أطياف “باولو فريري”.. التعليم كفعلٍ تحرري
درج الإنسان العربي والإنسان الواقع في عموم ما يُعرف بالعالم الثالث على استقبال الأفكار الفلسفية والتربوية من العالم الغربي باعتباره المُنتِج الأوحد للثقافة العليا، وما على هذه الشعوب إلا أن تمارس وظيفتها المعتادة في الوقوف عند حد استهلاك هذا الفكر الآتي من العالم الغربي بمختلف تصانيفه واختلافاته واتجاهاته(1).
ومن هنا تأتي عملية إبراز مفكرين وفلاسفة من العالم الثالث شرطًا من شروط زحزحة الأحكام الاعتباطية المتعسّفة نحو العالم الثالث ككل، وفي هذا المقام نقدم مثالًا فكريًّا وفلسفيًّا اكتسب شهرة عالمية واسعة محتلًّا بذلك مكانة مرموقة في عالم الفكر التربوي،
ونعني هنا المفكر البرازيلي التربوي باولو فريري الذي استطاع أن يخرج بفكر نقدي تفاعل مع ظروف قاسية عانى منها المجتمع البرازيلي كواحدٍ من المجتمعات التي وقعت كثيرًا تحت براثين الاستغلال والفقر والتبعية، فيجيء فكر أصيل يسعى إلى تغيير الواقع الاجتماعي لا ليكون مجرد نسخة مقلدة للنموذج الغربي، وإنما لتحريره وبنائه وفق احتياجاته واحتياجات الجماعة التي ينتمي إليها(4).
- حياة باولو فريري دروس وعبر
ولد باولو فريري في 19 (سبتمبر/أيلول) 1921 بمدينة ريسايف بالبرازيل، وهي من المناطق الفقيرة جدًّا. وكان أبوه يعمل ضابطًا بالشرطة العسكرية، ولا ينتمي لديانة ما، في حين اعتنقت أمه الكاثوليكية. وتأثر باولو فريري في طفولته بوالديه تأثرًا كبيرًا، حيث اعتبرهما مثالًا للحب، وتعلم منهما كيفية تقدير قيمة الحوار، واحترام اختيارات الآخرين.
وقد عانت أسرته أزمات مالية عديدة في ظل الكساد العالمي آنذاك، وقد استفاد من هذا الأزمات وتعرف على معنى الجوع ودلالته لدى أطفال المدارس(5).
كما تعلم فريري من الصعوبات التي واجهت أسرته، والأسلوب الذي تعامل به والداه بنجاح مع هذه الأزمات، وقد انتقلت أسرته إلى خارج المدينة؛ لمواجهة صعوبات الأزمة المالية، ومحاولة الحفاظ على المستوى المعيشي للطبقة المتوسطة، وأقامت في مدينة جابوتا التي تتميز بكلفة معيشية أرخص ممّا هي في ريسايف،
ونتيجة لهذا الترحال كان المستوى التعليمي لفريري متوسطًا، حيث كان لا يذهب إلى المدرسة بصفة منتظمة؛ لاضطراره العمل من أجل كسب لقمة العيش والمساهمة في ميزانية الأسرة، وفي سن العشرين التحق بكلية الحقوق، وخلال فترة الشباب والجامعة كان فريري يستمع لعظات الكنيسة الكاثوليكية ويناقشها مع أقرانه، كما قد قرأ في تلك الفترة مؤلفات ماركس ومونيير وأونامونو وغيرهم من المفكرين المؤثرين بقوة في فلسفة فريري التربوية(5).
وفي 1944 تزوج فريري من إلزا ماريا كوستا التي كانت تعمل مدرسة، ثم مديرة مدرسة، وقد أنجبت له ثلاث بنات وولدين. وقد تأثر فريري كثيرًا بإلزا وبحياته الأسرية التي جعلته يتعمق في دراسة التربية والفلسفة وعلم اجتماع التربية. وقد تزوج فريري مرة أخرى عام 1986 بعد وفاة زوجته الأولى، حيث تزوج آنا ماريا، وكانت طالبة بالمدرسة التى يعمل بها فريري مدرسًا للغة البرتغالية. (5)
وقد عمل فريري في عدة أماكن، فرغم تخرجه من كلية الحقوق ليعمل محاميًّا فإنه ترك مهنة المحاماة، واشتغل مربيًّا في الفترة من 1941 حتّى 1947، وهي الفترة التي تعرف فيها على إلزا، واحتك خلالها بالفقراء والمقهورين(5).
