطيئة” كتبها في السابعة عشرة من عمره، لكن كتابه التالي، وهو عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة بعنوان “دائرة الكائنات الصغيرة” لم يصدر إلا عام 1988، وفيه شيء من الذاتية يتعلق بمرضه المبكر بسرطان الغدد الليمفاوية، الذي طرحه من خلال إحدى القصص بالعنوان نفسه، مركزًا على صراع الأم مع مرض ابنها.
حاز غالغوت على عدد من الجوائز منها جائزة وكالة الأنباء المركزية الأدبية عام 1992 عن روايته “صراخ الخنازير الجميل”. كما اقتبست السينما روايته “الرهينة” مرتين.
لم يصدق غالغوت خبر فوزه بالجائزة كما يحدث لمن يحالفه الحظ على غير توقع، من ضمن ما قاله في حفل تكريمه: “لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا للوصول إلى هنا والآن بعد أن تحقق ذلك، أشعر نوعًا ما بأنه لا ينبغي أن أكون هنا…
كان من الممكن أن تذهب الجائزة بسهولة إلى أي واحد من الموهوبين الآخرين في هذه القائمة وربما لشخص غير موهوب على الإطلاق. ولكن نظرًا لأن الحظ السعيد وقع عليَّ، فاسمحوا لي أن أقول إن هذا كان عامًا رائعًا للكتابة الأفريقية، سيما وقد فاز الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح بجائزة نوبل للآداب لهذا العام. يسعدني أن أقبل هذا التكريم بالإنابة عن جميع القصص التي رويت والتي لم ترو بعد، الحكايات التي وجدت آذانًا صاغية والتي لم تجدها، من القارة الرائعة التي أنا جزء منها”.
نأسف لأننا لم نف بالوعد
تبدو “الوعد”، بالرغم من أنها الرواية التاسعة لغالغوت والأولى منذ سبع سنوات، وكأنها العمل الذي ولد حقا من أجل إنجازه. تبدأ في عام 1986 أثناء الفصل العنصري، مسلطة الضوء على أثرياء أفريقيا من خلال قصة تدور أحداثها في بريتوريا، حيث ولد الكاتب وتعلم وكبر.
تحكي عن ثلاثة أشقاء انقطع التواصل بينهم بعد رحيل الأم كما يحدث عادة، لكنهم على مدار ثلاثة عقود متتالية تجمعهم الأقدار مرة بعد مرة لتشيع جنازة أحد أقاربهم، وداخلهم تتنامى مشاعر مختلطة من الإحباط والأمل مع تطور دولة الفصل العنصري السابقة.
قام غالغوت بتقسيم الرواية ببراعة إلى أربعة أقسام، مشيدًا كل قسم منها على موت مفاجئ وعنيف. يبدأ الأول بوعد على فراش الموت بإعطاء منزل في مزرعة سوارت للخادمة السوداء سالومي.
وبينما ينتقل نيلسون مانديلا “من زنزانته إلى عرش الحكم”، وتطرأ الكثير من التحولات على المجتمع على مدى العقود التالية، فإن هذا الوعد الذي قطعته الأسرة البيضاء على نفسها، تفشل فشلًا ذريعًا في الوفاء به.
تأتي الابنة الصغرى التي تبلغ من العمر 13 عامًا في أول القصة و”ليس لديها أي فكرة عن البلد الذي تعيش فيه”، لتمثل الضمير الحي لأسرة التي لم تفِ بوعدها، لكن ابن الخادمة سالومي يأبى أن يريحها تمامًا بجملته القاطعة، في لقائها الأخير معه “كل ما لديك يا سيدتي البيضاء، هو ملكي بالفعل. لست مضطرًا لأن أطلبه”.
