- نشأة التداولية
يعود استعمال مصطلح التداولية إلى الفيلسوف تشارلز موريس انطلاقا من عنايته بتحديد الإطار العام لعلم العلامات، أو السيمائية من خلال تمييزه بين ثلاثة فروع، وهي:
الفرع الأول النحو أو التركيب (Syntax): وهو دراسة العلاقة الشكلية بين العلامات بعضها البعض.
الفرع الثاني الدلالة (Semantics): وهي دراسة علاقة العلامات بالأشياء التي تؤول إليها هذه العلامات.
الفرع الثالث التداولية (Pragmatics): وهي دراسة علاقة العلامات بالأشياء بمستعمليها وبمؤوليها.
ويمكن القول إن مبتدع التداولية المفترض هو تشارلز بيرس إلا أن تلميذه تشارلز موريس هو الذي أدخلها ضمن إطار نظري يعنى فيه هذا المصطلح “العلاقة بين العلامات ومستعمليها”.
أما عن نشأة التداولية وظهورها في الفكر اللساني الغربي الحديث بحيث أصبحت تيارا موازيا لتيار البنيوية وتيار التوليدية التحولية، فقد اتفق الدارسون على أن التداولية لتصبح مجالا يعتد به في الدرس اللغوي المعاصر إلا في العقد السابع من القرن العشرين بعد أن قام على تطويرها ثلاثة من فلاسفة اللغة المنتمين إلى التراث الفلسفي لجامعة أكسفورد؛ هم:
أوستن، وسيرل، وجرايس، وكانوا جميعا مهتمين بطريقة توصيل معنى اللغة الإنسانية الطبيعية من خلال إبلاغ متكلم رسالة إلى متلقي يفسرها. وكان هذا من صميم التداولية.
ويمكن إرجاع نشأة التداولية –بمفهومها اللغوي– إلى سنة 1955 عندما ألقى جون أوستن محاضراته في جامعة (هارفارد) ولم يكن يفكر في تأسيس اختصاص فلسفي للسانيات، فقد كان هدفه تأسيس اختصاص فلسفي جديد هو فلسفة اللغة.
يستنتج مما سبق أن التداولية –بوصفها منهجا يهتم بدراسة اللغة في الاستعمال ويكشف عن معنى المتكلم ومقاصده في السياق المحدد– اشترك في تأسيسه في العصر الحديث تياران رئيسيان هما: تيار تشارلز موريس، وتيار مدرسة أكسفورد. ولقد أفاد تشارلز موريس في التأسيس للتداولية من خلال “سيمائية ثلاثية الأبعاد”. الأسباب التي أدت إلى ظهور التداولية وتطورها وازدهارها:
أسباب داخلية.
أسباب خارجية.
- أولا: الأسباب الداخلية:
اللسانيات التوليدية التحويلية التي لاحظت وجود ظواهر تركيبية ظاهرية يستحيل تفسيرها دون مراعاة السياق.
أن النحو لا ينبغى تفسيره، أو صياغة قواعده على أساس الحدس اللغوي بل على أساس ملاحظة الاستعمال الحقيقي للغة محل الدراسة.
إقصاء “الدلالة” من البحث اللساني في التيارات البنيوية وخصوصا الأمريكية.
- ثانيا: الأسباب الخارجية:
ازدهار بعض العلوم والميادين المعرفية التي ترتبط باللغة كالمعالجة الآلية للغة في التوثيق والترجمة الآلية.
الحاجة الشديدة إلى استثمار منجزات اللسانيات في علوم مختلفة كالشعرية والبلاغة والأسلوبية.
الحاجة إلى البعدين الدلالي والتداولي إلى جانب البعد النحوي التركيبي ومنها:
الحاجة إلى اتباع التوصيات العلمية العامة التي تطلب إنجاز الدراسات التكاملية، وترفض اختزالية الاتجاهات البنيوية والتوليدية.