وفي عام 1962 قام عمدة ريسايف بمشروع لتعليم الكبار القراءة والكتابة، وأسند لفريري مهمة تنسيق هذا المشروع، حيث أدار حلقاته الثقافية، ونجح المشروع نجاحًا كبيرًا، وتم تعميمه في العام التالي ليشمل الدولة كلها، متولّيًّا فريري بذلك منصب مدير برامج تعليم القراءة والكتابة القومي(5).
وفي 1964 حدث انقلاب عسكري بالبرازيل، فتوقف برنامج محو الأمية، وتعرّض فريري للسجن لمدة 75 يومًا بعد أن وُجّهت إليه تُهم نشر أفكار غريبة بالبلد تهدف إلى التخريب وخيانة المسيح والشعب البرازيلي، ثم انتقل إلى بوليفيا بعد أن طلب حق اللجوء السياسى إليها، وعُيّن هناك مستشارًا لوزير التربية، ولكن الانقلاب الذي حدث ببوليفيا جعله يضطر لمغادرتها(5).
وفي المنفى الذي طال لمدة 16عامًا استعاد فريري نشاطه، وزار العديد من دول العالم مشاركًا في حلقات الحوار والمؤتمرات والاجتماعات، حيث ساعد الحكومات الثورية في أفريقيا من أجل التحرر، وانتقل من شيلي إلى تنزانيا وزامبيا وغينيا بيساو ونيكاراجوا، حيث ناضل من أجل نشر أفكاره المتعلقة بتطوير سياسات التعليم(5).
وفي عام 1969 عمل فريري أستاذًا زئرًا في مركز الدراسات التربوية والتنمية التابع لجامعة هارفارد، وكانت هذه الفترة حدثًا مهمًّا في حياته؛ حيث وجدت أفكاره جمهورًا كبيرًا في أميركا الشمالية، كما اتصل خلالها بالنقاد الراديكاليين في التربية من أمثال جونثان كوزول وإيفان إليش. وفي 1970 ترك فريري جامعة هارفارد متوجهًا إلى جنيف؛ ليتولى وظيفة مستشار خاص بمكتب التعليم في المجلس العالمس للكنائس، وهو المنصب الذي أتاح له الاشتراك الفعلي في التعليم بأفريقيا(5).
وفي 1979 عاد فريري إلى البرازيل بعد زوال الحكم الدكتاتوري العسكري، وتولى عند عودته منصب الأستاذية بكلية التربية بالجامعة الكاثوليكية في ساو باولو، وانتهى به المطاف في عام 1989 مديرًا عامًا للتعليم في ساو باولو. وفي 9 (مايو/آيار) 1997 توفي فريري عن عمر يناهز 75 عامًا، بعد رحلة طويلة من الكفاح والنضال من أجل الحرية والتحرر والتعليم(5).
- الفلسفة التربوية عند باولو فريري
نقطة الانطلاق الأساسية في فلسفة باولو فريري التربوية هي في تحليل عملية القهر التي يعانيها العالم الثالث، وإيضاح نتائجها الاجتماعية والنفسية ومحاولة اكتشاف الطريق للتغلب عليها(6). هذا وقد رسم باولو فريري الملامح العامة والخطوط العريضة لأفكاره التربوية والفلسفية في خمسة كُتبٍ أساسيّةٍ له -تُرجمت للعربية-، وهي على النحو الآتي:
1- تعليم المقهورين.
2- العمل الثقافي من أجل الحرية.
3- التعليم من أجل الوعي الناقد.
4- المعلمون بناة ثقافة: رسائل إلى الذين يتجاسرون على اتخاذ التعليم مهنة.
5- تربية القلب في مواجهة الليبرالية الجديدة.