- ملحمة عائلية غير مكتملة
جاءت فكرة الرواية من حوار للكاتب مع آخر فرد من عائلته ما زال على قيد الحياة. دار الحوار عن الجنازات التي حضرها ذلك الأخير لوالدته وأبيه وشقيقه وأخته، حسب أقوال غالغوت، الذي يعيش في كيب تاون، في مقابلة مع راديو بي بي سي 4 الأسبوع الماضي: “خطر لي أنها ستكون طريقة جديدة ومثيرة للاهتمام في التعامل مع ملحمة عائلية…
إذا كان الشيء الوحيد لدى القارئ هو نافذة صغيرة مفتوحة على هذه الجنازات الأربع ولم يتسنَ له استيفاء المسار الكامل لقصة العائلة، فعليه ملء الثغرات بنفسه. أنا ككاتب، تبهرني حواف الخريطة، الأشياء التي لم ينطق بها”.
أبهرت “الوعد” بالفعل هيئة تحكيم البوكر هذا العام كما تقول مايا جاسانوف، رئيسة اللجنة، المؤلفة من الكاتبة والمحررة هوراتيا هارود، الممثل ناتاشا ماكلون، الروائي شيغوزي أوبيوما، والكاتب والمطران السابق روان ويليامز. قالت جاسانوف: “سرد عميق مشيد بإحكام، عن عائلة بيضاء من جنوب أفريقيا تخوض في الفصل العنصري وعواقبه”.
وأضافت: “مع كل قراءة كنا نشعر أن الكتاب ينمو باطراد. ورغم الاقتصاد الخادع في السرد، كان بوسعه أن يقدم رؤى متحركة عن الانقسامات بين الأجيال، في محاولة للقبض على ما يجعل الحياة مُرضية – وكيف يعالج الموت؛ ويستكشف الآثار المجازية لـ “الوعد” فيما يتعلق بجنوب أفريقيا الحديثة”.
- حفل بوكر هذا العام ليس افتراضيًا
من داخل مسرح راديو بي بي سي في لندن، وبحضور الأسماء الستة التي تضمنتهم القائمة القصيرة، (غالغوت، ناديفا محمد، باتريشيا لوكوود، ماجي شيبستيد، ريتشارد باورز، أنوك آرودبراغاسام)، بمشاركة بعض الضيوف على نطاق ضيق، تم بث الحفل المقام فعليًا وليس افتراضيًا، مساء الأربعاء 3 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتخللته محادثة مسجلة بين كاميلا، دوقة كورنوال، والمؤلف الأسكتلندي دوغلاس ستيوارت؛ الفائز الأخير بجائزة بوكر العام الماضي عن روايته الأولى “شوجي باين” حول حياة صبي وحيد نشأ في الإسكان العام في غلاسكو في الثمانينيات.
وردًا على سؤال عما يعنيه الفوز بجائزة كبرى عن أول رواية له خلال جائحة حالت دون استمتاعه برحلات حول العالم، أجاب ستيوارت “إنه أمر غير واقعي مطلقًا… تضامنًا مع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي ينعقد في مسقط رأسي، يجب أن أكون أكثر الفائزين ببوكر صديقًا للبيئة، لأن كل ما قمت به من رحلات كان من أريكتي الرمادية. وهكذا كنت في كل مكان ولكني لم أكن في أي مكان في الوقت نفسه”.
تضمن الحفل أيضًا، مقابلة مع الشاعر والروائي النيجيري بن أوكري، الحائز على البوكر عام 1991 عن روايته “الطريق الجائع”. تكلم فيها أوكري عن تطور رؤية الجوائز في الثلاثين عامًا التي انقضت منذ فوزه، لقد أصبحت “أكثر شمولًا وانفتاحًا على التجارب والأصوات الثرية في جميع أنحاء العالم.
هناك المزيد من الأشخاص الملونين، والمزيد من النساء. إنهم أكثر انفتاحًا على الاحتمالات بين الجنسين… أصبحت أكثر ثراءً وجرأة”. بينما يختتم غالغوت كلمته لقرائه فيما يوحي بالوعد الذي لا بد من الوفاء به “من فضلكم استمروا في الإنصات إلينا – لدينا المزيد في المستقبل”.
من الفائزين السابقين بالجائزة البالغ قيمتها 50 ألف جنيه استرليني، مارجريت أتوود، برناردين إيفاريستو، ويليام جولدينغ، إيريس مردوخ، سلمان رشدي وهيلاري مانتيل.