ولقد بيّن فريري في غير واحد من كتبه آنفة الذكر أنّ القهر أو السيطرة هو السمة الرئيسة للعصر الذي نعيشه في العالم الثالث، ويعني فريري بالقهر في العالم الثالث ذلك النسق من المعايير والإجراءات والقواعد والقوانين الذي يشكّل الناس ويكيّف طبيعتهم في المقام الأول،
ثم يضغط بعد ذلك على عقولهم حتى يعتقدوا أنّ الفقر والظلم الاجتماعي حقيقتان طبيعيتان ولا يمكن تجنبهما في الوجود الإنساني، ولا يتم ذلك إلا حينما يكون النفوذ والسلطة لدى قلة من الناس والخرافة والوهم في عقول أكثر الناس(6).
والقهر ليس مجرد بنية اجتماعية واقتصادية فحسب، وإنما هو بنية ثقافية يسميها البعض “ثقافة القهر”، بينما يسميها فريري “ثقافة الصمت”، وهي كما يرى ثقافة مغتربة يتم فيها قبول الواقع القهري متأرجحين بين وهم التفاؤل وقهر التشاؤم، غير قادرين على تغيير واقعهم وسعيهم الجاد نحو المستقبل.
ولذلك يسعى الناس في هذه المجتمعات إلى استعارة حلول لمشكلاتهم من المجتمعات الأخرى دونما فحص أو تحليل نقدي لسياقاتها التاريخية التي ظهرت وتبلورت فيها، وحاصل ذلك تترسخ في هذه المجتمعات “ثقافة مغتربة “(6)، أو القبول بما يسمه فريري بالكرم الزائف الذي يحاول فيه القاهر تجميل قبحه وسطوة قهره ببعض المبادرات والخدمات(7).
إن المقهورين يعانون من ازدواجية انغرست في عقولهم، فرغم أنهم يشعرون بأنهم من غير الحرية لا يستطيعون تحقيق وجودهم الذاتي فإنهم في الوقت نفسه يخشون الحرية، ويزاوجون بين إحساسهم الخاص وإحساس القاهر المتمثل في ضمائرهم، بين أن ينتزعوا شخصية القهر من ضمائرهم وبين أن يبقوا عليها، بين أن يلعبوا دورهم الحقيق وبين أن يلعبوا دور قاهريهم،
بين أن يتكلموا بصراحة وبين أن يلتزموا الصمت. تلك هي أزمة المقهورين الحقيقية التي تعبر عن تناقضهم في الحياة، ولذلك يجب عليهم اكتشاف أنفسهم، وتغيير واقعهم من خلال نوع التعليم الذي يتلقونه والذي يهتم بالتصدي لثقافة التسلط، ومن خلال التآلف بين المقهورين والإيمان بقدراتهم الإنسانية(8).
- التعليم كسياسة: أداة للقهر أو للحرية
لقد كان الهم الشاغل لباولو فريري هو تغيير دور التعليم في جدلية علاقته بالسلطة والمقهورين؛ لأجل استعادتهم لصوتهم وكرامتهم من خلال الوعي بالتعليم كشرط أساسي لتحررهم، وفي ضوء ذلك يرى فريري بأنه لا يوجد تعليم محايد؛ فهو إما أداة للقهر أو مُحفّز للتحرير(9)، وفي ذلك يقول “التعليم عملية سياسية كما أن السياسة عملية تربوية!”(8).
ويضيف أيضًا في شرح فكرته “إن قرار تعليم الشعب القراءة والكتابة هو نفسه قرار سياسي. ومهما يحدث فإنه يجب علينا أن نحذر من التلميحات التي تقال بذكاء أحيانًا وخبث أحيانًا لإقناعنا بأن تعليم القراءة والكتابة عمل فني محض ولا يجوز خلطه بالسياسية، وذلك لأن تعليم القراءة والكتابة لا يمكن أن يكون عملًا حياديًّا، فكل ضرب من التعليم يقتضي بطبيعته أن يكون له قصد سياسي”(8).
ولذلك كان يقول على الدوام ما يجب تعليمه لأبنائنا في المدارس “نحن شعوب لا تنحني إلّا حين الكتابة..”(10).
وهنا ينتقل باولو فريري إلى الحديث عن الطابع القهري الذي يطبع المؤسسات التعليمية في العالم الثالث، وذلك فيما اصطلح عليه بـ “التعليم البنكي”(8). وأساس هذا النظام التعليمي اعتبار المتعلمين المقهورين في المدارس كما لو أنهم حسابات بنكية يتم إيداع المعرفة في أذهانهم من قِبل الأساتذة(11).
وتصور “أيديولوجية الاضطهاد” -كما يسميها فريري- المعرفة المقدمة للطلاب في المدارس باعتبارها هبات يمنحها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ضليعين في المعرفة إلى مَن يعتبرونهم لا يعرفون شيئًا، بحيث يتم إلصاق الجهل المطبق بالطلاب ومنح المعلمين العلم المطلق في سياسة مناقضة لجوهر التعليم والمعرفة حال كونهما عمليتيْ بحث واستقصاء لا تتوقف عند أحد(5).
وتتجلى علاقة التعليم البنكي بين المعلم والمتعلم في عشرة سلوكاتٍ وطبائع تحكم البيئة التعليمية(5):
1- الأستاذ يُعلّم والطلبة يتلقون.
2- الأستاذ يعرف كل شيء والطلاب لا يعرفون أي شيء.
3- الأستاذ يفكر والطالب لا يفكر.
4- الأستاذ يتكلم والطالب يستمع.
5- الأستاذ ينظم والطالب لا ينظم.
6- الأستاذ يختار ويفرض اختياره والطالب يذعن .
7- الأستاذ يتصرف والطالب يعيش في وهم التصرف من خلال عمل الأستاذ .
8- الأستاذ يختار البرنامج والمحتوى والطالب يتأقلم مع الاختيار.
9- الأستاذ يرتب المعرفة ويتدخل فيها ويحول دون الطلاب ودون ممارستهم لحريتهم.
10- الأستاذ قوام العملية التعليمية والطالب نتيجتها.
والحل كما يرى فريري في تحويل هذه الممارسات القهرية في نظام التعليم البنكي إلى تعليم من أجل خلق الوعي الناقد على أساسٍ من التعليم التحرري، والذي يمر عبر الإيمان بالإنسان، وخلق الوعي الثقافي، والسعي نحو الحرية(5).
- الإيمان العميق بالإنسان كشرط للتعليم التحرري
ينظر باولو فريري إلى الإنسان والإنسان المقهور على أنه كائن عقلاني، واعٍ، مبدع، قادرٌ على صناعة أقداره، له الحرية في اتخاذ خياراته ومساراته، وهذه النظرة الإيجابية للإنسان شرط أساسي لنهوض التعليم التحرري وفق فلسفة فريري(12).
ومن المهم هنا ملاحظة أنّ فريري يتجاوز المعطى الكلاسيكي في علميْ الاجتماع والنفس من اعتبار الإنسان كائنًا غير عقلاني كما يتبدّى ذلك في فلسفة التحليل النفسي عند فرويد والمدرسة السلوكية الكلاسيكية عند سكنر، وكذلك في علم الاجتماع الكلاسيكي عند دوركايم ونظرية العقل الجمعي وغوستاف لوبون في سيكولوجية الجماهير.
في ضوء ذلك يرى باولو فريري أنّ ما يميز الإنسان عن الحيوان يكمن في ثلاثة خصائص جوهرية:
1- قدرة الإنسان على إدراك الزمن والتعامل مع أحواله الثلاثة: الماضي، الحاضر، المستقبل.
2- امتلاك الإنسان الخيال وقدرته على التجريد، والخيال هو ثمرة القدرة على إدراك الزمن.
3- علاقة الإنسان بالعالم مبنية على وعي نقدي قائم على تقدير المسافات، بينما علاقة الحيوان بالعالم مبنية على استجابة شرطية تمليه عليه وحي اللحظة(12).
ويلخص فريري نظرته عن الإنسان بمقارنة بسيطة بين الإنسان من جهة وبين النحل والعنكبوت من جهة أخرى، يقول فريري “إن أصغر نحلة في بناء مملكتها تحرج أكبر معماري في العالم، وإنّ أحقر عنكبوت في غزل شبكته، يحرج أكبر نسّاجة عرفها التاريخ. لكن النحل والعنكبوت لا يتخيلان هندسة ما ينويان القيام به، فهما فاقدان لمتعة التخيل وضرورة المسافة الواعية ممّا يقدمان على عمله، وعلى العكس من ذلك، فالإنسان يمتلك ما لا يمتلكه الحيوان؛ وبذلك تفوق عليه. وخلاصة الفكرة؛ الإنسان يتمكن للإنسان “أنسنة العالم”، بينما لا يقدر الحيوان على “حيونة العالم”(12).
- التعليم كأفق تحرري
إن الخطوط الفاصلة كما يرى فريري بين أن يكون التعليم أداة للقهر أو طاقة للتحرر وهادمًا لكل صيغ تزييف الوعي التي يقوم بها التعليم البنكي لصالح الشرائح القاهرة والقوى المستبدة، تحدد معالمها على النحو التالي:
المسؤوليةالأخلاقية: يرى فريري أن المسؤولية الأخلاقية في ممارسة مهنة التعليم لا يجب أن تختزل أبدًا في صورة تدريب، بل يجب أن تتجاوز الإعداد الفني، وأن ترتبط بجذور التشكيل الأخلاقي للذات الإنسانية والتاريخ الإنساني، وبالتالي يجب أن تلتصق المسؤولية الأخلاقية بالمهنة التعليمية(13).
الديمقراطية: يجب ألّا يكون المعلم فقط هو مصدر المعرفة الوحيد وكأن الطلاب ليس لديهم أي معرفة أو خبرة، فالمعلم هو الذي يتكلم ويشرح، وهم يستمعون وينصتون، وهو الذي يودع المعرفة في عقولهم وعليهم أن يختزنوها.
وهو الذى يسأل وعليهم أن يجيبوا من مخزون ما أودعهم من رصيد معرفي، ومن ثم فإن موقف التدريس في الفصل الدراسي وفي غيره مما يسود جو المدرسة من أوامر وعلاقات تسلطية أحادية يتحرك من أعلى إلى أدنى، ومن ثم يعكس نمط العلاقات السياسية غير الديمقراطية في المجتمع، ويؤدى إلى ترسيخه وإعادة إنتاجه(13).
تنميةروحالاستقلاليةلدىالمتعلم: وذلك في مواجهة مواقف القهر والتسلط في الممارسات التعليمية، حيث يدعو فريري بشدة إلى أهمية احترام ما لدى المتعلم من معرفة، وهذا يقتضي أن تقوم عملية التعليم على أساس المنهج الحواري الذي يشجع فضول المتعلم ورغبته في المعرفة، والتساؤل الرحب، والتفاعل الحقيقي بين المعلم والمتعلم، وعلى ممارسة التفكير النقدي في فهم الواقع المعيش، والاستقلالية في اتخاذ القرار، والتساؤل الفضولي، وهي قدرات لا تنمو وحدها ولكنها تتبلور نتيجة عوامل متعددة تؤدي إلى النضج السليم أو إلى تشويه هذ القدرات(13).
الاعترافبالنقصالمعرفي: كأساس للتربية المستمرة، فالناس قادرون على التعلم فقط إلى الحد الذي هم فيه قادرون على إدراك أنفسهم على أنهم كائنات ناقصة، فالتعليم ليس هو ما جعلنا قابلين للتعلم، بل وعينا بأننا ناقصون هو ما جعلنا قابلين للتعلم، وهذا أصل أساسي من أصول الممارسة التربوية(13).
احتراماستقلاليةالمتعلم: فالمعلم الذي لا يحترم فضول الطالب في تعبيراته الجمالية واللغوية، والذي يسخر من تعامله معه؛ إنما ينتهك مبادئ أخلاقية أساسية للشروط الإنسانية(13).
- الشجاعةالمدنية:
إن الدور الفاعل للإنسان في مسيرته التاريخية عبر صراعات القوى والمصالح هو السعي من خلال الشجاعة المدنية والمغامرة والمخاطرة لصنع حياة أفضل، مما يتطلب الالتزام واختيار المواقف المتسقة مع الطبيعة الأخلاقية التي تخاصم ما ليس صحيحًا أخلاقيًّا(13).
وختامًا، فإن هذه المعطيات التحريرية التي بسط القول فيها باولو فريري هي التي جعلت مجموعة من فلاحي الريف البرازيلي حينما تعلموا الكتابة والقراءة ضمن برنامج محو الأمية يكتبون بالمحاريث على الأراضي الزراعية كلمة “الحرية”(14).